الأربعاء، 24 يوليو 2024

جراح هزم الألم بقلم عماد سالم ابوالعطا

جراح هزم الألم

المدينة غارقة في عتمة دامسة ككفن أسود يلفها
 لا يخترق هذا السواد سوى شُعاع خافت من القمر
كأنه دموع حزينة يُراقب المدينة الصامتة من بعيد
يسود السكون كل شيء لا يخترقهُ سوى أصوات الطائرات البعيدة وأصوات القذائف المُتقطعة
الناس يختبئون في بيوتهم خوفاً من القصف الذي اشتد بشكل جنوني
في خضم هذا الرعب 
كانت عهد ابنة السادسة عشر تجلس في غرفتها تملأها مشاعر الخوف والرعب

فجأة هز انفجار هائل المنزل بأكمله غرق كل شيء في الظلام الدامس أغلقت عهد عينيها دون وعي تصرخ 
صرخة تُمزق سكون الليل
وألم قاسٍ يجتاح جسدها
أدركت عهد أنها أصيبت في قدمها
في لحظات تغيرت حياتها تماماً
تحولت الغرفة المُظلمة إلى ساحة حرب
هرع عمها الطبيب إلى مصدر الصرخة
يجدها ممددة على الأرض والدماء تُغطى قدمها بغزارة 
يُحاول تهدئتها 
يطلب منها الصبر 
يحملها برفق ويضعها على طاولة المطبخ
والخوف يملأ عينيها
دموع تنهمر على خدها تتشبث بيد عمها الطبيب
همست عهد بصوت مبحوح "لا، لا تفعل سأموت!
نظرت إلى عمها بعينين ملؤهما الخوف
وسألت بصوت يرتجف ماذا سيحدث لنا إذا اقتحم الجيش المنزل؟
رد عليها عمها بصوت خافت حزين 
لا تخافي يا عهد
مصيرنا واحد ولن أتركك أبداً
حتى لو كلفني ذلك حياتي
كان المشهد مزيجاً من الألم واليأس والأمل
ألم الفراق ويأس من المستقبل
وأمل في نجاة ابنة أخيه
يُهدئها عمها بصوت حنون
لا تقلقي يا ابنتي سأفعل كل ما بوسعي لإنقاذك 
لكن النزيف غزير وعلينا إيقافه قبل أن يُفقدك الكثير من الدماء
يمسك بيدها بقوة ويقول
لن تشعري بالألم سأحاول بقدر الإمكان الحفاظ عليها
ثم يمسك بالسكين ويبدأ بقطع اللحم حول الجرح
مُحاولاً فصل القدم بأقل ضرر ممكن يداه تتحركان بثقة وخبرة
يُحاول تخفيف الألم عنها بقدر الإمكان
تصرخ الفتاة من شدة الألم لكن عمها يمسك بيدها بقوة ويُكلمها بصوت هادئ
مُحاولاً تشتيت انتباهها عن الألم

مع مرور الوقت
يبدأ النزيف بالتوقف فيقوم عمها بتضميد جرحها بعناية
ويُطمئنها بكلمات دافئة
يُخبرها بأنها بخير وأنها ستتعافى قريباً 
تفتح عهد عينيها ببطء على صوت عمها يناديها
ابتسامة دافئة تُزين وجهه وبُشرى النجاة تملأ كلماته
لقد نجحت العملية يا عهد أنتِ بخير الآن
تغمض عهد عينيها مجدداً وتغمرها مشاعر الامتنان والحب لعمها
هو من وقف بجانبها في أصعب لحظاتها
مع شروق شمس الصباح هدأ صوت القصف
اصطحبها عمها برفق إلى المستشفى ليُكمل رحلة شفائها
اصبحت عهد في غيبوبة من شدة الألم وفقدان الدم 
لكنها تُقاوم الموت بفضل صبرها وقوة إرادتها
بعد أيام قليلة تفيق من غيبوبتها وتُدرك أنها فقدت قدمها
تفتح عهد عينيها ببطء وتُلقي نظرة على محيطها 
غرفة بيضاء ناصعة ورائحة المطهرات تفوح في الهواء
تُدرك أنها في المستشفى
وأن العملية قد نجحت بالفعل
يدخل عمها الغرفة وبُشرى النجاة تُزين وجهه
يهمس في أذنها بكلمات دافئة تُثلج قلبها
لقد نجوتِ يا عهد أنتِ قوية ورائعة

عهد تحاول النهوض لكن آلاماً حادة تشل جسدها

فتتذكر ما حدث معها وكيف واجهت الموت وجهاً لوجه
وكيف أنقذها عمها في اللحظات الأخيرة
تغمض عينيها مجدداً
وتُسرف دموعها على خديها
بعد أن أصبحت بقدم واحدة 
دموع الفرح والسعادة والامتنان لعمها الذي منحها حياة ثانية

تُقرر عهد أن تُكرس حياتها الجديدة لفعل الخير ونشر السعادة بين الناس

تنهض عهد من فراشها بصعوبة وتتجه نحو النافذة
وتطل على العالم بنظرة جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل
عازمة على تحقيق أحلامها على الرغم من إعاقتها

عماد سالم ابوالعطا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الشعراءُ الحقيقيون صامتون بقلم عماد نصر

الشعراءُ الحقيقيون صامتون   كصوت الريح في أعماق البحار يمشون بين الكلمات كأنهم ظلال   لا تُرى ، و لا تُمسك بالنظر الجارح .   هم في صمتهم يكت...