هل تعرفون أصدقائي لماذا سموا ذاك الطير، بطائر الحجل؟
لأنه رغب أن يقلد طائر البجع، ويمشي مثله بتفاخر وأناقة. حتى يعجب به الناس ويقولون سبحان الخالق الذي خلق، لكنه فشل ذريعاً رغم محاولاته المضنية...
قال: أمشي مثل الحمامة، هي وديعة، ناعمة، تمشي بأناقة، والجميع يحبونها، وسأكون مثلها محبوباً، حاول كثيرا، لكنه فشل أيضاً في تقليدها، يئس المسكين، وانكسر خاطره...
فكان لا بد له أن يعود إلى مشيته الأصلية يرضى بحاله كما أراده الله أن يكون...
فوجئ بانه نسي مشيته الأصلية وصار يحجل، ولا يزال يحجل حتى اليوم...ومنذ ذاك الحين سمته الناس طائر الحجل...
أراد أن يكون غيره فحطم ذاته.
تقول السيدة فتنة: هذا ما حدث معي ولم نصدقها:
عندما تجاوزت السبيعين في العمر، ترهلت وتعبت صحتي، وكرهت حالي. اخذت أصلي وأبكي بحرارة أسأل الله، أن يعيد لي شبابي وجمالي... وتناسيت أحيانا نسأل الله رغبتنا في أمر ما، لكنه لا يجيبنا في كثير من المرات لمعرفته بأن الذي نطلبه يؤذينا لا ينفعنا، لكن أنا ما انفككت ألح، وأعاتب ربنا، راجية أن يلبي لي ندائي...
استيقظت ذات صباح، أحسست حالي نشيطة، قوية، مختلفة، على غير عادتي، نهضت برشاقة، وشعرت بنشاط ملفت، عندما شاهدت في المرآة، شهقت، واندهشت، وابتسمت، وقهقهت، ونظرت إلى السماء وتشكرت وقلت ما أعظم أعمالك يا الله... فعلاً هذه أنا عندما كنت في العشرين من عمري...أشكرك يا ألله لقد أرجعتني كما كنت، وصفوني آنذاك بأنني أجمل الصبايا...
جميع الشباب الذين عرفوني، كانوا يتمنون رضائي... يتوددون إليّ راغبين في كسب ودي... كنت أصدهم جميعا... وحده خليل كان حبيبي...عشقته وعشقني لدرجة الجنون...
كنا نخفي حبنا، كوننا من مذهبين مختلفين، وحدها صديقتي نجوي كانت تعرف قصة حبنا...
عندما عرف أهل خليل بالأمر، زوجوه قريبته رغما عن أنفه، لكنه انتحر تاركا رسالة قال فيها: لا تقفوا أمام الحب بسبب الدين، لأن الدين لله، والحب للجميع... وأنا أقسمت ألا أتجوز بعده.
يومها قررت الخروج، فتحت خزانة ملابسي، تنهدت وابتسمت وقلت: يا إلهي جميع هذه الثياب لم تعد تناسبني... أنا الآن في العشرين من عمري وهذه الثياب لسيدة في السبعين...
هرعت إلى متجر الألبسة، واشتريت ما يناسب عمري الجديد العشريني، كان جميع أصحاب المتجر يعرفونني ويعاملونني باحترام ومودة، لكن هذه المرة لم يكترثوا بي، سألتهم ألم تعرفونني؟ قالوا لا...ضحكت وقلت أنا مدام فتنة، أنتم أصدقائي...
جميع جيراني، جميع أصدقائي، جميع سكان الحي لم يتعرف عليّ أحد، حتى الذين كانوا زملائي في العمل لا أحد عرف من أكون...
قلت أزور صديقتي غاليتي نجوى، هي وحدها ستعرفني. فتحت صديقتي الباب رأت صبية جميلة غريبة عند المدخل. سألتني نعم بماذا أخدمك؟
قلت أنا فتنة يا نجوى، ألا تعرفينني؟
ضحكت صديقتي وقالت وما معنى هذه المزحة السمجة؟
قلت: أكيد لم تعرفينني. لكن سأخبرك كلمة السر بيننا:
(المرحوم خليل).
استغربت نجوى واستقبلتني بحذر شديد، كانت خائفة مني ومن أكون أنا وما هو الدور الذي سألعبه...
أحضرت البوم صور الجامعة، قلبته وقالت فعلا هذه هي أنت زميلتي لكن كيف هذا؟ نحن في السبعين وأنت تبدين في العشرين...فقصصت لها حكايتي فلم تصدقني...
احست بأنني غريبة غير مرحب بي، استأذنت بالخروج ظنا مني بأن صديقتي ستتمسك بي كعادتها. لكن نجوى لم تبد أي رغبة ببقائي...
المشكلة رفض المصرف أن يصرف لي من مدخراتي بسبب عدم معرفتهم من أكون أنا، وطلبوا مني اثبات هويتي، وعندما رويت لهم قصتي مع أهل السماء، سخروا مني ولم يصدقني أحد، وفشلت أن أسترجع من مدخراتي لأعيش، وقالوا ربما تكون هذه ابنتها قد سرقت هوية أمها... وقالوا ربما هذه ابنة فتنة أخفتها لأنها على الأرجح غير شرعية...
أحسست إنني من كوكب آخر غير قادرة على الانسجام مع أحد، الجميع رفضني، وأنا لم أتمكن من اقناع أحد بشكلي الجديد...ولم يصدق أحد قصتي...
حتى اصدقائي وزملائي الذين اجالسهم كل يوم، وهم بمثل عمري الحقيقي، لم يرغبوا في قبولي بينهم، لقد بت غريبة عنهم، ولم يحبوا أن تكون صديقتهم صغيرة في عمر أولادهم، لا هم قبلوني، ولا أنا كنت قادرة أن أتأقلم مع أولادهم...
عانت وانتحرت فتنة المتصابية وهي تعاني من فشلها الذريع في الحياة لم يرضى ذوو الأعمار الكبيرة أن يقبلوها بينهم، وهي عجزت أن تتعايش مع الاعمار الصغيرة مثل عمرها... وقالت في رسالة كتبتها: أعرف ذاتك جيدا، وعش حياتك حسب وزناتك، وأرضى بما قسمه لك ربك.
وكتبت أنا بالعشرين، وخليل لا يزال في العشرين، وسأكون معه هناك أفضل من هنا.
بقلم: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق