السبت، 31 ديسمبر 2022

ليلة حميمية بقلم عبدالإله أبو ماهر

ليلة حميمية .....
بأجواء شتوية يتسكع البرد في الشوارع ، 
جلست شهور عابسات و أيام يابسات بكامل أفراد عائلة الليالي على مائدة العشاء ، وجوههم مكفهرة حزينة من عام كئيب سقيم ، جثم في ديار تلك الخوالي ،  
تفردت صغراهن ، و إسمها آخر ليلة ، فأعلنت العصيان على الكآبة ، عندما عاينت هطولا أبيض ألبسها طرحة للعرس ،
 تزينت ، و عاكست أخواتها ، و تهيأت لزفتها مع الحبيب القادم الجديد .
كانت ترقبه بحذر ، من أخواتها الأكبر عمرا ، كي لا يشتاطون غيظا و غيرة منها ،
فالفصل بارد و متقلب الأطوار ، خافت أن لا يأتي بهكذا إستقبال ، من أجناس الجلساء حيث مزاجهم يتصارع فيما بينهم ، مع علمها أن كل جنس للآخر رهين .
لكنها كانت تختلس النظرات من شق بابها الموارب ، فرأت تلك الأجناس كأنهم جميعا يلعبون لعبة الحذر فيما بينهم فكانت تتخوفه ، كما يتخوف الأطفال من إنكشافهم بلعبة الغميضة ، و التي شروطها الخبء و الإختباء
تعالت همسات السمار ، و الطباع متباينة ، فالعابس ، متمسك بقشعريرة الشتاء ، و المتمرد كالبرد المتسكع بالشوارع ، و اللاهث لليل راعد ، و منهم المرح الصاخب ، يستمد عزيمته من شحنات البرق ، يبتغي مطر الرغد في فرح الوعد ، 
لقد رحلت رعود الخير بعيدا ، و رعونة البحر الزاجر كميدا ، على وقع أقدام طيف الحبيب جاء يمشي الهوينة يتلمس عطر حبيبته آخر ليلة ، بين الجموع بوقت متأخر من نهايات الماضي ، 
إنه طيف الحبيب الودود ، كأنه مولود من رحم أم عتود ،
فإبتسمت العروس لقد رحل الإنتظار من عينيها ، و جاء الحبيب بموعده و بمنتصف الليل يزاحم الراحل الذي لم ينل من الخوالي إلا تمنيات الموت .
 فصكت وججها و ضحكت ( الليلة الأخيرة الصغرى ) كضحك شمس الربيع بأول النهار ، حين تنادي بملء فاهها ، هيا بنا لقد أشرقت للمرح و لصخب المرح ، 
فالعصافير كانت تختبئ ، و صمتها ، تحت أوراق الشجر ، أيقظها ضجيج زفاف آخر ليلة ، فإستنفرت لاهية ، تلعب لعبة القفز على الأغصان تزف الفرح بزغاريدها ، ملبية نداء الصباح ، بإستقبال صباح الفرح صباح العيد ، بتغاريد شجية ، بعد أن فرشت جناحيها و صفقت بهما كما بالحفل تصفق أطفال الحي ، 
كانت أجواء الحفلة مرح و صخب ، و كان العرس قائم لبزوغ الفجر ، و الجميع بسرور ، 
إنطلقت العصافير مرحة تزيد الصخب بإيقاظ الحسناوات و اللوات لم ينمن بل كن بغفوات و سهوات لامست أطراف العيون، ليقبلن إلى ذرات قمح البيادر الناعمة و التي بللها الماء الفاتر ، لتكون عريكة جاهزة لخبز الصباح و الفطائر الشهية ، حيث النار نشطة ، تكوي شفاه فوهة التنور و دفؤها يشير للمة الصبايا حوله ، وهي تبوح بشذرات الحكايا ، عن الأمس لقد أمضين ليلة عرس جميلة و اللمة كانت ساحرة سامرة مع الأهل و الخلان بأجواء حميمية.
شكرا يا شتاء البرد القارص ، فالقلوب معك دافئة بالمحبة .
و الكل يقول للكل ، كل عام وأنتم بخير بقلوب نابضة بالسلام
بقلمي / عبدالإله أبو ماهر
              سوريا - حمص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

زركش القلم بقلم احمد عدنان الجياب

احمد عدنان الجياب  زركش القلم  متى سيضيء النهار اشراقته؟ متى سيبلل المطر اجسادنا ليكتب الورد حريته؟ هل التقت جروح الروح بالجسد لينثر الدم حك...