عن رؤية الأستاذ محمد وهيب النعيمي
بقلم صالح مهدي الكندي
( قصة من الواقع )
في أحدى قرى الاهوار جنوب العراق( محافظة ميسان ) حدثت قصة حب افلاطوني بكل القيم والمباديء التي تربط الحبيب لحبيبة
نشأ محمد في احدى قصبات الهور وابصرت عيناه على بنت اسمها زهراء في نفس القرية التي تحتوي على جمال الهور ذلك المستنقع المائي الكبير حيث البيوت ترسو على مسطحات مائية بعيدة الواحدة عن الاخرى لطبيعة المكان بنيت البيوت على سطح المياه من القصب والبردي الموجود في الاهوار .
كانَ محمد بسيط الحال والديه متوفيان وهو وحيد يعيش عيشة بدائية لاتعليم مدارس ولا وضائف الحياة في الاهوار تختلف عن المدن لايوجد كهرباء او تطور عمراني ولا مدارس او جامعات يعتاشون على ماموجود في الهور من اسماك وطيور وجاموس والتنقل من خلال المشحوف( الزورق ) الخشبي
حين كبر محمد لايوجد امامة الا الرعي قرب الهور
كان يمتلك صوت جميل ويدندن مع نفسه اوقات الفراغ حتى عمل له ناي من القصب الموجود ليعزف به كان عزفه يسر من يسمعه.
كبرت زهراء تلك البنت خمرية الجمال سومرية المعاني بعيونها وشكلها جذابة. حين تسمع صوت الناي تهرع إلى ذلك الصوت الجميل حيث يجذب المار. وتعتلي المشحوف لتأخذه إلى ماتصبوا اليه على شجن الناي الذي يعزفه محمد وهدوء المكان في تلك البقعة لتراقب محمد وعزفه
في لحظة رآى بنت تراقبة من مسافة بين القصب حتى تقرب منها ليعرف من يراقبة .خجلت زهراء من محمد لانه رأها . هنا بدأت قصة الود بينهما. كانت زهراء كالأخرين اللذين اعجبوا بصوت الناي العجيب . اتفقوا ان يلتقيوا دائما حين الفراغ وكان صوت الناي هو اللقاء في المكان الذي اتفقوا عليه بعد العودة كل فترة من عملة . حتى عمل محمد معزوفة أسماها (زهراء ) لحبه لها
كان لقائهما قرب بيت تسكنه عجوز وحيدة . اهتمت العجوز بهم من خلال لقائهم تراقبهم وترتاح للقائهم لانهم غير مؤذين وحبهم طاهر اهتمت بهم تلك العجوز الكبيرة وتعاملهم كأبنائها التي لم تنجبهم . كانت البيوت او طبيعتها لاتوجد اسيجة لها وبعض المرات يجلسون او يلتقون عند العجوز ازدات العلاقة بين محمد وزهراء بود واحترام وعشق افلاطوني كما ذكرت
الحب بينهم له قيمة كبيرة لديهم لايوجد غدر للأخر .
حين يغيب محمد زهراء تحزن وتعد اليوم بالأوقات الصعبة تتألم وتحزن وتمرض لأن البعد صعب بينهم حين يكون العشق الصادق وبعض المرات تذهب زهراء للعجوز ترتاح قليلاً مستذكرة حبيبها . اصبحت العلاقة مع العجوز قوية جدا من حيث الشعور والاحساس
بعد ايام قليلة سمعت صوت الناي والمعزوفة التي لحنها محمد لزهراء .مباشرة وبسرعة اخذت المشحوف لتصل مسرعة اليه وبعد السلام والكلام الجميل بينهم .قالت زهراء يامحمد لابد من ان تأتي لأهلي لتطلب يدي ( تخطبني ) هنا محمد لم يرد عليها بسرعة بعد برهة من الوقت اجابها سأتي كذلك العجوز قالت له نعم اخطبها لكن هناك مشكلة في الخطوبة لان العرف العشائري لايعطي للراعي او الحائك او الحلاق امرأة .
بعد ايام حين رجع من عمله تقدم محمد لخطبة زهراء بدون مايأخذ مشية معه( جاهة) حتى لايصدم هو او من معه من الجاهة كما ذكرت ان محمد وحيد وفقير الحال لكنه ينتمي لعشيرة وهذا الحال يعرفة والد زهراء . أخذ والدها برهة واجاب لطلب محمد ان يدفع مهرها الذي حدده ابوها ٣٠ ثلاثون ليرة ذهب رشادي ( ذهب تركي ) اي طلب مهر تعجيزي لانه يعرف وضع محمد المادي لدفع المهر إضافة إلى مهنة محمد في الرعي .
طلب محمد وقت شهرين لتهيئة المهر من اعمامة واخوالة لأن محمد محبوب من قبل عشيرتة من طيب واحترام .
في احد الأيام زهره تروم الذهاب لجلب الماء الصالح للشرب من مكان قريب عليهم وبنفس الوقت تراقب عودة محمد قرب بيت العجوز كانت زهراء تحمل جرة كبيرة تسمى( المصخنة ) تحمل على الكتف وعلى الرأس. كانت زهراء ترتدي حجل من الذهب الخالص ( خلخال ) بكلا رجليها بالصدفة رآها احد الشيوخ وهو يركب المشحوف( الزورق ) كان الوقت قريب المسا في وقت الغسق وبريق ضوء الحجل الذهبي في تلك السيقان البيضاء وطول زهراء الجميل كنبعة رمان
قال الشيخ للبلام الذي يقود الزورق هاي البنت تعرفها رد البلام لا مااعرفها .طلب الشيخ ان يتابع مسير زهراء إلى بيتهم حين عرف بيتها وبنت من .في نفس الليلة ذهب الشيخ مع بعض وجهاء العشيرة ليطلب يد زهراء من والدها. وافق والد زهراء واتفقوا ان يكون الاسبوع القادم هو خطبة وزفاف في نفس الوقت. انتفضت زهراء بالخبر والدموع على خديها ذهبت مسرعة للعجوز رغم البعد بين بيتها وبيت العجوز مستبعدة اي معوقات الليل ووحشتة في الهور. لأن العجوز صارت سرهم وصديقتهم واكثر .
قالت زهراء للعجوز اني جايتك بوصية( خطية برقبتك اذا جاء محمد ان تخبرية إن زهراء خطبت من قبل شيخ قبيلة والزواج هذا الاسبوع وأمرها ليس بيدها لرغبة والدها )
بعد انتهاء أيام الاسبوع المتفق عليها. تمت التهيئة للزفة حيث ربطت المشاحيف مع بعضها على شكل طبكة متساوية غطت بألواح من الخشب وكان الطرب اي الغناء( المنكر ) هو ظرب أصابع الكف مع بعضها الأخر وكعب الأرجل يظهر صوت متساوي مع الاخرين. وهيئأ مقعد للعروس كان برفقتها خمسة من نساء القرية لغرض الزفة كانت زهراء ترتدي بدلة الزفاف البيضاء والبرقع فوق الرأس بنفس الوقت كان العروس قلقة على حبيبها محمد وهي بحالة غير جيدة حيث الدموع على وجنتيها.
وصلت الزفة إلى بيت الشيخ ودخلت العروس ومن معها من النسوة إلى غرفة العروسة . وكان الفرح قائم في ساحة البيت الكبيرة من قبل أبناء القرية وعشيرتة من الأهل والأقارب وأقامة الولائم. بعد الانتهاء من الوليمة ليلاً تمت زفة الشيخ حاتم على العروس بالغناء والمهاويل دخل العريس على عروستة بحقَ بوجهها واذا الدموع تمليء عينيها . استغرب الشيخ ؟
خرج بدون الدخول الشرعي عليها وهذا صعب في عادات العشائر حيث المتعارف عليه حين يدخل على عروستة يخرج منديل ابيض يدل على الدخول الشرعي فيه اثبات الدخلة حيث هذا لم يحدث.
عوتب الشيخ حاتم من اخوانة وأولاد عمومتة .
اعتذر الشيخ حاتم عن الأجابةمراعياً الحالة النفسيه للعروس كأي بنت تتزوج وتترك بيت اهلها وأشفاقة عليها تركها تستعيد نفسها.
عاد محمد إلى قريتة وهو في حالة فرح لأنه استطاع ان يجمع المهر قبل المدة المقررة بينه وبين والد زهراء. ذهب مسرعاً إلى بيت العجوز ليخبرها قد جمع المهر ليفرحها ويفرح حبيبتة زهراء .
قالت له العجوز وهي غير مسرورة لما الت عليها الظروف لزهراء. قالت إنَ زهراء قد خطبت وتزوجت أنصدم محمد بهذا الخبر وذهب إلى بيته وبعد ايام مرض محمد وكانت العجوز هي من تهتم به وفي صباح يوم جديد جاءت العجوز لترى محمد للأطمئنان عليه وتحمل معها الفطور اللبن والحليب وتنصدم هي الأخرى لترى محمد طريح الأرض وفارق الحياة. كان صوت زهراء يرن في أذن العجوز( خاله اذا جاء محمد امانة برقبتك ان تأتيني به لأراه ) العجوز قامت فعلاً وقربت المشحوف لبيت محمد وسحبت جثته لانها لاتستطيع حمل الجثه الى المشحوف .قامت بوضع الجثه داخل المشحوف وغطته بالقصب والبردي وتعتلي المشحوف وتجذف بالماء كي يندفع الى عمق الهور وكانت تختنق من العبرات وتنعي( كولات حزينة ) قريبة للشعر الشعبي الدال بالمعنى وتقول وتبكي( يزهره چاچ محمد هامد بالمشحوف )متوجهة الى قرية الشيخ حاتم الذي تزوج زهراء ليختفي المشحوف في عمق الهور ويختفي صوت العجوز.
ثم تصل لقرية الشيخ وتترجل وتسأل المارة عن البيت مازالت الأحتفال بالزفاف في بيت الشيخ بعد أن قربت المشحوف الذي جاءت به مع جثة محمد الى بيت الشيخ حاتم .تدخل غاضبة العجوز الى غرفة زهراء وترى زهراء جالسة وترتدي ملابس سوداء دلالة على حزنها نهضت زهراء وملأ الفرح وجهها وقالت ها خالة جبتيلي محمد لأراه وأكحل عيني بشوفتةَ .
حزنت اكثر العجوز ماهي عليه من حزن هزت رأسها( معناه نعم ) قامت زهراء على الفور متناسية كل شيء من عرس وشيخ واعراف وخلعت ملابسها السوداء لترتدي ملابس الفرح البيضاء الخاصة بالزفاف ووضعت المكياج على وجهها ووضح الكحل لعينيها. تخرج العجوز وزهراء خلفها ( تتبعها ) حين خرجوا رأهم الشيخ حاتم ومن معه والعروس ترتدي ملابس العرس. نهض مستغرباً ومن حوله يتابعون العجوز التي لايعرفونها من قبل ويتابعون العجوز والعروسة حتى وصلوا الى حافة الهور.
زهراء تسأل العجوز ؟ خالة وين محمد قالت لها بالمشحوف محمد حتى وصلوا للمشحوف الذي فيه جثة محمد وترفع العجوز القصب والبردي من فوق الجثة رمت زهراء نفسها داخل المشحوف فوق محمد لتقبل رقبتة. في نفس الوقت يصرخ الشيخ ماذا تفعلين يازهراء وكيف تقبلين رجل غريب وأنتِ زوجتي . يسحب الشيخ سلاحة الشخصي( مسدس ) ويسحب زهراء من يدها
تسقط يد زهراء وترتمي هي الأخرى ميتة فوق حبيبها.
تصف العجوز جثة زهراء جنب حبيبها.
العجوز تعتلي المشحوف وتجذف الماء وتتجه الى قريتها. والشيخ في حالة مزرية امام الناس لايعرف ماذا يجري وهو يسير على حافة الهور. وكانت العجوز تردد النعي
( ها خوية ها ها وين الولف ذاك
زهره صارت بالمشحوف وياك )
الى ان اختفى المشحوف داخل عمق الهور .
هكذا كانت قصة (روميو وجوليت عمارة )من مأساة الواقع والعادات المزرية في المجتمع
١.عمارة/ محافظة ميسان
( العراق )
٢. الأهوار/ مسطحات مائية
٣. المشحوف/ الزورق
٤. المصخنة/ وعاء نحاسي لمليء الماء
٥. المنكر/ ضربات للنغم او الغناء
صالح مهدي الكندي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق