الاثنين، 9 يونيو 2025

مجاهدة النفس أرفع منازل الجهاد بقلم عزام عبدالحميد أبوزيد فرحات

 مجاهدة النفس أرفع منازل الجهاد 

ما أعظم أن يُجاهد الإنسان نفسه حتى يحملها على مُراد الله ورسوله ، إذا جلس يُفكر كان تفكيره من أجل مرضات الله ورسوله، وإذا تكلم أو فعل شيئاً كان من أجل مرضات الله ورسوله ، مجاهدة النفس من أجل الوصول إلى عظائم الأمور هو الطريق الوحيد لنيل ثوابها ، لن يكون المجاهد في ساحات قتال الأعداء مجاهداً له الجنة ونعيمها إلا إذا جاهد النفس بأن عمله خالصاً لوجه الله ، لن يكون المُتصدق مُتصدقاً له الثواب العظيم إلا إذا تجرد من الرياء والتفاخر وحُب الذكر بعمله وكانت الصدقة من أجل مرضات الله ، وهكذا في كل الأقوال والأعمال .

مجاهدة النفس هي الطريق المستقيم لنيل ما عند الله ، 

روى الإمام البيهقي في كتاب الزهد الكبير من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قَدِمَ على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قوم غُزاة فقال عليه السلام : ( قدمتم خير مَقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) قِيل وما الجهاد الأكبر؟. قال : ( مجاهدة العبد هواه) ثم قال البيهقي : هذا إسناد فيه ضعف .

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن جابر بلفظ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة، "فقال عليه الصلاة والسلام: قدمتم من خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال:( مجاهدة العبد هواه ).

وروى النسائي في كتاب الكنى فقال: أخبرني حدثنا أبو مسعود محمد بن زياد المقدسي سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يقول لأناس جاءوا من الغزو : ( قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟. قالوا: يا أبا إسماعيل وما الجهاد الأكبر؟. قال:( جهاد القلب ).

قلت : ضعف جمهور أهل العلم حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما المرفوع ، وقد ضعفه البيهقي ذاته عقب روايته ، لكنهم صححوا رواية النسائي بكونه من كلام إبراهيم بن أبي عبلة ، ونقلوا قول الحافظ ابن حجر في (تسديد القوس في تخريج مسند الفردوس): هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن عيلة. 

والحق والعدل أن الحديث وإن كان ضعيف السند فهو صحيح المعني ، فقد روى الإمام أحمد في المسند ، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم من حديث فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ ).

فقد بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن المجاهد هو من جاهد نفسه ، وجهاد النفس يشمل جهاد القلب بمنعه عن إضمار الشرور لعباد الله ، وعقد النوايا الطيبة في كل أمور الحياة ، ومن جهاد النفس جهاد هوي النفس حيث إن النفس تميل للراحة والخمول والتحلل من قيود الأوامر والنواهي الربانية ، فعلينا أن نوطن النفس على هوي القرآن والسنة بالتمسك بالأوامر الربانية، ومن مُجاهدة النفس مجاهدة الشيطان الملازم الإنسان ، فالشيطان يريد أن يكون له رفقاء كُثر في النار فهو يأتي للإنسان من كل اتجاه ليُضله عن طريق الله المستقيم .

قد ظن بعض العلماء أن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يَحُث على ترك الجهاد في سبيل الله والإنشغال في مجاهدة النفس والهوى والشيطان ، ولكن رد عليهم فريق آخر من العلماء بأن مجاهدة النفس والهوى والشيطان فرض عين على كل إنسان ، أما مجاهدة الأعداء في ساحات القتال قد يكون في بعض الأحيان فرض عين وفي بعض الأحيان فرض كفاية ، وأن المسلم لن يرتقي لمرحلة أن يكون من المجاهدين للأعداء في ساحات القتال إلا إذا كان من المجاهدين أولاً للقلب والهوى والشيطان ، وبهذا يكون قد زال التخوف الذي ذهب إليه الفريق الأول .

اللهم ارزقنا ما أحييتنا جهاد النفس ، ووفقنا لأعظم النوايا الحسنة والأقوال والأعمال التي ترضي بها عنا فى الدنيا والآخرة .

بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بيني وبينك عهد وميثاق بقلم فلاح مرعي

بيني وبينك عهد وميثاق عهد تعاهد عليه العشاق   والشاهدان على عهد الوفاء  غزلانية عينيك وسهم   أصاب بين الضلوع  قلب بالحب خفاق  ومبسم جوري مبس...