الاثنين، 12 ديسمبر 2022

الألم و اللذة بقلم عبدالعزيز الرميلي النعيمي

 الأَلّمْ و اللّذَة 


الألم واللذة ، هذان ضِدّان ، حيناً يتنافران ، وأحياناً يقود أحدهما إلى الآخر ، وفي أحيان أخرى يلتقيان ، لكنهما في كل الأحايين حقيقتان قائمتان في حياة الإنسان ، فهو لا ينفكُّ يوجّه كل سلوكاته انطلاقاً من علاقته بهما ، إنه يسعى في كل سكناته وحركاته وتصرفاته إلى تجنب الألم أو تحقيق المتعة ، وكثيراً ما يضطر لتحمل الألم في نشدانه لمتعة معينة ، أو يتنازل عن متع متعددة تجنباً لآلام قد تترتب عليها ، سواء أكانت تلك الآلام جسدية أم نفسية ، أو كانت تلك المتع حسية أم معنوية .وإذا استطاع الإنسان أن يرتقي ليتجاوز إحساسه هو ذاته بالألم ، فيحسُّ بألم الآخرين، ويتجاوز شعوره هو بالمتعة ليشعر بسعادة الآخرين ، فتلك هي الرحمة ، إنها تألُّم لألم الناس ، وسرور ببهجتهم ، وسعيٌ لتجنيبهم الآلام ، وإزالتها إن هي وقعت عليهم ، وعملٌ على تحقيق الراحة والسعادة لهم .ما هي الرحمة ..؟الرحمة رِقّةٌ ، ورأفةٌ ، وعطفٌ ، وحنان ، ورفق ، وجوهر هذه المعاني جميعاً تلك العاطفة القادرة على أن تجعل من ألم الناس جزءاً من ألمنا ، ومن فرحهم جزءاً من فرحنا ، بل تتعدى تلك العاطفة شعورنا بالإنسان ، الى الإحساس بأوجاع الحيوانات التي تتألم هي الأخرى ، ولا تدرك كُنْهَ ألمها ولا سببه ، ولا تملك عدد الخيارات التي يملكها ابن آدم في تجنب الآلام ومعالجتها . ولا أدري إن كنت مبالغاً لو قلتُ إن من يملك الرحمة ، يفيض شعوره هذا حتى على النباتات ، وعلى البيئة من حوله ...! بين الرحمة والقسوة ..الرحمة ضد القسوة ، والقسوة عنصر أساسي يدخل في تركيب العنف بأشكاله وصوره وأدواته ومجالاته ، صحيح أن للعنف أسباباً نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ، لكننا لا يمكن أن نتصور وقوع أي شكل من أشكال العنف إلا مترافقاً مع القسوة ، فسواء أكان العنف جسدياً أم نفسياً ، وسواء وقع على الطفل أم المرأة أم الخادمة أم أي إنسان ، أو حتى لو وقع على الحيوان أو البيئة ، وسواء وقع ذلك العنف على النفس أم الجسد أم الحرية أم الكرامة أم الممتلكات ، واتخذ شكل الضرب أو الشتم أو القتل أو التعذيب أو الإرهاب أو الإبادة أو التخريب ، فإنه - أي العنف - لا يقوم ولا ينوجد ولا يتحقق إلا مترافقاً مع القسوة ، فغياب الرحمة شرط لكل عنف .لا رحمة مع الكراهية والتعصب ...وتزداد الرحمة في حال المحبة ، حيث لا يمكن تصور محبة حقيقية تخلو من الرحمة تجاه من نحب ، لكن المحبة ليست شرطاً للرحمة ، فالرحمة تتسع حتى لمن لا نُكِنُّ لهم أية مشاعر ، بحيث نحس بآلامهم وأفراحهم ، بعيدين كانوا أم قريبين ، متوافقين معنا أم مختلفين، مبغوضين لدينا أم محبوبين . كما تنمو الرحمة في ظل التسامح ، وتضمحل إذا ساد التعصّب، لأن التعصب يدعو من تلقاء ذاته إلى التقليل من شأن الآخر ، والإنقاص من كرامته وإنسانيته ، ويخلق للقسوة تبريرات متعددة .جوهر الرحمة ..جوهر الرحمة هو الإحساس بأن ألم الآخرين يماثل ألمنا ، وفرحهم يشابه فرحنا ، نعم، جوهره هو الشعور بأن المادة التي تتكون منها دموع طفل يبكي جوعاً في افريقيا هي ذات المادة التي تتكون منها دموع أطفالنا ، وأن حاجات الناس الأساسية متشابهة ، وأن حرمانهم منها يخلق لديهم ذات الألم ، حتى لو اختلفت ألوانهم وأصولهم ومشاربهم وعقائدهم ومذاهبهم . وفي كل الأحوال ، يصعب تصور وجود الخير في أي جانب من جوانب الحياة البشرية كلها حين تغيب الرحمة .


دكتور/ عبدالعزيز الرميلي النعمي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

العام الجديد بقلم جابرييل عبدالله

أحبائي اصدقائي أسعد الله صباحكم بالخير والسعادة خاطرة  العام الجديد  عام جديد قد وصل       يا أصدقائي ويا أهل العمر يمضي بسرعة      ...