دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بماسبق فقد متعنا الكاتب والفيلسوف المؤرخ (إسماعيل مظهر) في كتابه (فلسفة اللذة والألم) ، وفيه وصف الفلسفة (الأبيقورية) وارتباطها بالخير والشر والأخلاق ومبدأ المنفعة وٱراء أرسطوطاليس وأخيه أرسطيس الفلسفية
... وفي الأخير نجد أن هذه الفلسفة تعادل في الغالب مذهب (السعادة والمتعة) في عالم اليوم ، إلا أنه كانت تعاليم (أبيقور) عن (المتعة أو اللذة) ليست سوى جزء صغير جداً من مذهب (أبيقور الأخلاقي)
... فقد كانت فلسفة (أبيقور) نظاماً كاملاً ومترابطاً ، يتضمن رؤية هدف الحياة البشرية وهو (السعادة الناتجة عن غياب الألم الجسدي والإضطراب العقلي) ، كما تتضمن فلسفته (نظرية تجريبية) للمعرفة (الأحاسيس ، جنباً إلى جنب مع أن إدراك اللذة والألم كمعياران ، معصومان من الخطأ) أو مايطلق عليه معايير المعرفة عند (أبيقور)
... ثلاث كتب فلسفية إشتملت من الفكر الفلسفي مايكفي لفهم فلسفة (السعادة والمتعة واللذة والألم والأمل) :
.. الأول ، رواية (زوربا) للكاتب اليوناني (نيكوس كزنتزاكيس)
.. والثاني ، كتاب (فلسفة الرفض) للكاتب (جاستون بشلار)
.. والثالث ، كتاب (لماذا أخشى أن أقول لك من أنا) للأب (جان پاول اليسوعي)
... ومن المعلوم والمؤكد أن لكل إنسان حماقاته ، ولكن الحماقة الكبرى في رأيي هي ألا يكون للإنسان حماقات
... تلك المقولة تلخص لنا وبشكل مبسط ماوراء رواية (زوربا) للكاتب اليوناني (نيكوس كزنتزاكيس) ، والتي تناقش بشكل جرئ جدا (فلسفة الحياة) ، وتطرح العديد من المواضيع ، حيث تحكي عن إرتباط (اللذة والمتعة بالألم) ، كما تناقش فكرة (الموت والحياة) ، وتتعمق داخل العقل الإنساني لتتطرق لموضوع الألوهية واللاهوت
... وتوضح رواية (زوربا) (التناقض) الواضح والشديد بين (الشخصية المثقفة) القارئة والتي تعيش عالمها بين الكتب وتتمثل في شخصية (المعلم أو الرئيس) كما كان يلقبه (زوربا) وبين (زوربا نفسه الأميّ) غير العابئ بالقيود ويتبنى فكرة (التحرر) من كل الأيدولوجيات ، ولايعترف إلا بالحياة ومتعتها وينظر للمرأة نظرة دونية ، لكنه بنفس الوقت لايستطيع التخلي عن وجود إمرأة في حياته ، تستمر أحداث الرواية بين تلك الشخصيتين (المثقفة والأمية)
... تتميز الرواية بنظرتها العميقة لـ (الحياة) وماوراءها و (الموت) ومايجلبه ، وتناقش (الصفات الإنسانية) بكل وضوح وتدعو إلى إعمال العقل دون قيد أو شرط
... ويتميز كتاب (فلسفة الرفض) للكاتب (جاستون بشلار) بالمبحث الفلسفي في (العقل العلمي الجديد) ، بمعنى أننا إذا إستطعنا أن نترجم فلسفياً الحركة المزدوجة التي تحرك الفكر العلمي حالياً ، لأدركنا أن تعاقب (القبلي والبعدي) هو تعاقب إلزامي ، وأن التجريبية والعقلانية مترابطان في الفكر العلمي برباط عجيب ، ومماثل في قوته للرباط الذي يوحد (اللذة والألم) ، وبالتالي ينتصر أحدهما ، وهو يبرر حق الآخر وعقله ، والعقلانية بحاجة إلى التطبيق ، وأن التجريبية بدون قوانين واضحة ، وبدون قوانين متناسقة ، وبدون قوانين إستنتاجية ، ولايمكنُ إفتكارها ولا تدريها ، وأن العقلانية بدون أدلة حسية وبدون إنطباق على الواقع المباشر ، لايمكنها أن تقنعنا إقناعاً تاماً ، فقيمة أي قانون تجريبي يبرهن عليها بجعلها قاعدة لـ (المعاقلة/ الحكم العقلي) ، وتضفي الشرعية على معاقلة مايجعلها قاعدة للإختبار ، إذن يحتاج العلم بوصفه مجموعة براهين واختبارات ، ومجموعة قواعد وقوانين ، ومجموعة بيانات ووقائع ، يحتاج إلى فلسفة مزدوجة القطب ، إنه يحتاج بشكل أدق إلى إناء جدلي ، لأن كل مفهوم يضاء بطريقة تكاملية من زاويتين فلسفيتين مختلفتين
... وهناك في هذا الكتاب رأى فلسفى عن العقل ، فالمؤلف يعرف (العقل) أنه عبارة عن نتاج تجارب وتفاعلات حواسية وغرائزية مع مواضيع البيئه تخزن فى الدماغ فى شكل أفكار موجهة حيث تقوم بتوجيه الكائن الحى حسب مبدأ (اللذة والألم الفيزوكيميائي) وعملا بقانون (بنفسى أدعم نفسي) ، وقانون (الحياة والوجود) نحو الأصوب ! ، إذ نحن موجهون من الداخل ولاخيار لنا فيما نختار !
... وفي كتاب (لماذا أخشى أن أقول لك من أنا) للمؤلف الأب (جان پاول اليسوعي) يقول المؤلف مُعتنق فلسفة (اللذة) ، أن من سمات من يعيش عاطفياً ك (طفل) أنه يجب أن يحصل على مايريد في الحال ، هو لن ينتظر طويلا قبل أن يطلق العنان لنزواته الطبيعية ، ولا قدرة له علي تأجيل ذلك ولو لبرهة يعي فيها أبعاد تصرفاته ، وعدم القدرة على التأجيل يؤدي بالشخص إلى البحث عما يروق له هو (في كل شي) ولو على حساب الآخرين ، ويرى أن العيش في سبيل (اللذة) من العادات التي تُكتسب غالبا في سبيل التعويض عن صعوبات في بعض نواحي الحياة ودائما لسان حاله يقول ، (لقد تجاهلني الآخرون ولم يفهموني ، فأروح مثلا أفرط في المأكل أو أمارس العادة السرية) ، (هذا المنطق لايأتي نتيجة تفكير واع) ، إنها قاعدة (تكاد تكون عامة) وهي أن الأنانية في الإنسان توازي مقدار الألم عنده ، إنها مسألة إهتمام ، ولايمكن للإنسان أن يعير إهتماما كبيرا لذاته وللآخرين في الوقت نفسه ، و (الألم) يخرب نفسية الإنسان ويحقره ، لكونه يوجه إهتمامنا نحو أنفسنا ونحو مصادر الألم عندنا ، إن الذين يأتيهم الألم من أسنانهم أو حاشيتهم ، يميلون كلهم نحو الأنانية ، والإهتمام بالذات ، الذي يتحول أحيانا إلى وسواس المرض (المبالغة في الإهتمام بالصحة) أو وسواس الشك (الشعور بأن الآخر يريد أن يلحق بي أذى)
... ولايمكن للإنسان أن يجعل من نفسه محوراً للوجود ، وفي الوقت نفسه يتعجب من عدم قبول الآخرين له
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق