عدالة المحبة
قصة
شخص كان مكروها لأنه كان يمارس جميع أنواع الشرور والرذائل المعروفة وغير المعروفة. لذلك لقبوه بالحقير...
عندما مات ذاك الكائن، أحد لم يكترث به، بل بالعكس، فرح الناس برحيله، وقالوا لقد خلصتنا السماء من شرير مخيف، وقالوا أيضا: لا بد سيواجه ذاك الشيطان مصيرا أسود في عدلية السماء...
نزلت جنود السماء، وساقت ذاك الشرير إلى دار العدل السماوية لمحاكمته.
أخذ القاضي يتفحص ملف ذاك الشخص مستاءً مشمئزاً. ينظر في وجه الرجل تارة، وفي إضبارته تارة أخرى. ملف يفور ويطفح بالشرور والخطايا والرذائل المخالفة لكل الوصايا والتعاليم السماوية.
راجع القاضي الملف ثانية، ولكنه لم يجد بين السطور بقعة ضوء واحدة منورة...
سأل القاضي الرجل: كيف تدافع عن نفسك وأمامي ملفك الأسود هذا؟
قال الرجل "لا تعذب نفسك يا سيدي، أنا لن أدافع عن نفسى أنا أعرف طريقي، أنا ذاهب إلى عذابات لن تنتهي... إلى جهنم وبئس المصير...
لقد نصحني الناس وارشدوني إلى طريق النعيم، لكنني ضحكت عليهم وقلت لهم: أنتم ناس حمقى، وهل توجد حياة بعد الموت... الموت هو النهاية، هو العودة للتراب...
بكي القاضي حزنا على الخاطئ، وعلى المصير التعيس الذي ينتظره في المكان الصعب، حيث البكاء، وصريف الأسنان. محرقة نارها لن تخمد. مكان يشتهي سكانه نقطة ماء...
سأل القاضي الرجل مجددا، ألم تفعل عمل خير واحد في حياتك قد يخفف من عذاباتك؟
قال الرجل: لا يا سيدي، لم أفعل.
فوجئ القاضي عندما رأى نوراً قويا غامزاً في ملف الرجل. عاود القاضي النظر إلى الملف بدهشة وأستغراب، وارتسمت أبتسامة عريضة على وجه...
سأل القاضي الرجل الخاطئ مجدداً:
يا رجل، ألم يطرق بابك يوما فقير متسول في ليل صقيعي يسألك أن تعطيه حذاء قديما ينتعله ليحمي قدميه العارتين من جليد الطرقات؟
كان عندك حذاء جديدا اشتريته ليوم العيد، اشفقت على ذلك الرجل وتحننت عليه، وآثرته على نفسك، وأعطيته الحذاء، ثم قدمت له عشاء، وحساءً ساخنا؟
هل فعلا فعلت ذلك؟
قال الرجل نعم يا سيدي، نعم فعلت، ولكن ماذا ينفعني عمل واحد أمام ملفي المخجل المليء بالمعاصي التي ارتكبتها في حياتي وأمام تلك الفظائع التي فعلتها؟
قال القاضي: ذلك الرجل الذي طرق بابك هو من سكان السماء، وهو الذي يتشفع لك الآن، ويرجو من المسؤولين بشفاعة مريم العذراء، الرحمة لك.
كان ذاك الرجل الذي رحمته، وعاملته بمحبة، هو من أحباب الله، لأنه كان يعمل الوصايا بمحبة، ودائم الشكر لله، رغم فقره وعذاباته الدنيوية، لم ينسى أن يشكر الله يوماً...
اليوم هو يرجو يسوع ديان العالم، أن يحول ذلك الانسان من واحد شرير إلى آخر صالح...
أرجوك يا يسوع سامحه... قبل يسوع مسامحة الرجل وأمر ارساله إلى المطهر حتى تحترق كل شوائبه ويتحول إلى شمس تضيء في هذا الكون الذي بلا نهاية...
ابتسم القاضي وقال: هذا الفعل الوحيد الذي فعلته بمحبة حقيقية، وهذا التشفع الحار من ذاك الرجل القديس الذي اكرمته، هو الذي يتشفع لك الآن
زاد وزن فعلك المذكور بمحبة على أوزان أفعالك الشريرة التي ارتكبتها في حياتك... الرحمة والمحبة اللذان كانا في قلبك هما اللذان جعلا يسوع يسامحك... الله يقبل التائبين الذين في قلوبهم ذرة من المحبة والتوبة الصادقة ...
قال القاضي: اذهب يا هذا إلى المطهر حتى تحترق خطاياك. فتشع نورا وعد لتنعم بالحياة الأبدية في الملكوت...
وعظة أحد الآباء في كنيسة الزيتون بدمشق بتصرف...
بقلم الكاتب: عبده داود
تموز 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق