الأحد، 29 نوفمبر 2020

لمن ‏أشكو ‏كآبتي ‏بقلم ‏فراس ‏الطلافحة

لمن أشكو كآبتي
ـــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف. يذكر بقصته ( لمن أشكو كآبتي) شعور حوذي مات إبنه قبل أسبوع. والحوذي هو: سائق عربة الخيل. الحوذي كان يشعر بالإكتئاب بعد أن تلقى خبر موت إبنه الوحيد، ولم يستطع تقبل فكرة رحيله. فكان دائم البحث عن أناس ليتحدث إليهم عن حُزنه وفقده لإبنه ليتعاطفوا معه، ويرتاح هو بهذه الفضفضة. 

أنطون تشيخوف وصف الحوذي والذي أسماه (ايونا) بأنه كان أبيضًا كالثلج، ولا يخرج صوته إلا كالفحيح بمعنى المخنوق حين يتحدث إلى أحد زبائنه ومن يركبون معه في عربته: أنا يا سيدي هذا الأسبوع مات إبني. فيجيبه الراكب متذمرًا ويقطع عليه قبل ان يكمل ما يريد البوح به: هيا سر فنحن بهذه الطريقة لن نصل. هيا عجل بالمسير. ثم أغمض الراكب عينيه حتى يبدو للحوذي أنه لا يرغب في الإنصات.

ثم يحاول مرة أخرى مع راكب أخر وجديد.  فيبدأ معه حوارًا ليقول له: أنا هذا الأسبوع إبني مات فيجيبه الراكب: كلنا سنموت لينتهي الأمر عند ذلك ولم يسأله كيف مات.

إلتزم الحوذي الصمت وأخذ يفتش بين الجموع ومن في الشارع، ويتساءل في نفسه: لماذا لا يجد من بين هذه الآلاف من يُصغي إليه؟! ويضيف إن صدري يكاد ينفجر من الكآبة ولو سالت منه الوحشة والحنين إلى إبني لأغرقت الدنيا كلها. فأنا منذ أسبوع مات إبني ولم أتمكن من الحديث عن ذلك مع أحد. أنا يجب أن أتحدث وأروي للآخرين كيف مرض، وتعذب ثم مات في المستشفى، وماذا قال لي قبل أن يموت.

في النهاية توجه إلى حصانه حين لم يجد أحدًا من البشر ليشكو إليه كآبته وما مر به نتيجه موت إبنه، وبدأ يقص عليه قصتة والحصان منشغل بأكل الشعير والدريس ( إنتهت القصة)

كلنا محكومون بالفشل، وكلنا يعاني، وكلنا صرعى، وضحايا لهذه الدنيا. هذه الدنيا التي لا ترحم شيخًا ولا طفلًا، ولا رجلًا، ولا إمرأة، ولو دخل كلٌ منا قلب الآخر لأشفق عليه وبكى لبكائه مما يعانيه. من منا ليس حزينًا لفقد حبيب؟ من منا ليس مكروهًا بفشل في حياته؟ من منا لا يعذبه ضميره؟ من منا لم يمسسه طائف من حزن خفي؟ من منا لم يبكي في خلوته يومًا.

أنا أكره تلك القلوب المتصحرة. الخالية من المشاعر الإنسانية. أكره أولئك الذين يقفون معي، في عز محنتي ومصيبتي. بنصحهم وإرشادهم. فكل ما تريدون قوله أعرفه جيدًا، وأجيده أكثر منكم. أنا لا أريد منكم، آيات الوعظ والإرشاد. كل ما أريده منكم هو الإنصات لبكائي، والبكاء معي. إن أنبل ما في الإنسان هي دموعه، وهي أعظم من ألف محاضرة، تلقيها عليّ، وهي أعظم هدية ممكن أن تقدمها لمكسور فتجبر كسره، ولخائف فتؤمن روعته ورعبه، ولمبتلى فتهون عليه مصيبته.

مولانا جلال الدين الرومي قال: العقل والذكاء والدهاء، هي بضاعة إبليس. والعشق رأس مال أبينا آدم.

 إحرص دائمًا أن لا يكون تعاملك مع البشر على أساس النظريات والعقل، فهي أقبح ما فيك. الرحمة والشعور. هما ما يجب أن يغلبا طبعك الأناني، وإحساسك المتبلد بالكبر.

قلوبنا هشة. وكالقشة تتهاوى في مهب الريح. نحن لسنا أقوياء كما يجب. وبحاجة لمن ينصت إلينا ويحتضننا، ويربت على أكتافنا. إذا جاءك المكلوم أنصت إليه ودعه يتكلم ولا تضمد جراحه قبل أن تداوي روحه. دعه يبكي ، ودعه يصرخ. نحن بطبعنا نكره المتعالين علينا، ونكره المزاودين بالصبر على أرواحنا المكسورة. نحن نحب البسطاء والسذج، أصحاب الدموع الغزيرة، التي يتصدقون بها علينا. فما أجمل أن تبكي لبكائي، وأن تتألم لأحوالي حين أشكو لك كآبتي.

(فراس)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...