الأحد، 5 أكتوبر 2025

العصافير الأربعة بقلم نور شاكر

العصافير الأربعة
قصة قصيرة 

بقلم: نور شاكر 

في مساءٍ لم يشبه غيره، وبين لحظةٍ وأخرى، وجدتُ نفسي أسير في الطريق المؤدي إلى مدرستي القديمة. ذاك الممرّ الطويل الذي خفَتَ فيه ضجيج الطفولة، لكنه ظلّ وفيًا لخطاي الأولى، يختزن آثار أقدامي الصغيرة كأن التراب ذاته اشتاق لي

كان الصمت سائدًا، صمت يشبه قلوبًا تنادي من أعماقها ولا يُجاب نداؤها
تابعتُ طريقي نحو زوايا طالما مررتُ بها، أماكن لم تمت لكنها نُسيت، كأمنياتٍ خبأها الزمن في صناديق من غبار، وانتظر من يفتحها من جديد زوايا كُنتُ أظن أنني تجاوزتها، فإذا بها تناديني بلسان الحنين
دخلتُ حديقة داخلية مهجورة... لا ضوء فيها سوى ما حملته روحي. أشجارها واقفة كالعجائز، والصمت فيها لا يشبه السكون بل يشبه توقّف الزمن.

وهناك... في زاويةٍ لا تصلها العين إلا إذا أرشدها القلب، رأيتهم: أربع عصافير.
لم تكن كالعصافير التي عرفتها من قبل. كانت خفيفة كالحلم، غريبة كالرؤى، بأجنحة تتلوى كأنها قصائد غير مكتملة، وأعين صغيرة تحدّق بي كما لو أنها تعرفني
مددتُ يدي بتردد، فلم تتأخر... جاءت كلها دفعة واحدة، كأنها كانت تنتظرني منذ زمن بعيد تشبثت بأصابعي، بأكمام ذاكرتي، بضلوعي، كأنها عرفت أنني كنت أفتش عنها في الداخل رغم أنني أنكر ذلك دائمًا
وحين هممتُ بإفلاتها، عضّت إحداها يدي، بخفةٍ لا تؤلم، بل تعاتب
 نظرتُ في عينيها الصغيرة، فرأيت فيها كلماتٍ لم تُقال:
لا تتركينا مرة أخرى...
نحن أمنياتك التي نَسيتِها،
مشاعرك التي دفنتِها،
حكاياتك التي لم تُكمل.

تجمدتُ في مكاني، وحول قلبي حفيف أجنحة، وصوتٌ خافت يشبه تنهيدة الأرض حين يمرّ فوقها غائب
أدركتُ حينها أن بعض الذكريات لا ترقد خلفنا كما نظن...
بل تعيش داخلنا، تنتظر لحظة الضعف أو الشوق، لتُحلّق بأجنحتها الغريبة من جديد،
وتطرق باب القلب دون استئذان، حين نحاول أن نكمل الطريق دونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...