الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

البيع العلني بقلم أمل شيخموس

 " البيعُ العلني  "

قصة * 

بقلم الكاتبة الروائية

أمل شيخموس // سوريا 

                                    🍺 

تغسل " أفخاذ الدجاج " في القصعة بينما أختها تصب الماء على يديها و الأم في مراقبةٍ لهما تتابع العمل . . بينما الزّائرتان جالستان في فناء الحوش تحت ظل الحائط على الإسفنج المضغوط ، اقتحم الأب باب الحوش بشعرٍ أشعثٍ مغبر نوبة هلع أصابت المنزل بما فيهم الأطفال و الفتاتين و أمهم ! 

ظلت دلال تغسل . . دون أن ترفع رأسها رغم أنَّها شعرت بخوفٍ مريعٍ مجرد احساسها بولوجه المنزل أنها تشعر به رجلاً غريباً عنهم بالأخص هي ، و كأنَّ لديهِ أيضاً حساسية مفرطة إزاءها ! ؟ شعر الجميع بالخزيِّ و العار المتوقع منه ، فهو لم يسلم على الزائرتين كعادته لا يلقي التحية على أحد و لا يكرم الضيوف و كأنَّ سطلاً من الماء البارد قد سُكِبَ عليهما و هما جالستان مكانهما تحت ظل الحائط ، إذ أنه أول لقاءٍ لهما بصهر أحد أقربائهم الذين يبدو أنهم قد زوجوا ابنتهم البكر و لم يسألوا عنها البتة و كأنَّهم باعوها في المزاد العلني إذ كان الزواج علناً ، و كأنَّما انقطعت بعدها أواصر المحبة ، و المتابعة لأحوال الإبنة كان الأمر بيعاً علنياً لكن بشروطٍ شرعية أمام مرأى العامة . . ولج المطبخ بمظهره الصارم و جزمته العتيقة ذات العنق الطويل و التي تفوح منها رائحة العرق كالنبيذ المعتق المختمر ، إذ بضربة جبارة ملء قوّتِهِ تتهاوى دلال إثر الضربات القاتلة على رأسها ليغرق مع الدم وسط أفخاذ الدّجاج في القصعةِ و يتهاوى خرطوم الماء من بين كفي الأخرى و الأم واجمة مكانها ليس لشيء إنَّما مخافة الفضيحة ، و اكتشاف حقيقة زواجها أمام الزائرتين لم تفكر في ابنتها ذات الشعر المنحل في قصعة ماءٍ مشهد العنف الَّذي اعتادوهُ ربما ، بل نحو الزائرتين بخجلٍ و عار يكاد ينخر كليتيها و كبدها قبل فؤادها ، جرَّ شعر رأسها من بين الدم نبضها ضعيف و تتنفس ببطءٍ ، و كأنَّها تنازع لم تكن ضرباتٍ رحيمة بل رجيمة كادت أن تقتلها ، و ياليته كان ما أقسى هذا ! 

طيلة الوقت كانت الشتيمة المبالغة في أذنيها ترن رغم فقدانها للوعي . . يالَ هول الواقعة !!

رغم ذلك عقلها الباطن حاول مسح صور العنف التي تعرضت لها ربما لمساعدة الجسد على النهوض و الحياة من جديد بيد أنّه أخفق في تبديد تلك الشّتيمة الزرية الّتي لا يمكن سوى للأزواج سراً ترديدها فيما بينهم ظلت ذاكرتها تكرر بشكلٍ أوتوماتيكيٍّ لا إراديٍّ تلك الألفاظ !! ؟

  الضرب . . الشتيمة في آنٍ واحد 

أكانت لزوجته أم . . ؟ ! 

كاااااارثة ! العياذ بالله ! !

إثر استفاقة الزائرتين من الصدمة المريعة غادرت إحداهما الأصغر سناً و توجهت الأخرى إلى سفرة الغذاء التي دعتها الأم إليها جلست و هي تقول للفتاة المنكوبة : 

- حتى أنَّكِ كنت مريضة طوال تلك السنين ، و لم تزوري الطبيب و قلت من قبل أنكِ لا تهتمين !! 

الآن عرفت السبب ؟! لم يتسنى لك حتى الوقت في التفكير بصحتك مع هذا العدوان !

صمتت الفتاة في خيبةٍ و حيرة واسعة ماذا تجيب ! 

لقد افتضح سرُّ أسرتها الّتي اجتهدت طوالَ الوقتِ أن تستر على ما عندها من عيوبٍ و أسرار دنيئة تودي بسمعةِ أيَةِ أسرَةٍ إذاً كيف سينظر الناس إليهم و من سيتقدم لخطبة بنات هذا البيت ؟ ! 

نبست عازمةً على الكلام رغم انفطار قلبها على باقي أفراد الأسرة

تؤكد صدق كلام المرأة العجوز :

-  أتعرض لهذا العنف الدموي 

شدهت المرأة من هذا الظلم قفزت من مكانها و شهقت دون أن تنبس مسرعة الخطو كي تقذف جسدها خارج باب المنزل ! 

وحدهم الآن أسرة متضامنة دون أن يتوسطهم غريب أمر الوالد أن تستحم الفتاة و ترتدي أجمل الثياب كي يصطحبها في جولة امتثلت الزوجة لأمره كما الدجاجة هرعت إلى الحمام لمساعدة الإبنة الجريحة التي بعد وقت قصير بدت  في أحلى حلة مع وجه صارم أصفر و كعب أسود طويل و شَعْرٍ جَعْدٍ " كزبريٍّ  " خرنوبي اللون ، رافقتهُ مرغمة بالتأكيد مستجيبةً خاضعة إثرَ تراكم الخوف في الأعماق أمسك بكفها الصغير بين كفيه العملاقتين الخشنتين

السوق ذهاباً و إياباً يدور بها لغايةٍ ما في نفسه راح يصغي إليها : 

- في صمتٍ مطبقٍ الفتاة .

شدَّ ما يحاول أن ينزلق حرفٌ من بين شفتيها أو يتلمس أثر أي تمردٍ أو معارضة لكن لا جدوى ! ! 

يتشرب حركتها بدماغه يجد أنّها إلى جانبه منتصبة القامة منتصرة رافعة الرأس لا كسيرة و لا مهشمة ! بل واثقة و رنين الكعب يخبط الرصيف بإيقاعٍ موسيقيٍّ موحد التصق بها أكثر من مرور أصابعه على البنطال الأسود الملتصق بفخذها يتلمّسه مرّاتٍ عدّةٍ

غير أنّها لم تنبس بحرفٍ .

تحدق فيما يفعله بتمعن و كأنَّ ذاكرتها خُبِطت انهالت بعض الصور القديمة إذ تذكرت أنه كان يساورها الشك إزاء تصرفاته أحياناً كثيرة ، إذ كان يصلها منه غيرة الحبيب و ليس . . يزداد هذا مع تقدم شابٍ لخطبتها و كأنَّها برسم العلن . . لا يحق لأحدٍ التقدم بطلب يدها . . ما يقوم به يؤكد شيئاً ما في باطنه يتكرر دوماً دون إرادة تظهر هذه التصرفات على السطح .

يحاول التودد إليها ، و هما يمشيان جنباً إلى جنب قط لم يكن كريماً يوماً ليشتري لهم أي شيء !

-  سألها إن كانت تشتهي شيئاً ؟

- بيد أنَّها لم تنبس .

أجلسها على المقعد و بدوره كان يقابله

صمتها القاتل الّذي أثار دخيلته ؟

 هو يُقتَلُ فضولاً لما يدورُ في خلدها ، و هي بالمماثل شكاً قاتلاً الهواجس تنهشها ؟ ! !

إرواءً لفضوله و بشيءٍ من الريبة قالت : 

- ماذا تريد منّي ؟ ! 

- أجابها على الفور :

- أحبكِ أحبكِ 

اندهشت الفتاة تَرقُبُ تحركات جسده و تقاسيم محياه المتحمسة و المتفاعلة !

 نظرت في عينيه لتتأكد من شكوكها لأن الأمور غير واضحة . . حيرة  ! !

متأرجحة ما بين نواياه :

 أخبيثة ، أم والدٍ . . لم يرفع بصرهُ إليها بل كان يتحاشى النظر . . لم تفلح دلال من معرفة الحقيقة و بقيت الهواجسُ ذاتها القديمة تساورها ، إذ أن الأمور غير جليِّة بين البينين و الرؤية مبهمة تماماً !

بشيءٍ من الحزم و العصبية صدمها بلهجة أمرٍ و نهيٍّ :  

- أخفضي عينيكِ

- إنّهما كما العاهرات حسناوان 

لا أستطيع النظر . . 

تذكرت أنَّه نادراً ما يسترق النظر إلى عينيها ، إنما بشكلٍ مباشر لم يكن ثمّة رابطٌ بصريٌّ بينهما

كان الكلام يدور شفهيِّاً بينهما كما الأغراب و ربما أكثر ! ؟

تجنبْ كامل لمقلتيها و كأنَّها شبح هلامي غير مرئي ، رغم أنَّها كانت على قائمة الخط الأول للوم و الرَّصد و . .

محور اهتمام الكون لديه ؟ ! ! 

استكملت تسألهُ : 

- إن كان يحتاج إلى شيء ؟ 

أن تعمل و تساندهُ مثلاً ؟

 ليس عليه سوى الاعتماد عليها فقد دار في خلدها ربما تعوزه المادة أشفقتْ عليه بشدّة .

أكدَّ مجيباً : 

- لا .

مستفسراً بدوره عن الزائرتين : 

- أَلغرضِ الخطبة قدموا  ؟  

- خطبةِ مَنْ ؟ ! زيارة لا أكثر .

ساد المكانَ الصّمتُ المطبقُ و كأنَّه يكاد أن يفترسهما مع هواجسهما الباطنيِّة


مهما يجتهد في كسرها إلَّا أنّها شامخة


تبقى تسترعي الانتباهَ ! !

كان مستعجباً في سريرته  ! ؟


الكاتبة الروائية

 أمل شيخموس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...