في مهبّ العاصفة
قصة
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس // سوريا
تزحلقتْ على البلاط "السيراميك" فتناثر مسحوق الشاي الأسود من داخل الإبريق الذي سقط من بين يديها . . قفز خطواتٍ عدّةً بعيداً عنها أخُيِّلَ إليها أم أنّها الحقيقة . . ؟ ! غرقَ فناء الحوش بسائل الشاي . . تمعنُ في النّظرِ إلى ما حولها أنَّها ليست في حلم ، الشاي كالنبع الذي أغرق أرضية الحوش ! سطح البلاط غدا بنياً قاتماً بلون القرفة الداكنة و بقايا مسحوقه الجاف المغلي مسبقاً . . منتشر بشكل كثيف يحجبُ رؤيةَ الْبَلاطِ مذهولة من المشهد بينما أختها المفضلة عند والديهما برفقة طفلها أيضاً ولجت حجرة هذه التي من بين مسحوق الشاي المتراكم استقامت ، بيتها عبارة عن حجرتين من الطين و الحجارة السوداء أسرعت لترى ما فاعلة الأخرى في الحجرة مدهوشة كيف أن أختها القوية البنية ماشاء الله و التي تحمل كذلك طفلها بيدٍ واحدة و الأخرى من على السلم الخشبي تجر الحجارة السوداء النافرة قليلاً من بين الطين كي تهندسهُ أكثر لكنّها تسمّرتْ في مكانها متعجّبَةً ؟ ! كيف تسحبُ بقوة صخرة كبيرة من بين البناء المتين تنتزعهُ انتزاعاً . . ! ! في محاولة رميهِ خارجاً إلى الفناء ! !
صرخت تقول :
- أن احترسي !
خلفكٍ أنا و الرضيع الهزيل أيضاً طفلكِ في خطر الذي تمسكينهُ بيدٍ واحدة ! !
لم تستمع إلى ما تقوله الأخرى التي في رأيها من الحثالة . . هشة في نظرهم ! بيد أنّ والديهما قاما بإضعافها رغماً عنها . . فهي ليست حادة الطباع مثلهم كما تقاسي الفَقْرَ الْمُدْقِعَ الّذي جعلها تبني حجرتين صغيرتين من الطين في زاوية بيتهم مما جعلها تتجرع ألوان المهانة إثر استشهاد زوجها و ترك هذا الرضيع اليتيم بين ذراعيها ! . . أخذت العملاقة تجرُ الحجارة الواحدة تلو الأخرى و تقذفها بقوّةٍ كانطلاقة الصّاروخ من قاعدتهِ نظراً للدعم الذي تلقتهُ منذ الطفولة بالأخص والدها الذي كان يقول أنها تشبهني فتحبها الأم أيضاً أكثر ! !
يا إلهي ! خرجت خاسئة لا تدري ما تفعله ؟ كي تتجنب إصطدام أي حجر . . أمها تتدحرجُ بسرعة من حجرة أبيها يبدو أنّهما كانا يحسبان ما بحوزتهما . . كالعادة يوصدون الباب و النافذة في جوٍّ من التكتم لتتم عملية عد الأموال بنجاح و سرية تامة اكتناز الأموال يحتاجُ - كلّ فترة - إلى تفقُّدِهَا و عدّها ! !
دنت الأم بنبرة واجبة التنفيذ :
- لمعي المكان . .أفسدتيه ؟ !
بنبرة خاضعة أجابت :
- بالتأكيد .
تحاور والدتها بقلق و توجس :
- سوف يُهدمُ بيتي !
الغبار يتصاعد من الحجرتين لقد أنتزعت الحجارة الأساسية التي تسندُ البيت المهدد بالإنهيار إن استمرت في ذلك ! !
جاءت الإجابة القاطعة لسان أمها :
- كلا ! !
هي تنظفُ . . أنتِ قذرة !
نبست المقهورة :
- لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم !
خرجت المنتصرة العملاقة من الحجرة مكللة وسط تهنئة الأم لها
بينما مثخنة الكلوم يستجديان قطرات الحليب و العطف ، هي و طفلها في حالة صراعٍ داخليٍّ هو مهمل يصارع الجوع و هي تتأمّل أختها ترفل بالدّعمِ الأسَرِيِّ . . و لا تفصلُ بينهما سوى أعوام قليلة جفلت من الصدمةِ فجأةً على صوت بيتها ينهار ! انهارَ بيتُها للمرة الثانية ! !
ففي الأولى استشهد زوجها ويُتِّمَ طفلها ، فوالدهُ ضحى بدمهِ لينهبهُ اللصوص أصحاب الشعارات الوطنية المزيفة . . و ها هي المرة الثانية إثر خراب بيتها تقفُ مذهولةً مجفولة مما حدث و يحدث حتّى من أقرب النّاسِ إليها ! ! بقي الرضيع يصرخ وسط صدمة الأم كالقشة في مهب العاصفة ! ! و القادمُ ربّما هو الأجملُ . . ! !
الأب لم يظهر كلياً في المشهد كان يحترس و يحرس أموالهُ
انفجار تام للمسرحية بعد اكتمال المشهد و بالأخص تلك الجملة الأخيرة حيثُ كان الإنفجارُ على نوعين متناقضين من المشاعر الأول هو الحزن الشديد القاتم ، و الآخر هو الضحك المر من جملتها الأخيرة أن القادم أجمل ؟ ! و التي كانت تنطوي على السخرية الكبرى كيف لمضطهدة مثلها أن تنعم بالسلام بعد أن خانها زوجها فخانهُ الوطن ! ! ؟.فتخلّى عن الوطنِ تاركاً إيّاهُ للّصوصِ ليرتعوا في خيراته ، و بها ينعموا ! ! ؟
بقلم الكاتبة أمل شيخموس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق