الأحد، 20 يونيو 2021

التنمية ‏بقلم ‏رماز ‏الأعرج

التنمية تحتاج إلى وعي اقتصادي وبنية مناسبة  , أي توفير الشروط الذاتية الموضوعية لهذه البنية والنظام الاجتماعي الاقتصادي بكامله , ونذكر في هذا السياق أن التفاصيل سيأتي لكل شيء في مكانه , هنا نحن في سياق التعرف على أنوع الربح ومصادرها ومخاطرها , وبعد ذلك سنضع العلاج في سياق خاص بكل ميدان من البنية الاجتماعية  الاقتصادية المقترحة , بعيدا عن النظام الربحي الاستهلاكي  وطبيعته المروعة 
  (الحلقة العاشرة) 
9  الريع أو الربح العقاري
يعتبر الربح أو الريع العقاري من أقدم أنواع الريع الناتج عن الملكية الخاصة ونظامها , وكانت الأرض أول شكل من أشكال الريع العقاري , حيث الملك يملك الأرض ويقطعها لمن يشاء بكل حرية , ولكن وفق شروطه هو, وبحكم هذه الملكية وحسب يحق له امتلاك إنتاجها بالكامل, ولكن بما أنه ليس مزارع ولا خبرة لديه في إدارة شؤون الأرض يقطعها لشخص ما مسئول عنها, وهذا الأخير يشرف على تشغيل الفلاحين في الإنتاج, ويأخذ نصيبه مقابل جهده الذي بذله في الإدارة والإشراف على الأمر, والفلاح يأخذ نصيبه مقابل ما بذله من جهد بغض النظر عن أنصافه أم لا, أما المالك فهو الوحيد الذي يحصل على ريع مستدام ليس مقابل جهد معين بل مقابل وثيقة قانونية تقول أنه يمتلك هذه الأرض, أو هذا العقار.
إن مجرد الملكية لوحدها للعقار تعني ريع مستدام مباشر, ما دام العقار يعمل ومستغل كما هو نظام البلاد وقوانينها, أما بقية المستخدمين من المقطَع إلى الفلاح, فكلاً يأخذ نصيب  مقابل جهده المبذول, بينما صاحب الملك لا يطلب منه أي جهد ويستحوذ على نصيبه من المنتوج .
وقد أوضحنا في نقطة الملكية الخاصة كربح كيف تحول الملكية الخاصة المالك دوماً إلى صاحب ريع دائم مقرون بهذه الملكية, ويتوزع حسب الظروف و نوعية العقار وحجمه, فالعقار الزراعي شيء مختلف عن العقار التجاري أو ألخدماتي أو غيره من أنواع العقارات المتفرعة, وما يحدد طبيعة ريع العقار هو موقعه الجغرافي وطبيعة الاستعمال الذي يناسب ظروف وطبيعة هذا العقار.
فليس نوعية الأرض ما يحدد قيمتها الفعلية والتجارية, بل ما يحدد قيمتها هو ما يمكن أن تدره من دخل في حال استعملت بالطريقة المناسبة والمجدية, فقطعة أرض في وسط المدينة مثلاً, وظروفها تسمح بإقامة سوق تجاري شامل فوقها, يحتسب معدل الربح أو الريع الذي تدره هذه الأرض, لتحيد سعرها, وكلما ارتفع مستوى الريع المحتمل يرتفع سعر الأرض للمتر المربع الواحد, وبذلك يصبح ما يحدد سعر الأرض وقيمتها هو نوعية الاستعمال وطبيعته, ويحتسب السعر على أساس أفضل الاستعمالات وليس أقلها جدوى, فقد تكون الأرض من أفضل وأكثر الأراضي خصوبة زراعية ولكنها واقعة في وسط المدينة, وبذلك ويمكن أن يقام عليها فندق أو سوق تجاري أو موقف سيارات وكذلك هي خصبة جداً زراعياً, هنا لا يقاس السعر بمقدار أنتاجها الزراعي , كونه أقلها ريعاً وربحا في النهاية, في هذه الظروف , وبذلك يصبح أفضلها هو المقترح  للسعر لهذه الأرض.
في النهاية وضع حلول عملية لنظام الملكية بكامله كفيل بفتح الباب على وضع الحلول الشافية والمجدية لجميع التعقيدات والإشكاليات التي يواجهها المجتمع, ولا يمكن وضع حلول تفصيلية لكل شيء قادم في مرحلة مستقبلية قد تكون بعيدة المدى, لذلك كما في السابق نقدم نحن القماش في النظرية والتفصيل تقوم به المرحلة وتفصل على ظروفها ومقاسها. 
10 : الربح التجاري
يشكل الربح التجاري مصدراً هاماً وأساسي من مصادر الربح, رغم أن هذا النوع من الربح هو ربح إضافي و سلبي على الإنتاج, أي أنه ربح غير منتج, ولا يعتمد على إنتاج سلعة أو شيء معين, إنه ربح مقابل خدمات ما تقدم ووساطة يقوم بها الرأسمال التجاري بين المنتج والمستهلك,وهذا الربح على المستوى الداخلي هو عبئ على الدخل القومي, حيث هو مجرد جزء يذهب لفئة التجار وهذا الجزء المقتطع لا يضيف شيء على الدخل القومي بل يستنزف جزء كبير منه لحساب فئة التجار لتقديم الخدمات الضرورية للسوق وتسهيل تسويق السلع وتوصيلها للمستهلك, ونقلها وتخزينها وعرضها في الوقت المناسب لتسويقها الخ ,,
بينما في حال كانت هذه التجارة خارجية وتعتمد على التصدير, فحينها تكون قد تحولت من عبئ على الدخل القومي إلى ريع وإسناد كبيرين لهذا الدخل القومي, حيث ستسوق السلع في أسواق جديدة خارج البلاد, وستحصل أيضاً على مصادر عملة أجنبية وعلاقات اقتصادية تبادلية وثقافية وغيرها لاحقاً على الأثر, وجميعنا يعرف قانون التوازن التجاري للتجارة الخارجية, حيث يشكل توازن الصادرات والواردات توازن صحي ومجدي لاقتصاد البلاد ولدخلها القومي, وحين تزيد الصادرات على الواردات فهذا يعطي مؤشر على نمو اقتصادي وازدهار في السوق والاقتصاد المحلي لهذه الدولة أو تلك.
لقد جاءت التجارة بالأساس لحاجة ضرورية ومساعدة للسوق وتشكل خدمة ووساطة بين المنتج والمستهلك, ولذلك تخلى المنتج بداية عن جزء أو نسبة من أرباحه لصالح هذه الخدمة, وذلك ليوفر على نفسه جهد كبير و ليتفرغ لعمله ولإنتاجه, وبذلك نرى أن الربح الجاري هو ربح تبعي في الأساس وسلبي في كلا حالاته, حيث هو خدماتي في النهاية وغير منتج, وثانياً محدود ومرهون بما يسمح له طبيعة السلعة ونوعيتها, وما يتركه له المنتج من نسبة أو حصة مقابل هذا الجهد الذي سيقدمه من أجل توصيل السلعة للمستهلك, فمنتج الربح الأساسي الأول هو من يقرر نسبة الأرباح بشكل عام فهو منتجها الأول , لن يسمح لأحد أن يستحوذ على حصة أكبر من حصته فهو صاحب الأولى كونه المالك و المنتج لهذه القيمة الفائضة بالأساس.
هذا ما أدى إلى نشوء التجارة كجزء من النظام الهيكلي الاقتصادي الاجتماعي, ولكن مع تطور الواقع والصناعة والإنتاج والأسواق, تغيرت أحوال التجارة, وأصبحت سوق واحتكار ضخم هي أيضاً, ولم تعد تلك الخدمة البسيطة المعتمدة على المنتجين, بل استقلت و أصبح لها أنواع وفروع وتعددت أشكالها بتعدد الختامات الإعلامية الهامة وتطور الواقع لجديد وانفتاح العالم ودخول عصر الرقمية و الذكاء الصناعي والاتصالات الحديثة, وهنا بالذات دخلت أشكال غير متخيله من التجارة والتسويق والربح, وتشعبت فروع التجارة, ولم تعد محصورة في إنتاج صناعي أو غيره, بل تحولت إلى ظاهرة شمولية مرعبة خضع لهذا ولسلطانها كل شيء في المجتمع, وتحول إلى ربح تجاري ممكن, حتى الإنسان ذاته وقيمه وأخلاقه ومعتقداته الدينية و غيرها.
إن المرحلة المعاصرة تشهد انتقال من شكل إلى شكل جديد نوعي من النظام والحياة والمجتمع الرقمي والذكاء الصناعي, وهذا بدوره يتطلب حتماً نوع جديد من العلاقات, والقوانين والمفاهيم, والنظم التجارية والاقتصادية, وهذه جميعاً ما زالت في طور التبلور, فلا يوجد أي سابقة مشابهة لاعتمادها كتجربة, لذلك نحن نخوض تجارب لم نخبرها من قبل ولا حتى تشابه, وهذا يحتوي على الكثير من المخاطر حيث هناك ثغرات كبيرة تكون عادة في النظام الجديد, الناشئ, تحتاج إلى خبرات كبيرة لضبطها ووضع الطرق الملائمة والآليات لحركتها.
إن تحول نظام الخصخصة إلى قوة عالمية أصبح يشكل خطراً فعلياً على حياة البشرية بكاملها, حيث سيتحول كل شيء إلى تجارة بلا حدود ولا ضوابط, وخاصة مع التطورات والقفزات النوعية السريعة في العالم الرقمي والذكاء الصناعي و النينو والتكنولوجيا الفضائية وغيرها, إن هذه جميعها حالات جديدة للربح والاستثمار على ضوء المجتمع الحديث وتطوراته, وبقاء نظام الملكية كما هو عليه, إن أخطر ما في المرحلة إن الصراع العالمي  قد أخذ منحاً جديداً أيضاً لم يكن ذات أولوية أو أهمية بارزة سابقاً كما هو عليه الآن, يبدو أن الظروف قد نضجت أكثر وتبلور هذا الانقسام الجيد في الفكر والصراع العالمي.
حيث صراع الخصخصة مقابل الحفاظ على القطاع العام وتطويره بدل إلغائه لصالح الملكية الخاصة وبسط السيطرة المطلقة لقوانينها ونظامها على المجتمع بأسره كما نرى ورأينا بكل وضوح, فالصراع العالمي لم يبقى على ما هو عليه, ويتطور الصراع وينمو حسب طبيعة المجتمع وبنيته التحتية التي أصبحت في مرحلة قفزات مضاعفة عدة أضعاف على ما كانت عليه في الماضي, ولو أخذنا فقط عشرين عام إلى الوراء سنرى العجب حين المقارنة.
هذا كله يجعل من السوق التجاري مفتوح على كافة الاحتمالات والتنوع المتصاعد في مجالات الاستثمار والربح الغير مضبوط ولا مقنون ولا تحكمه أي قوانين أو ضوابط أو معاير, لا شيء سوى قانون الربح سيد الموقف, يقرر ذاته بذاته بلا أي منازع أو رادع أخلاقي أو غيره, الربح ثم الربح ثم الربح هذه هي الدورة وحسب, ولم تعد الدورة نقد بضاعة نقد كما في قانون الدورة الاقتصادية الصناعية أو التجارية  أو أي مجال سابق آخر, فالجديد له ظروفه وقوانينه الخاصة به, وهذا الجديد فضاء مفتوح على كل الاحتمالات المتاحة والمتوفرة اجتماعياً, وأصبح كل شيء خاضع للربح وأيضاً للبيع و الشراء حتى الصور الشخصية أو أي نشاط أو شيء آخر قد لا يخطر على بال.
أما العلاج فنقدمه في مكانه حول موضوع ضبط الربح وتحديد قوانينه من خلال علاج مفهوم الملكية الخاصة بشكل أساسي والذي سيشكل القاعدة الأساسية التي عليها ستقام البنية الجديدة الخالية من التسيب والفوضى وتراكم رأس المال والسعي المحموم الدائم لمراكمة الثروة , من خلال الربح وقانونه الذي أصبح هو السيد والخصم والحكم معاً.
(مدن المستقبل هي قفص العبودية المقنعة بامتياز) 
رماز الأعرج
(قد تهدم المدن  ويعاد بنائها كل عام , أما الطبيعة فما يهدم منها ليس من السهل إعادة بنائه)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الصّراع المفتوح و الشّرق المذبوح بقلم وديع القس

الصّراع المفتوح ..و الشّرق المذبوح..!!.؟ شعر / وديع القس / منذُ الخليقة ِ في الأموالِ شيطانِ والإنسُ سيَّدهُ كالربِّ سلطانِ / وشهوةُ الشرِّ ...