بقلم :خالد القاضي
✨✨✨✨✨
وقف بين لفيف الأحباب والأصدقاء شامخ الرأس كأنه كسرا فارس أو قيصر الروم في ابهة وأبهى صورة ... يرتدي زياً تراثياً يمنياً أنيقاً ...متقلداً أحزمة الرصاص ويمسك بندقيته (الكلاشنكوف) بفوهتها ومؤخرتها مرتكزة على الأرض ...وعلى رأسه عمامة مطرزة بالورود والفل والرياحين ....وكانت على وجهه الحليق بعناية إبسامة عريضة عن أسنان بيضاء ناصعة ....
وجموع المهنئين والمدعوين تتدفق زرافات زرافات ....يصافحونه ويباركون له عرسه ويومه المشهود المنتظر الذي يتمنا بلوغه كل شاب أعزب ....
كان يشعر أنه أسعد شخص في هذا الكون ....لقد حصل على وظيفة مرموقة بعد تخرجه من الجامعة مباشرة ...وأستطاع أن يبني له منزلاً أنيقاً مما كان يوفره من راتبه الشهري المحترم ....وأن يشتري سيارة فارهة بعد ذلك ...وهاهو اليوم يتوج كل هذا بزواجه بالفتاة التي كان يتمناها طوال فترة دراسته ..وكان يدعو الله أن لا يتزوجها أحد غيره ....وكان له ذلك ...
الأرض من حوله تعج بالضيوف من كل حدب وصوب ...السماء تتزين بالألوان المتباينة الجميلة للألعاب النارية ....المصابيح تزين المكان وتحول ظلمة الليل في تلك البقعة إلى قطعة من النهار ....الكثير والكثر من أصدقائه وزملائه والضيوف التقطوا معه صور سيلفي كثيرة ...وهم يشعرون بالفخر والتباهي أن تجمعهم صورة واحدة بشخص ناجح مثله...
ضحك وفرح يغمر الجميع بعرسه الباذخ الذي أصبح حديث الجميع ..
وجاء وقت الزفة وارتصت الجموع في صفين متقابلين وكان هو في المنتصف بين الصفين كالملك المكرم من حوله ابوه واخويه الصغيرين وخاله وعميه وعدد من أفضل أصدقائه ..وبدأ المنشدون الأربعة بأصواتهم الجميلة في الإنشاد بكلمات جميلة من قصائد الزفة اليمنية الرائعة
تردد صداها مكبرات الصوت المنتشرة في كل الزوايا مختلطة بأصوات إنطلاق وفرقعة الألعاب النارية ....
(بسم الله بسم الله الله يا الله
بأول الذكرنبدأ الله
بالمولى بالمولى الله يا الله
وبالرسول المشفع .. الله
.......
يا عروس البدر من حسنك يغير *
الله يا الله يا أجل يا أجل الناس *
الله. كل من ينظر وقد جاك النصيب *الله يا الله. زاده يا عريس إيناس الله.
صل يارب على طه الحبيب...
.......
صلى إله السما الله
على الذي حاز الجمال الأسنى الله
طه الذي قد سمى الله
والآل ما طير الغصون غنى بأمر الله
صلوا عليه وآله تسليماً
))))
وكان قلبه يخفق طرباً لكل هذا
الإنشاد الآخذ المترع بالكلمات الحساسة الطروبة.... وشوقاً للدخول على زوجته ...
والتمتع بجمالها الآخذ ورقتها الأنثوية الساحرة ...
ومضت تلك الليلة وهو في شوق لليلة التالية...ليلة الدخول عليها... والموعد المنتظر مع أميرة قلبه
كان الغداء في اليوم الثاني كبيراً فخماً ذبح فيه 3 ثيران كبيرة ...
وجاءت اللحظة المرتقبة ...
وأستقبل زوجته حين وصلت بموكبها الفخم إلى باب منزله ..ونزلت كملكة متوجة تحيط بها مرافقاتها مع أصوات الرصاص والألعاب النارية والمفرقعات والزغاريد إحتفاءاً بها ...وقلبه يكاد يغادر صدره ليرقص بين الجموع طرباً وفرحاً....
وقام بكل الأعمال المتوارثة كعادات وتقاليد في الزواج اليمني ....
وحين وصلوا بها إلى الغرفة المعدة لإستقبالها.... جاء وقت رفع الغطاء عن وجهها وإتسعت عيناه إنبهاراً بجمالها الآخذ ...وكالمسحور أمسك بصدغيها بأصابع يده اليمنى في رقة وقرأ الفاتحة ...وشربا العصير كما هو متعارف....وجلس إلى جوارها على مقعدين وثيرين مزينين بالفل والورود وأمامهما صايصي الرياحين والورد والشموع ...وقلبه يتراقص فرحاً ...وهو مسحور اللب...وهي ترنوا إلى الأرض بخجل وعلى محياها إبتسامة خفر صغيرة ...
ما أجمل هذه اللحطات ....
وما أسعد تلك الدقائق
وأخيراً خلا للزوجين الجو ..
••••••••••••
طقطقطقطقطقطقطقطقطقطقطق
يا عبده ...يااااااااعبده ...
هيا انهض الساعة الآن الثامنة صباحاً لدينا عمل كثير....عبده "
ايقضته منزعجاً تلك الطرقات القوية على باب الدكان الذي استأجره سكن له والصوت الأجش الهادر للطارق ...
قام من نومه فوجد نفسه يضم المخدة إلى صدره بكل قوة ...لقد كان حلماً ....كل ذلك كان حلماً....وعادت الطرقات تدوي والصوت الأجش يهدر فأجابه بصوت غلبت عليه الغصة ..
(حاضر ..حاضر...لقد صحوت ...)
ورما المخدة من يده ونظر إلى شهادته الجامعية المعلقة على أحد جدران الدكان ...واغرورقت عيناه بالدموع ...
وقام يرتدي ملابسه ليذهب للعمل في حمل الطوب من هنا إلى هنا ...ليحصل على بعض المال يسد به جوعه ..ويرسل مبلغاً منه نهاية كل أسبوع لأبوية في القرية كمصاريف لهم ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق