التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري 1
رؤيتي : د/ علوي القاضي
... هناك مثل عربي يقول أن (العقل زينة) ، فما مامعنى العقل وكيف يكون زينة للبشرية ؟!
... كلمة (العقل) تحتاج الوقوف للحظة والتفكير بأمرها ، فلها مرادفات (العقل من عقل فهو عاقل) ، ولأن الله سبحانه وتعالى فضل الإنسان على سائرِ مخلوقاته ، فقد كرمه بالعقل ، فكان أمر الله بوجود العقل في الإنسان ، فأصبحت صفة الإنسان (العاقل بأمر الله) ، ومع وجود (العقل) بكلمة من الله (جل جلاله) وجدت الرحمة واللطف والبركة والكرم والتسامح ، . ، . ألخ ، وكل المعاني الإنسانية الجميلة
... فما بال الناس الٱن ، هل نسوا أو تناسوا تلك المعاني الإنسانية ، هل أمسوا وأصبحوا بلاعقول ، هل تاهوا عن أمر الله بعقولهم ، لدرجة أنه أصبح الفجور والتسلط والظلم (قوة) ، وأصبحت الوقاحة (ثقة) ، والسرقة والغش (شطارة) ، وأصبح ذاكر إسم لله وقارئ القرآن الكريم (منبوذ) من عقول فارغة من (الرحمة) وتملكها (الشر) ، وأصبحوا متكلين على أدنس وأقذر شئ موجود لديهم (أملاكهم ومالهم ومجوهراتهم) ، وأصبحوا تابعون لشهواتهم !!!
... وللعقل عند (علماء النفس) تعريف مهم وهو أن (العقل) عبارة عن (مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي ، والمعرفة ، والتفكير ، والحكم ، واللغة والذاكرة) ، وهو غالبًا مايعرف بملكة الشخص الفكرية والإدراكية ، بها يملك العقل القدرة على التخيل ، التمييز ، والتقدير ، وهو مسؤول عن معالجة المشاعر والإنفعالات ، مؤديًا إلى مواقف وأفعال
... ولكن هنالك جدال في (الفلسفة) ، (الدين) ، (العلوم االمعرفية) حول ماهية العقل وصفاته المميزة
... ومعظم الأسئلة المفتوحة التي تسأل عن طبيعة العقل هي عن (ماهية العلاقة بين العقل والجسد) ، والتي تبحث في العلاقة مابين (العقل) و (الدماغ المادي والجهاز العصبي) ، وكذلك تضمنت الأسئلة وجهات النظر والنزعة الثنائية والمثالية ، التي إعتبرت أن (العقل شيء معنوي) ، بينما يدعي البعض بأن (العقل هو الدماغ) ومن الممكن إختزاله بالظواهر الفيزيائية مثل النشاط العصبي ، على الرغم من إستمرار إمتلاك المذاهب الثنائية والمثالية للكثير من المؤيدين
... هنالك سؤال آخر متعلق بأي أنواع (المملكة الحيوانية) القادرة على إمتلاك عقل ، بمعنى ما إذا كان العقل حصري للبشر ، أم تملكه أنوع أخرى أو جميع الحيوانات ، سواء ما إذا كان خاصية محددة بصورة مطلقة ، أو ما إذا كان من الممكن أن يكون خاصية لبعض أنواع الآلات التي صنعها الإنسان مهما كانت طبيعتها (الإنسان الٱلي) مثلا
... من المتفق عليه أن (العقل) هو ما يجعل الشيء يملك وعي ذاتي وقصدية نحو بيئته ، يفهم ويستجيب للإيعازات بنوع من الوساطة ، وأن يمتلك وعي ، والذي يتضمن التفكير والشعور
... فكرة (العقل) يمكن أن نفهمها بدقة بالعديد من الطرق المختلفة ومن خلال العديد من الثقافات والديانات المختلفة ، فيرى البعض أن العقل ملكية خاصة للبشر ، في حين ينسب الآخرون صفات العقل إلى الكيانات الغير حية مثل (الروحية الشاملة والروحانية ، والحيوانات والآلهة) ، وأحد أقدم التخمينات المسجلة ربطت العقل (والذي يوصف في بعض الأحيان على أنه روح) بنظريات متعلقة بالحياة مابعد الموت ، النظام الكوني والطبيعي
... قال علماء التصوف عن (العقل) أنه نور الحياة ، من شأنه أن ينير لحامله الطريق بالعلم والحكمة فيصير على بصيرة و ينتهي إلى هداية حميدة
... ويرى البعض أن (العقل) هو ميزان الحقائق ، وسمي بهذا الاسم لأنه يُعقل الإنسان عن التورط في المهالك ، و (العقل) أشرف الأحباب ، وما للإنسان إلا عقله ، و (العقل) هو زينة العاقل في جمعية العقلاء ، و (العقل) قائد للحياة وقبطان سفينة النجاة ، و (العقل) مناط التكليف ، والعلاقة بين (العقل) و (اللسان) علاقة عكسية فكلما نقص العقل طال اللسان
... ولازال (العقل البشري) يمتلك (أكواد) لم يستطع العلماء أوالفلاسفة حل شفرتها منذ بداية الخليقة ، ولكن ما أؤمن به أننا نحمل فوق أكتافنا كنز عظيم لم نستخدم منه سوى 1% ، ولازلنا نجهل طريقة إستخدامه ، فجميع ماوصل إليه (العقل) من صناعة هذه الثورة من التكنولوجيا والتطور ، لازالت الأغلبية العظمى لا تعرف كيف تتغلب على إدمانها للأشياء ، ولماذا كلما تركوا شيء كانوا مدمنين عليه إزدادوا رغبة فيه ! ، فهذا شيء من مجموعة أشياء ، إستحال على الإنسان السيطرة عليها ، وبإيمان مطلق أؤمن بأننا لو عرفنا كيف (نقود العقل) فإننا سنتغير بشكل مذهل جدا !
... وعلاقة (العقل) ب (السلوك الإنساني) والتركيز فهناك رأي أن (العقل المشغول) لاينتبه لأحد ، وهناك رأي معاكس ، أن العقول المشغولة أوالمطحونة لاتستطيع أن تتخطي ذكري ما أو شخصية مرت عليها في حياتها ! ، فهناك فرق كبير بين أن أكون مشغولا ب (صراعات) ، أو أن أكون مشغولا ب (نفسي) وبخطواتها للأمام ، فالعقل المشغول ليس المقصود به عقل مسحول أو منخرط في صراعات ، إنما العقل المشغول بحق ليس عنده وقت لينشغل عن أي شئ غير هدفه ، حينها إذا مرت ذكريات معينة أمامه ، قد لايهتم ، ولو تذكر لحظات مميزة لاتثيره ، ولايمكن لأي فكرة أن تحبسه داخلها ، ولا أي ذكري تستطيع أن تربطه بها أوتشل تقدمه ! ليس لأنه قوي ، لا ، بل لأنه فعلا مشغول ! ولايملك وقتا لأنه مشغول بأحلامه الكثيرة وطموحاته الأكثر ، ويريد أن يصل إليها ، بمعنى أنه يعيش لمستقبله
... وبين مقولة (محمد شكري) ، على المرء أن يبقى عقله مشغولاً للحد الذي يلهيه عن تعاسته ، ومقولة (غازي القصيبي) ، العمل لايقتل مهما كان شاقا ، ولكن الفراغ العقلي يقتل أنبل مافي الإنسان ، هناك أدلة في حياتنا واضحة وبيّنة على أن الفراغ العقلي يجر الإنسان نحو التعاسة والبؤس أغلب الأوقات ، والحقيقة هي أن (الفراغ العقلي) يضخم غالبية الشعور ، ويضخم العاطفة ، ويضخم التعب ، ويضخم الألم ، وأكاد أثق أن العقل الغارق بانشغالاته يكون متزنًا بانفعالاته تجاه الحياة ، لأنه ببساطة لا يملك الوقت لينجرف تجاه شعور أحمق ، فالفراغ العقلي هو العدو الحقيقي للإنسان
... من أرقى كلمات (مالك بن نبي) عن العقل ، في زوايا العقل تتراقص الأفكار ، هناك حيث يمتد الأفق المعرفي ، وبهذه الكلمات نسج (مالك بن نبي) بخيوط الإدراك نبراسًا لنهضة الوعي ، فحكمته ليست إلا شعاعًا يلتقط خيوط الفجر لعصرٍ أبعد من مداه ، ففي كلماته يستشرف المستقبل ، ويقف الفكر مُتحيرًا في تأمل مآلاته
... ويقول (فريدريك نيتشه) عن العقل (العقل الحر) هو الذي لم يتعوّد على تبعيّة أحد ، ويحدِث ضجيجاً في أيّ مكانٍ يتواجد فيه
... ويؤكد (سيجموند فرويد) على أن وجود الرأس في الجسد حقيقة ثابتة ، لكن وجود العقل داخل الرأس تلك مسألة فيها نقاش ، (لأنها تخضع للفروق الفردية)
... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق