البداية
الحلقة 1
في حفل ترحيبي أقامته الجامعة للدكاترة فارس هدى بينما تغيب الدكتور سمير لأسباب طارئة.
سألوا فارس وهدى كيف كانت البداية من دمشق حتى عودتكما إلى دمشق؟
قال فارس: بدأت قصتي عندما جاء مدير مكتب عميد كلية الآداب في دمشق يطلبني قال: تعال يا فارس بسرعة، عميد الكلية يطلبك في مكتبه...
أنا استغربت الطلب، عادة العميد لا يطلب احداً، إلا إذا كانت هناك شكاية على الطالب...أو لا سمح الله طلب عاجل من البيت، لسبب مؤلم أو محزن أو ما شابه، ولم أقدر أن أخمن الأمر، لماذا يطلبني العميد؟ لكن بصراحة أفكار سوداء راودتني...
دخلت قاعة الإدارة، أشار العميد لي بالجلوس...كان يراجع أورقا ويوقع عليها...
جلست صامتا، كان في القاعة هدى ابنة العميد، وشاب غريب لا أعرفه
تذكرت عندما دخلت الكلية مخالفا أبي الذي كان يرغب تعليمي في كلية علمية...
كنت هاويا دراسة الأدب العربي، وأصدقائي كانوا ولا يزالوا الأدباء العرب أقابلهم على صفحات مقاهي الورق... ومنهم طه حسين، جبران خليل جبران، توفيق الحكيم، مخائيل نعيمة، نجيب محفوظ وغيرهم، عديدون...
أنا رسمت لذاتي هدفاً، أن أصبح كاتباً، أضم أسمي للكتاب العرب، وشحذت إمكانياتي، وأخذت أعمل بنشاط دؤوب، ولم ألتفت لا يمينا ولا يسارا، رسمت طريقا واحدا يجب أن أواصل السير عليه، سواءً أن كان ذاك الطريق معبداً، أو عثراً يجب أن أتغلب على الصعاب ويجب ان أتابع الطريق إلى المنتهى......
أنا كنت مؤمنا وما فتئت بأن الكلمة الأصيلة، أمضى من الرصاصة الجارحة. لأن الكلمة الطيبة تستقر في الفكر وتنور العقل، وهي واجب أخلاقي إنساني، بينما الرصاصة أداة مجرمة تخترق الجسد هدفها قتل الحياة...
كانت الدكتورة هدى وأشرت لها بيدي، آنذاك زميلتي في الصف، كانت الوحيدة التي تنافسني في لوحة الشرف. خلال السنوات الجامعية الأربعة...
ابنة العميد في غرفة والدها، وهذا عادي لا يعنيني لا من قريب، ولا من بعيد، ولم أحاول يوماً أن أحتك بها أو بغيرها لأن فكري كان مشغولاً بالكتب وأصدقائي الكتاب، وقد سجنت أمور الحب بتلك الفترة الجامعية...لأنها تحد من تقدمي في مسيرة حياتي......
انتهى العميد من توقيع الأوراق بين يديه ابتسم وقال: أهلا بكم. أود أن أخبركم بأن وزارة الثقافة الإسبانية: منحتنا ثلاث منح دراسية لثلاثة طلبة متفوقين... حتى يدرسوا اللغة الاسبانية والناجح بتفوق سينال جواز سفر يخوله الانتقال إلى المرحلة الثانية الماجستير ثم الدكتوراه...
عنوان الدراسة، هو التمازج بين الأدبين العربي والإسباني حين كان العرب في الأندلس...وتأثيرهما على الفكر والأدب الإسباني المعاصر
وعندما تعودون، بأذن الله ستكونون دكاترة مختصين في الأدب الأندلسي، ستكون أبواب الجامعة مرحبة بكم لتكونوا أساتذة فيها
تابع العميد يقول: أنا اخترت فارس، وهدى ابنتي لأن اسميهما لم ينزلا مرة واحدة من لوحة الشرف في الكلية.
وهذا الشاب سمير رشحته كلية الآداب في جامعة حلب، أهلا بك..
ما رأيك يا فارس هل ترغب بهذه الدراسة؟
قلت: أشكرك يا سيدي على هذا الاستحقاق الكبير الذي منحتني إياه، أنا موافق بكل تأكيد... هذا حلم لم أكن لأحلم بأجمل منه، دراسة الأدب العربي الاندلسي ذو الخصوصية المميزة، في بلاد الأندلس، حيث انصهر الأدبان العظيمان...وأعطيانا ادباً معاصرا جديدا مميزا
هذا حلم كبير يسعدني ويرويني كلية...
وسألوا الدكتورة هدى ماذا عنك يا دكتورتنا الكبيرة؟
نظرت هدى إلى فارس بفرح وقالت: كنت أتأمل فارس عن كثب، في قاعة أبي وقلت: هذا هو غريمي الذي يتنافس معي دائماً على الاسم الأول في لوحة الشرف، الحقيقة لا أنا، ولا هو حاولنا أن يتعرف أحدنا على الآخر، كل منا كان همه الأول هو التفوق والتميز...كانت تلك هي المرة الأولى التي نظرت فيها إلى شاب نظرات متفحصة أريد أن أسبر أعماق هذا الزميل، الذي سيرافقني في رحلة دراسية طويلة قد تدوم سنوات. بصراحة أعجبني الشاب، قوي صريح، واثق بذاته، إضافة إلى أنه وسيم، طلته بهية، وحضوره محبب، وبالتأكيد مستقبله مضمون وسيكون أستاذاً جامعياً في كلية الآداب، وربما سنعمل سوية هنا في هذه الكلية...
حينها اشرق شعاع في ذهني وقلت: هذا هو شريك حياتي الذي أرى أحلامي ستصل إلى النجوم...
ومن تلك اللحظة، صار فارس هو أجمل أحلامي، وقائد مسيرة حياتي... وأصبحت أنتظره يومياً، ليأتي إلى الجامعة لأجلس أنا إلى جانبه قبل أن تجلس غيري بجانبه...أصبح مقعدي على مدرج الجامعة بجانب فارس أينما يكون هو، أكون أنا.
أنا افترضت مسبقاً موافقة فارس أن يبادلني أحلامي التي بدأت تنمو في قلبي كحبة الخردل...وبدأت وريقاتها تزين مستقبل عمري...
حينها أغلب طلاب الجامعة كانوا يتمنون رضائي، كوني ابنة العميد وكانوا يصفونني بالجميلة والذكية، لكن لا أحد منهم استرعى انتباهي كما فعل هذا الفارس في تلك اللحظات القليلة التي جمعتنا...
تخرجنا نحن الفرسان الثلاثة من الجامعة بمرتبة الشرف كما هو متوقع، وانهمكنا في توضيب أمورنا، وامتطينا الطائرة قاصدين المستقبل... بلاد الأندلس. بلاد أجدادنا العرب
إلى اللقاء في الحلقة الثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق