السبت، 24 أغسطس 2024

تلال المخطئات بقلم فاخر خالد

،، محطات من الذاكرة ،،
  ( تلال المخطئات )

قطعت تذكرة من دائرة آثار مدينة ذي قار لزيارة آثار أور . وقبل ان اتوجه لمنطقة الآثار تعطلت سيارتي فاصبحت مظطرا لتركها عند الميكانيكي ، على امل ان استلمها غداً فاستأجرت سيارة تاكسي إلى الزقورة التي وصلتها عصرا وكنت الوحيد الذي مر على نقطة التفتيش منذ اشهر ربما، فسمحوا لنا بالمرور...بعد انتهاء زيارتي للزقورة والبيت المفترض للنبي ابراهيم والمقبرة الملكية .
وفي طريق العوده ، كان الظلام قد حل واخذت اليشن والتلال تتراى مثل خيام في عمق الصحراء...مررنا بامراة على جانب الطريق تستوقف السيارة ...كانت تلبس عباءة سوداء ...حزينة القسمات...طلبت من السائق أن يتوقف فرفض بعصبية ظاهرة وقال انت تريد تورطنا هذه منطقة عشائر وقد نقتل لأي سبب تافه .. ظلت المرأة تتبع السيارة كما لو أنها تمشي على حزام ناقل .. فقلت للسائق انزلني هنا وهذه أجرتك .. انزَلني وانطلق بسرعة ..كانت المرأة تشير بيدها إلى التلال...قلت ربما ان لها اولاد .. او تواجه مشكلة ما...اخذت المرأة تتعمق في الصحراء .. تهبط وادياً وتصعد تلاً ،تاركة بيننا مسافة ثابتة دون أن تتكلم .. بحكم معرفتي بجغرافية المنطقه كنت اتوقع أنني اتحرك في مناطق الرفيع .. أو البصير أو عين صيد .. القريبه من آثار لكش عاصمة الدولة الأكادية .. لذلك لم اك خائفا وفي ذهني قصص الاشباح التي تظهر في هذه الأماكن..وكلها قصص عجائز كما كنا نفترض
وفجأة وجدت أنني محاط بفتيات يلبسن بدلات الزفاف ويحملن فوانيس ويتوزعن على رؤوس التلال والوديان .. يقفن بصمت وإجلال .. تنسدل شعورهن على اكتافهن وصدورهن .. وفي اجسادهن اثار خناجر ورصاص وحبال مشانق ..
كأن كل أثر يشير إلى سبب مقتل كل واحدة منهن .. كانت الدماء ماتزال طرية تقطر دون أن تشوه ثيابهن البيضاء .. طافت المرأة ذات العباءة السوداء بكل واحدة منهن واستلمت منها ورقة صغيرة، وجمعت الاوراق ووضعتها في يدي وقد كنت تحولت إلى عمود رخام من هول ما رأيت .. ثم اختفى كل شيء .. كأن احدا اطفأ شاشة البلازما الضخمة ولم يبق سوى الظلام ونباح الكلاب ياتي من بعيد ..تكورت في احدى المغاور وفي الصباح قصدت خيمة تلوح في الافق ، وقطيع جمال وراعي دهش من منظري وجفل .. اخفيت الاوراق قبلها في جيبي ، وكان الفصل شتاء والجو بارداً..اقنعت البدوي بانني تهت فعلا وتوغلت بقلب الصحراء .. ضيفني الرجل وهو بين مصدق ومكذب .. وبعد مشقة وصلت إلى قضاء البطحاء ..كانت الاوراق في جيبي حقيقية ومكتوبة بخط غير مالوف اقرب لطباعة الليزر..واحدة من الاوراق كانت تعود لفتاتين لم تبلغا الثامنة عشرة كن جالسات وحولهن فتيات يمشطن شعرهن..ووقتها سمعت المرأة تقول.. انظر للفتياة اللواتي تم دفنهن قبل يومين .. هنا...دفنوهن...كلشي مامسويات.. (لن يرتكبن اي فاحشه )كانت كل ورقة تحمل اسم الفتاة وعنوان بيتها مع عبارة مقتضبة...ليش انا شمسوية .. ( لماذا انا . ماذافعلت!؟ ) وصلت إلى أحد العناوين طرقت الباب خرج رجل وقور ..قلت انا ضيف .. قال تفضل..رفضت أن اشرب الشاي فقال .. لك ماتطلب تفضل اشرب شايك...وهي عادة معروفة...قلت للرجل وليس في غرفة الاستقبال غيرنا...انا جئت من طرف فلانة...في احد التلول هناك ..وقصصت عليه القصة...فضرب الرجل راسه في الحائط وصاح صيحة عظيمة...والله مامسوية شي... والله مظلومة مظلومة...نحن كلاب ...وظل يلطم على رأسه...وطلب مني أن نعود إلى نفس المكان ليقوم بنقل الرفات لدفنها في مقبرتهم ..وعندما انكب هو واولاده وبعض عمومته يحفرون المكان مثل المجانين لم يظهر سوى رسم جسد امراة على الرمال تفوح منه رائحة المسك ..

✍️ فاخر خالد





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

علمتنا غزة بقلم كريم كرية

  علمتنا  غزة كيف يكون الصبر على المصائب علمتنا  غزة ٱن الٱخ اليوم لم يعد سندا بل نحن في زمن العجائب علمتنا  غزة معنى الرجولة و لو كلفت ٱغلى...