كان الليل ممتلئاً بصمت.. كأنه مساحة بين نبضتين
عند تلك المساحة.. وقف الجسد والروح
لا يُعرَف أيهما يكمل الآخر
ولا يعرف أيهما سر الوجود
تقدم الجسد اولا بثقل الأرض في عظامه
قال للروح بصمتٍ وحدها تسمعه
لقد تعبت.. أنتِ تطيرين بلا قيود
وأنا أُساق بقيودي كلها
تحملين الشوق والحنين وتتركين لي الألم والنحيب
كل الأوجاع تنزل إلى.. وكل الحرية تهدي اليكِ
هزت الروح رأسها بحكمة وقالت..
لست وحدك المتعب فأنا ايضاً أُرهق ولكن
أتدري كيف؟
بالأحلام التي لا تتحقق..
بالحنين الذي لا يعود
بالطيبة التي تطعن
انت تتألم بما يصيبك
أما أنا اتألم بما تفكر فيه
بما تخافه وما تتمناه
جلس الجسد على حافة الصمت
لأول مرة يشعر أنه ليس وحده في المعركة
قال للروح بحرقة..
مع ذلك أنتِ تتحررين حين أنام
تسافرين حين أغمض عيني
تصعدين حين أنهار
أما أنا لا أرتفع عن الأرض خطوة واحدة
أحسد خفتك.. ونورك..
وقدرتك على الهروب منًي حين أُثقل
إقتربت منه الروح..
قالت برفق أم بطفلها..
وأنا يا عزيزي.. أحسدك
أحسد دفء دمك
قدرتك على لمس الأشياء
قربك من العناق
و قربك من الأرض التي تحملك
أما أنا.. لا كتف أبكي عليه
أنت تبكي يُري بكاؤك...
أما أنا.. أبكي داخلك.. لا يسمعني إلّا أنت
إرتعش الجسد
فقد أدرك فجأة أنّ الروح ليست بعيده عنه
وإنّها مقيمة فيه
قال لها.. لماذا إذن ندفع بعضنا للهاوية
ثم نبحث عن بعض عند القاع
ابتسمت ابتسامة اضاءت الظلام وقالت
لأنك من تراب
وأنا من نفخة
أنت تبحث عن البقاء
وأنا أبحث عن العلو
أنت تحب ما يسكنك..
وأنا أحب ما يحررك
لذلك نحن لا نتصادم..
نحن نكمل بعضنا بطريقة لا يفهمها سوي الخالق
سكت الجسد ثم قال
وماذا بعد
نظل نتداعي ثم ننهض؟ نتعب ثم نتماسك؟
نحن نصفان لا يلتقيان الا في الألم اليس كذلك؟
إقتربت الروح أكثر وهمست.. لا يا صاحبي
نحن نصفان يلتقيان في الحقيقة
أنت لا تفهم إلا بي
ولا أكتمل إلا بك
أنت بيت أسكنه وأنا سرٌ يقيمك
وحين يأتي الموت نفترق..
كل يعود إلى موطنه
أنت الي الأرض التي اشتاقت إليك
وأنا إلى السماء التي اشتقت إليها
تنفس الجسد بعمق أعاده طفلاً وقال ببراءة ورفق..
إذن.. أحبك..
رغم تعبك.. أحبك
رغم ما تحملين إليّ.. أحبك.
أحبك لأنك... الحياة
وردت الروح بصوت يتردد في الأعماق..
وأنا أحبك..
لأنك اول موطئ لي في هذا العالم
وآخر ما أغادره.. حين يحين الوداع
فلنمضِ معاً
أنت بثقلك..
وأنا بخفتي
أنت بحاجتك.. وأنا بشوقي..
نصفان من حقيقة واحدة..
لا يكتمل أحدنا.. دون الآخر.
حنان الجوهري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق