الجمعة، 23 أغسطس 2024

نيران امرأة سمراء بقلم وليد.ع.العايش

" نيران امرأة سمراء " 

كانت الأمواج هادئة للغاية ؛ الزبد يتطاير على أقدامنا دون أن يثنيا عن المضي أكثر بين صخور الشط حيناً وفي قلب الماء الأزرق الدافئ حيناً ؛ تارة تتشابك أيدينا ؛ لا لشيء فقط كي نعبر متاهة صخور حطمت الأمواج أجزاء كثيرة منها ؛ لعل البعض ممن كانوا هناك ينظرون إلينا ويتحادثون عنا ؛ لكن بكل تأكيد لم تكن أصواتهم وأحاديثهم لتصل إلينا ؛ وحتى وإن وصلت فلا قيمة لها كونها ك الزبد تطفو على السطح ثم تتلاشى . 
إلى أين نريد أن نصل ؛ لست أدري ؛ ولعلك أيضاً لا تدرين ؛ كل مافي الأمر أننا سويا في مقدمة هذا البحر الذي يبدأ ولا ينتهي ؛ طغت ضحكاتنا على صرير الموج ؛ وعلى صوت القطار الذي عبر بجوارنا ؛ وعلى زائير سفينة أطلقت صفيرها معلنة الوصول للتو . 
لعلك لم تكوني تعلمين بأني كنت أتأملك خلسة ؛ فكان كل شيء فيك مثير جدا في تلك الأمسية ؛ لون وجهك الذي عانقته الشمس وهي تسقط خلف مياه البحر ؛ شفاهك التي تخلت عن كل أنواع الزينة فظهرت على حقيقتها التي كانت أجمل من زينة حسناوات العالم مجتمعات ؛ تلك السمرة التي تشبه وجه فنجان قهوة تبدأ من جبينك لتنتهي إلى أخمص ساقيك ؛ وحده صدرك كان متمردا ؛ ثائرا ؛ لكنه لم يكن أحمقا بكل تأكيد ؛ يا إلهي هل هذه أنت !!! سألت نفسي مراراً ؛ لكن عندما ألمس يدك التي بدأت تبرد مع هطول المساء تجعلني أكثر ثقة بأنك أنت ؛ وأنت فقط . 
جلسنا على حافة صخرة متهالكة متآكلة ؛ التصقنا رويداً رويداً ؛ حينها شعرت بكم من الدفء الذي لم يأتيني طيلة السنين التي عبرت حياتي ؛ كم كنت طفلة صغيرة وأنت تخلعين حذاءك الأبيض ؛ وتتركين قدميك تلهوان بالماء الفاتر ؛ بل أن الكثير من قطراته بدأت تداعب وجهي ؛ دون أن ينفع أي رجاء كي تتوقفي ؛ فاستسلمت ؛ دعها تستمع بلحظات لعلها لن تأتي مرة أخرى . 
الشمس تنهي هبوطها المسائي المعتاد ؛ النوارس تبدأ بالصراخ على بعضها البعض ؛ الأمواج تلملم أشيائها ؛ الزوار أصبحوا قلة ؛ أنوار خافتة بدأت بالظهور عن بعد ؛ أما السفن هناك فقد أشعلت كل مالديها من أضواء ؛ ومعها اشتعل شيء ما بداخلي . 
في طريق العودة كان حذاءك بين يديك ؛ وكنت أكثر التصاقا بي ؛ أو لعلي أنا من كان يتمنى ذلك ؛ خشية انزلاق مفاجئ أو لسبب آخر . 
بعد أن أصبحنا على قارعة الشاطىء كتبت لك : ( اليوم فقط عرفت معنى أن يعشق الإنسان امرأة سمراء ) ؛ وبعدها اشتعل كل شيء . 

أتذكرين ...

وليد.ع.العايش 
٢١ / ٨ / ٢٠٢٤ م




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لعبة النسيان بقلم عبداللطيف قراوي

بقلمي عبد اللطيف قراوي  ***لعبة النسيان، ***، ألم الماضي يمحوه النسيان. ويطْوى صفحات الحرمان. وينجينا من براثن الهديان. قنطرة عظيمة. تنقلنا ...