الوصايــا التسـع
كتب : عبد الناصر سيد علي
.....................................................
القـرآنُ الكريـمُ ما أنُـزِل إلا لإصلاحِ البلادِ والعبادِ ، فهو دستورٌ سماويٌ لإقامة حياة قوامها العدل والمساواة ، من أخذ به لاذ وفاز ، ومن أعرض عنه ضاقت معيشتُه ، وعَمِيَت بصيرتُـه .
فيه شرعُ مَـنْ قبلنا ، وصلاحُ أحوالنا ، فهو الحبلُ المتين ، مَـنْ تمسَّك به نجا، ومن اعتصم به عن النار نأى ، ولِلْجنَّةِ كان المنتهى .
فيه حلٌ لكل معضلٍ ، وفكٌ لكل اشتباكٍ ، ونورٌ لكل تائهٍ ، وهدايةٌ لكل حائرٍ ، وملاذٌ لكل ملهوفٍ.
نزل به الروحُ الأمين على قلب خاتم المرسلين ، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن عبادة العباد لعبادة رب العباد.
ومن خلال سورة الحجرات في آياتها من الآية ( ٥ : ١٢ ) تتجلَّى عظمةُ الخالق في رسم طريقٍ ذهبيٍ لكيفية تعامل الناس فيما بينهم ، جوهره ربط الأواصر ، والحفاظ على العلاقات الطيبة ، ووحدة الجماعة ، وتأصيل مبدأ العدل والمساواة في المجتمع ، لذا أوصى ربنا في كتابه العزيز بتلك الوصايا :
☀️الوصية الأولى : ( فتبينوا )
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا ..." أي تحققوا وتأكدوا من مدى صحة المعلومات التي نُقِلت إليكم وذلك من أجل الحفاظ على أواصر المودة والمحبة بينكم ، فربما ناقل الكلام يُـرِد بك شراً ، أو بمن نقل عنه الكلام ، واعلم أن مَـنْ نقل إليك ينقل عنك ، فهدف الفاسق إشعال نار الفرقة والفتنة والإخلال بالأمن في المجتمع ، فاجتنب مروجي الإشاعات ، ومحركي الفتن، وشاعلي النيران ، وهم كُـثُر في زماننا هذا حفظنا الله وإياكم منهم جميعاً .
☀️الوصية الثانية : ( فأصلحوا )
قال تعالى : " وإِنْ طائفتانِ من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ..." وهنا وجب على المجتمع أن يكون مجتمعاً إيجابياً ، ويبادر بالإصلاح بين المتقاتلين ليعود الأمن والأمان إلى جموع أفراد المجتمع ، ويسعدوا في ظل تسامح أفراده، وقبول الآخر ، ومن هنا وجب عليك تفقد مشاكل جيرانك ، والوقوف على حلها قبل أن تتفاقم ، وتؤدي إلى الهلاك العام ، وضرورة أن تكن أنت حمامة السلام ، لا تهدأ حتى توفق ما بين المتخاصمين ، وتزيل الفرقة ، وتنهي النزاع .
☀️الوصية الثالثة : ( وأقسطوا )
"وأقسطوا إن الله يحب المقسطين "
وهنا وجب على المصلح الذي يقوم بالصلح بين المتقاتلين أو المتخاصمين أن يكون عادلاً، لا ينحاز إلى طرفٍ هاضماً حق الطرف الآخر ، ولا تحمله خصومة بينه وبين طرف ألا يحكم بالعدل ، فيظلم ويجور قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " .
ومن هنا أوصي بدوري حكام المواعيد العرفية بوضع هاتين الآيتين نصب أعينهم في الصلح بين المتخاصمين ، حتى لا توغر الصدور وترجع الحقوق لأصحابها.
☀️الوصية الرابعة: ( لا يَسْخَر )
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخرقومٌ من قومٍ ..."
وهنا نهى المولى عز وجل عن السخرية من الآخرين واحتقارهم ، وذكر نقائصهم على وجه يثير الضحك سواء باللفظ ، أو المحاكاة،أو الإشارة بالعين ، أو بالضحك على كلامه ، أو قبح شكله ، أو أنه غير لبق في حديثه ، أو أنه ذو عاهة في بدنه ، أو غير ذلك مما يكرهه ، فكم من متلذذٍ بالسخرية وأمامه من يتألم منها ؟!.
☀️الوصية الخامسة : ( ولا تلمزوا )
قال تعالى : " ولا تلمزوا أنفسكم ..."
أي لا يعيب بعضكم على بعض بقول ، أو إشارة إليه باليد أو العين ، أو ما شابه ذلك.
☀️الوصية السادسة : ( ولا تنابزوا)
قال تعالى ؛ " ولا تنابزوا بالألقاب..."
وهو المعايرة والنداء بلقب يكرهه صاحبه ، أو صيت ، أو كنية يكره نداءه بها وغيره...
☀️الوصية السابعة : ) اجتنبوا كثيرا من الظن )
قال تعالى " ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم .." وهذا ما يؤدي إلى تفكك أواصر الكثير من العلاقات بين أفراد المجتمع ، وهو الظن السيئ فلترفع دائماً شعار الظن الحسن فإياكم والظن فإنه ظلمات
ويُعد من الآثام والمصِرُّ عليها في ضلال مبين .
☀️الوصية الثامنة : ( ولا تجسسوا)
فلقد نهانا المولى عز وحل عن التجسس وانتهاك حرمات الناس بغير وجه حق ، ومن العجيب الغريب أن تجد أناساً يتلذذون بكشف عورات الناس وبخاصة الجيران ، بل والتفنن في اذاعة ما يرونهم فهؤلاء إن لم يتوبوا فلهم جهنم وبئس المهاد ، مع مراعاة أن هناك نوعٌ من التجسس جائز شرعاً ، بل واجب وهو التجسس على العدو لمعرفة خططه ومن ثَمَّ أخذ الحيطة والحذر .
☀️الوصية التاسعة : ( ولا يغتب )
ونهانا ربنا عن الغيبة والنميمة وأن تذكر أخاك في غيابه بما يكره ولقد ورد إن كان فيه فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته اي ظلمته ، وصورت الآية ذلك بمن يأكل لحم أخيه الميت .
فمَـنْ مِنَّـا يطيق ذلك ، وكل هذا للتنفير من تداول سير الناس ، و جعلها مشاعاً للجميع يُدلي كلُ إنسانٍ بدلوه ولا يهمه أثر كل كلمة تخرج من فيه ، مع مراعاة أن الفاسق المجاهر بفسقه جائزٌ ذكر مساوئه للتحذير كما ورد .
..........................
ما أعظمَ القرآنِ ، وما أعظمَ تعاليمِه ؟!.
وما قولنا غير : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .
.......................................................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق