**اِرْحَلْ...لَنْ أَرْحَلْ**
اِرْحَلْ...
قُلْهَا كَمَا تَشَاءُ...
كَمَا تَشْتَهِي الْغَزَوَاتِ الْخَائِبَهْ...
كَصَدَى الرِّيحِ
فِي قُبُورِ الضَّمَائِرِ الْغَائِبَهْ...
اِرْحَلْ...
فَلَنْ تُزَحْزِحَ زَيْتُونَهْ...
وَلَنْ تَكْسِرَ ظِلَّ يَاسَمِينَةٍ شَارِدَهْ!
أَنَا هُنَا...
أَنَا الطِّينُ والزَّرْعُ...
وَالْمَاءُ والذِّكْرَى الْمَوْلُودَهْ
مِنْ صَمْتِ الْجُرْحِ...
أَنَا الْوَتَرُ الْحَزِِينُ الَّذِي
يَصِيحُ عَلَى أَعْتَابِ الرِّيحِ...
لَنْ أَرْحَلْ!
مَهْمَا نَصَبْتَ
مِنْ شَوْكٍ فِي دُرُوبِي...
ومَهْمَا طَرَدْتَ
دَمِي مِنْ أَوْرِدَتِي...
ومَهْمَا مَرَّغْتَ
طُفُولَتِي فَوْقَ الأَرْصِفَهْ...
لَنْ أَرْحَلْ!
أَحْمِلُ بَيْتِي فِي قَلْبِي...
ومَفَاتِيحِي عَلَى جِدَارِ حُلْمِي...
في كُلِّ قُبْلَةٍ للتُّرَابِ...
أَعُودُ..
فِي كُلِّ دَمْعَةٍ للأُمَّهَاتِ...
أَعُودُ.. أنا الْعَائِدُ...
وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ رَصَاصَهْ...
وَلَوْ عَبْرَ نَارِ الْمَنَافِي...
سَأَعُودُ..!
اِرْحَلْ أَنْتَ
عَنْ كِذْبَاتِكَ الكُبْرَى...
عَنْ قَسْوَاتِكَ السَّعْرَى...
عَنْ خَيْبَاتِكَ الْحَرَّى...
بَيْنَ جُدْرَانِ الْخَوْفِ والظُّلْمِ...
اِرْحَلْ... أَمَّا أَنَا...
فَسَأَبْقَى هُنَا...
أُنْبِتُ قَمَرًا
فَوْقَ رَمَادِ القُرَى...
وأَزْرَعُ الشُّهَدَاءَ
شَقَائِقَ نُعْمَانٍ...
وأُغَنِّي... لَنْ أَرْحَلْ!
اِرْحَلْ...
خُذْ ظِلَّكَ المَشْرُوخَ وَارْحَلْ...
دَعِ الغُبَارَ يَحْتَضِرُ على نَعْلَيْكَ...
وامْضِ حَيْثُ لا ذَاكِرَةَ للحِجَارَةِ
ولا أَسْمَاءَ للنَّدَى...
اِرْحَلْ...
فَالتُّرَابُ الَّذِي يَشْرَبُ وَجْهِي...
لا يَعْرِفُ أَنْ يَنْكَسِرَ
لِخُطُوَاتِ الغَرِيبِ...
أَنَا...
طِفْلُ الرِّيحِ إِذَا ضَاقَتْ...
وزَهْرُ النَّارِ إِذَا أَزْهَرَ...
فِي مَوَاسِمِ الحِصَارْ...
أَنَا اللَّحْنُ الْغَافِي
فِي قَصِيدَةِ نَبْعٍ
مُعَمَّدٍ بِالدَّمِ...
اِقْتَلِعْ الجُذُورَ
إنِ اسْتَطَعْتَ...
فَالعُرُوقُ تَحْتَرِفُ الرَّقْصَ
في قَاعِ الدَّمَارْ...
واحْرِقِ الدُّرُوبَ
فَالخُطَى تَحْفَظُ أَسْمَاءَهَا
فَوْقَ رَمَادِ المَسَافَاتِ...
لَنْ أَرْحَلْ...
لِأَنَّ الزُّرْقَةَ لا تُفَارِقُ السَّمَاءَ...
ولِأَنَّ الزَّيْتُونَ لا يُهَاجِرُ أَنِينَهُ...
اِرْحَلْ...
قَبِّلْ سَرَابَكَ وَارْحَلْ...
اُرْقُصْ على أَوْهَامِكَ وَارْحَلْ...
اِتَّكِئْ على جِدَارِ الرِّيحِ وَارْحَلْ...
أَمَّا أَنَا...
فَقَمْحٌ يُعَانِدُ المَنَاجِلْ...
وَنَجْمَةٌ تُعَانِدُ الْأُفُولْ...
في عِزِّ العَتْمَةِ... وَصَوْتٌ
يَشُقُّ الحُلْكَةَ ويَهْتِفُ
لَنْ أَرْحَلْ..!
أَنَا الدَّمْعُ الْأَخْضَرُ
فَوْقَ وَجْنَتَيِّ التُّرَابِ...
وَنَبْضِي مِحْرَابٌ
يُؤُمُّهُ الفَجْرُ كُلَّ مَسَاءٍ...
لَنْ أَنْحَنِيَ...
لَنْ أُسَاوِمَ صَمْتِي...
وَلَنْ أُقَايِضَ ظِلِّي...
أَنَا الْأَرْضُ حِينَ تَنْزِفُ...
أنا القَصِيدَةُ حِينَ تَعْتَصِمُ...
أنا الْمَوْلُودُ مِنْ صَرْخَةِ البَرْقِ...
وسَأَبْقَى... وَاقِفًا...
على قَدَمِ القَصِيدَهْ..
اِرْحَلْ...
فَإِنَّ الشَّجَرَ يَحْفَظُ مَلامِحِي...
والمَوْجَ يَتَهَجَّى اسْمِي...
وكُلَّ حَجَرٍ يَعْرِفُ أَنَّنِي
السِّرُّ الَّذِي لَا يُنْفَى...
والقِصَّةُ الَّتِي لَا تَمُوتْ...
**الطَّيْبِي صَابِر (المغرب) **