في هذا المساء استوقفني الشاعر عروه بن الورد الملقب بروبن العرب ابو الصعاليك
عروه ابن الورد هو ممثل صعاليك الصحراء
فروسية الروح وتجلياتها العذبة في سيرة صعلوك عربي :
هذا زمن الصعاليك ، وتجدد تقاليد الصعلكة ، فالنوازع الانسانية وان اختلف الزمان والمكان واحدة ، والعطش للعدل والحرية والمساواة اصعب من العطش للماء .
ان الخروج على القبيلة التاريخية كالخروج على الدولة المعاصرة يبدأ من ظلم وقهر واغتراب ، وبعدها تتشعب الطرق بين تمرد فردي تافه ينحدر الى مرتبة الارتزاق بقطع الطريق وبيع الضمير والساعد والعضلات ، وتمرد انساني اصيل وجذري يجعل من قضيتي العدل والحرية لمساعدة الفقراء والضعفاء والمظلومين محور كل حركة وفعل يقوم به الفارس تلبية لذلك النزوع الاصيل لفروسيته الروحية العادلة .
وخير من يمثل قيم ومعاني الفروسية الحقيقية هو عروة بن الورد الذي اطلق عليه العرب لقب «أبي الصعاليك» ، فقد كان أباً لفقراء العرب كلهم ، وكانوا اذا أمحلت ديارهم ـ وما اكثر ما تمحل ـ يجتمعون ليلا حول مضارب عروة ويصيحون حسب رواية حفظها ابن الاعرابي :
ـ يا ابا الصعاليك اغثنا .
...
لو شاء عروة بن الورد ان يكون غنيا لكان ، لكن مذهبه في الحياة لم يسمح له بذلك ، فلا وجود لثروة شخصية في ذهن رجل ما كان يستطيع ان يصم اذنيه عن نداء المحتاجين كما فعل الآخرون .
لقد عاش عروة ومات فقيرا ، لكنه بتراكم مواقفه الانسانية الرائعة صنع اسطورة جميلة سحرت كل من جاء بعده من اغنياء وفقراء ومتوسطين ومستوري حال ، ووضع قبل هذه المأثرة التقاليد الاساسية للصعلكة الايجابية المرتبطة بالتمرد والايثار والخروج على السلطات الجائرة ، قبلية كانت ام حكومية .
...
«روبن هود» هو المعادل الغربي لعروة بن الورد ، والذي آمن مثله بأن سلب الاغنياء ورد الاموال الى الفقراء عملية مشروعة ، وقد وقف ضده القانون ومؤسسات الاقطاع الاوروبية . لكن ذلك لم يمنعه من ان يتحول مثل عروة بن الورد الى اسطورة شعبية صنعوا عنها عشرات الافلام دون ان يتبرع احد من سينمائيينا العرب حتى اليوم بالاقتراب من اسطورة عروة بن الورد وهي غنية ومثقلة بالتفاصيل السياسية والاجتماعية والانسانية .
...
لقد حفظ ذلك الرعيل من صعاليك الجاهلية قيم «الفروسية الروحية» ، وهي اهم واخطر من «فروسية العضلات» التي تأتي بصدفة بيولوجية فيما يمر فرسان الروح بمخاض معقد وطويل الى ان يتم لهم فرض قيمهم الاصيلة والنبيلة على مجتمعات يستمرئ متنفذوها الظلم وينفون المتميزين ويفرضون على اصحاب الضمائر والعقول والارواح الحرة اقسى انواع الاغتراب الجسدي والنفسي عقوبة لهم لإصرارهم على الدفاع عن فروسية الروح .
...
كان عروة بن الورد لا يغزو للنهب والسلب وإنما يغزو ليُعين الفقراء والمستضعفين الذين ليس لهم معاش ولا مغزى ، والطريف أن غاراته كانت تستهدف فقط من عرفوا بالبخل ، و بلغ عروة من الكرم والسخاء أنه كان لا يؤثر نفسه بشيء على من يرعاهم من الفقراء ، فلهم مثل نصيبه سواءً شاركوا في الغارات أو لم يشاركوا ، ضارباً مثلا رفيعاً في الرحمة والإيثار .
...
تزوج عروة سلمى بنت منذر الغفاري ، وانجب منها : حسان ، زيد ، ثم انفصل عنها بعد أن طلبت منه الطلاق بسبب صعلكته ، لأنه كان يغيب عنها اسابيع كثيرة ، و يبيت في العراء مع الصعاليك .
...
عشق عروة بن الورد هاجر بنت كبير بن حبيب ، وهي ابنة حسب ونسب واسرة ثرية ، وتقدم لخطبتها لكن ابوها كبير رفض تزويجه ، لانه صعلوك ليس له مستقر يتنقل من الجبال الى السهول .
...
شارك عروة في حرب داحس والغبراء التي وقعت بين عبس وذبيان ، و قتل الاسد الرهيص انتقاماً لمقتل رفيقه عنترة بن شداد العبسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق