" البيعُ العلني "
قصة *
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس // سوريا
🍺
تغسل " أفخاذ الدجاج " في القصعة بينما أختها تصب الماء على يديها و الأم في مراقبةٍ لهما تتابع العمل . . بينما الزّائرتان جالستان في فناء الحوش تحت ظل الحائط على الإسفنج المضغوط ، اقتحم الأب باب الحوش بشعرٍ أشعثٍ مغبر نوبة هلع أصابت المنزل بما فيهم الأطفال و الفتاتين و أمهم !
ظلت دلال تغسل . . دون أن ترفع رأسها رغم أنَّها شعرت بخوفٍ مريعٍ مجرد احساسها بولوجه المنزل أنها تشعر به رجلاً غريباً عنهم بالأخص هي ، و كأنَّ لديهِ أيضاً حساسية مفرطة إزاءها ! ؟ شعر الجميع بالخزيِّ و العار المتوقع منه ، فهو لم يسلم على الزائرتين كعادته لا يلقي التحية على أحد و لا يكرم الضيوف و كأنَّ سطلاً من الماء البارد قد سُكِبَ عليهما و هما جالستان مكانهما تحت ظل الحائط ، إذ أنه أول لقاءٍ لهما بصهر أحد أقربائهم الذين يبدو أنهم قد زوجوا ابنتهم البكر و لم يسألوا عنها البتة و كأنَّهم باعوها في المزاد العلني إذ كان الزواج علناً ، و كأنَّما انقطعت بعدها أواصر المحبة ، و المتابعة لأحوال الإبنة كان الأمر بيعاً علنياً لكن بشروطٍ شرعية أمام مرأى العامة . . ولج المطبخ بمظهره الصارم و جزمته العتيقة ذات العنق الطويل و التي تفوح منها رائحة العرق كالنبيذ المعتق المختمر ، إذ بضربة جبارة ملء قوّتِهِ تتهاوى دلال إثر الضربات القاتلة على رأسها ليغرق مع الدم وسط أفخاذ الدّجاج في القصعةِ و يتهاوى خرطوم الماء من بين كفي الأخرى و الأم واجمة مكانها ليس لشيء إنَّما مخافة الفضيحة ، و اكتشاف حقيقة زواجها أمام الزائرتين لم تفكر في ابنتها ذات الشعر المنحل في قصعة ماءٍ مشهد العنف الَّذي اعتادوهُ ربما ، بل نحو الزائرتين بخجلٍ و عار يكاد ينخر كليتيها و كبدها قبل فؤادها ، جرَّ شعر رأسها من بين الدم نبضها ضعيف و تتنفس ببطءٍ ، و كأنَّها تنازع لم تكن ضرباتٍ رحيمة بل رجيمة كادت أن تقتلها ، و ياليته كان ما أقسى هذا !
طيلة الوقت كانت الشتيمة المبالغة في أذنيها ترن رغم فقدانها للوعي . . يالَ هول الواقعة !!
رغم ذلك عقلها الباطن حاول مسح صور العنف التي تعرضت لها ربما لمساعدة الجسد على النهوض و الحياة من جديد بيد أنّه أخفق في تبديد تلك الشّتيمة الزرية الّتي لا يمكن سوى للأزواج سراً ترديدها فيما بينهم ظلت ذاكرتها تكرر بشكلٍ أوتوماتيكيٍّ لا إراديٍّ تلك الألفاظ !! ؟
الضرب . . الشتيمة في آنٍ واحد
أكانت لزوجته أم . . ؟ !
كاااااارثة ! العياذ بالله ! !
إثر استفاقة الزائرتين من الصدمة المريعة غادرت إحداهما الأصغر سناً و توجهت الأخرى إلى سفرة الغذاء التي دعتها الأم إليها جلست و هي تقول للفتاة المنكوبة :
- حتى أنَّكِ كنت مريضة طوال تلك السنين ، و لم تزوري الطبيب و قلت من قبل أنكِ لا تهتمين !!
الآن عرفت السبب ؟! لم يتسنى لك حتى الوقت في التفكير بصحتك مع هذا العدوان !
صمتت الفتاة في خيبةٍ و حيرة واسعة ماذا تجيب !
لقد افتضح سرُّ أسرتها الّتي اجتهدت طوالَ الوقتِ أن تستر على ما عندها من عيوبٍ و أسرار دنيئة تودي بسمعةِ أيَةِ أسرَةٍ إذاً كيف سينظر الناس إليهم و من سيتقدم لخطبة بنات هذا البيت ؟ !
نبست عازمةً على الكلام رغم انفطار قلبها على باقي أفراد الأسرة
تؤكد صدق كلام المرأة العجوز :
- أتعرض لهذا العنف الدموي
شدهت المرأة من هذا الظلم قفزت من مكانها و شهقت دون أن تنبس مسرعة الخطو كي تقذف جسدها خارج باب المنزل !
وحدهم الآن أسرة متضامنة دون أن يتوسطهم غريب أمر الوالد أن تستحم الفتاة و ترتدي أجمل الثياب كي يصطحبها في جولة امتثلت الزوجة لأمره كما الدجاجة هرعت إلى الحمام لمساعدة الإبنة الجريحة التي بعد وقت قصير بدت في أحلى حلة مع وجه صارم أصفر و كعب أسود طويل و شَعْرٍ جَعْدٍ " كزبريٍّ " خرنوبي اللون ، رافقتهُ مرغمة بالتأكيد مستجيبةً خاضعة إثرَ تراكم الخوف في الأعماق أمسك بكفها الصغير بين كفيه العملاقتين الخشنتين
السوق ذهاباً و إياباً يدور بها لغايةٍ ما في نفسه راح يصغي إليها :
- في صمتٍ مطبقٍ الفتاة .
شدَّ ما يحاول أن ينزلق حرفٌ من بين شفتيها أو يتلمس أثر أي تمردٍ أو معارضة لكن لا جدوى ! !
يتشرب حركتها بدماغه يجد أنّها إلى جانبه منتصبة القامة منتصرة رافعة الرأس لا كسيرة و لا مهشمة ! بل واثقة و رنين الكعب يخبط الرصيف بإيقاعٍ موسيقيٍّ موحد التصق بها أكثر من مرور أصابعه على البنطال الأسود الملتصق بفخذها يتلمّسه مرّاتٍ عدّةٍ
غير أنّها لم تنبس بحرفٍ .
تحدق فيما يفعله بتمعن و كأنَّ ذاكرتها خُبِطت انهالت بعض الصور القديمة إذ تذكرت أنه كان يساورها الشك إزاء تصرفاته أحياناً كثيرة ، إذ كان يصلها منه غيرة الحبيب و ليس . . يزداد هذا مع تقدم شابٍ لخطبتها و كأنَّها برسم العلن . . لا يحق لأحدٍ التقدم بطلب يدها . . ما يقوم به يؤكد شيئاً ما في باطنه يتكرر دوماً دون إرادة تظهر هذه التصرفات على السطح .
يحاول التودد إليها ، و هما يمشيان جنباً إلى جنب قط لم يكن كريماً يوماً ليشتري لهم أي شيء !
- سألها إن كانت تشتهي شيئاً ؟
- بيد أنَّها لم تنبس .
أجلسها على المقعد و بدوره كان يقابله
صمتها القاتل الّذي أثار دخيلته ؟
هو يُقتَلُ فضولاً لما يدورُ في خلدها ، و هي بالمماثل شكاً قاتلاً الهواجس تنهشها ؟ ! !
إرواءً لفضوله و بشيءٍ من الريبة قالت :
- ماذا تريد منّي ؟ !
- أجابها على الفور :
- أحبكِ أحبكِ
اندهشت الفتاة تَرقُبُ تحركات جسده و تقاسيم محياه المتحمسة و المتفاعلة !
نظرت في عينيه لتتأكد من شكوكها لأن الأمور غير واضحة . . حيرة ! !
متأرجحة ما بين نواياه :
أخبيثة ، أم والدٍ . . لم يرفع بصرهُ إليها بل كان يتحاشى النظر . . لم تفلح دلال من معرفة الحقيقة و بقيت الهواجسُ ذاتها القديمة تساورها ، إذ أن الأمور غير جليِّة بين البينين و الرؤية مبهمة تماماً !
بشيءٍ من الحزم و العصبية صدمها بلهجة أمرٍ و نهيٍّ :
- أخفضي عينيكِ
- إنّهما كما العاهرات حسناوان
لا أستطيع النظر . .
تذكرت أنَّه نادراً ما يسترق النظر إلى عينيها ، إنما بشكلٍ مباشر لم يكن ثمّة رابطٌ بصريٌّ بينهما
كان الكلام يدور شفهيِّاً بينهما كما الأغراب و ربما أكثر ! ؟
تجنبْ كامل لمقلتيها و كأنَّها شبح هلامي غير مرئي ، رغم أنَّها كانت على قائمة الخط الأول للوم و الرَّصد و . .
محور اهتمام الكون لديه ؟ ! !
استكملت تسألهُ :
- إن كان يحتاج إلى شيء ؟
أن تعمل و تساندهُ مثلاً ؟
ليس عليه سوى الاعتماد عليها فقد دار في خلدها ربما تعوزه المادة أشفقتْ عليه بشدّة .
أكدَّ مجيباً :
- لا .
مستفسراً بدوره عن الزائرتين :
- أَلغرضِ الخطبة قدموا ؟
- خطبةِ مَنْ ؟ ! زيارة لا أكثر .
ساد المكانَ الصّمتُ المطبقُ و كأنَّه يكاد أن يفترسهما مع هواجسهما الباطنيِّة
مهما يجتهد في كسرها إلَّا أنّها شامخة
تبقى تسترعي الانتباهَ ! !
كان مستعجباً في سريرته ! ؟
الكاتبة الروائية
أمل شيخموس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق