وأنا أفتح عينيّ أمام المرآة ، رأيت صورتي القديمة من جديد .. سألت نفسي : لماذا لم تتغير هذه الصورة .. لقد قضيت سنين طويلة بعدها .. هل لي أن أقول اليوم إنها زهرة لا يانعة يافعة ولا تزال متفتحة ؟ أم أني سأجعل قلبي يتوقف عن النبض وأنا أبحث عني في مرآة وسط صمت رهيب ؟ وإذا كان ذلك حقيقة ، فكيف لي إذن أن أكتب لشخصي كلمة "نهاية" وأغلق هذا الكتاب ..
أجابتني صورتي في هدوء : أي حب تهديني إياه قبل شروق الشمس أيها الضيف الكريم ؟
أي باقة ضوء أمسكها من جوف عينيك لأتغنى بها أمامك؟ فأنا ما زلت أحمل حبا يجرفني في .. رقصة لا يدندن بها إلا جسدك
حب لا تتعرف عليه إلا صرخا ..إنه شبابك .. إني أرى ورودا أخرى متناثرة هنا وهناك في أسفل صفحاتك .
فقلت لها : أيتها الجميلة صورتي .. دندني بجمالكِ لتتنعم الأرصفة بي .. تحت كعبيكِ .. لتمنحي حياة أخرى لقلبي الغارق في ابتسامتكِ .. ناديني بعشق لأستريح استراحة نجمة تُناديني بآهات حبك .. إني أبحث عنك أحيانا في سجلات صمتك فلا أجدكِ .. فأنت صورة اليوم وليس ثمة غيرك .. ولكني سأواصل التعبير عنك بكلمات ألحان تغمرني في شفق باهت فيه موقفك .. ومع ذلك ، سأتواصل معك ..
فردت : لا شك أن هناك حقيقة ما ما في حياتك قد صقلها الزمن .. لا أريد الآن أن أحيط نفسي بما تختاره أنت فقط .. ليس لأني أرفضك أو أرفض الآخرين ، بل إخلاصًا مني لنفسك ولهم ..
وجاء جوابي لها شفاء لذاتي وأنا أصارع الحياة في مسارها الأخير : الحياة تعني لي أننا نتعلم التمييز بين الموجودات التي تُهدئنا لنعيش معها في سلام وذلك ما يثير غضبي .. ويعني هذا أن جوهر الأشياء لم يكن يومًا في الأعداد وفي الكم ، بل في صمت الروابط الأخوية التي تُبقينا أحياء في الكيف .. فأنا أحب كل هذه الكائنات النادرة التي أُسميها أحبائي .. أولئك الذين تحمل أصواتهم عبير الحقيقة في خضم الفوضى .. الذين يُنسونني في حشود آخرين من الناس ، من ضجيج العالم ، الذين يتعبون وجودي البسيط .
ليس لدي ما أُثبته أو أُدافع عنه .. فأنا أستطيع الصمت دون خوف من رحيلهم .. أستطيع أن أضحك دون مبرر وأبقى كما أنا .. فقد تعلمت أنني لست بحاجة إلى الكثير من الناس لأشعر بالحياة .. أحتاج فقط إلى هذه الوجوه التي اخترتها ، هذه الأرواح المُنسجمة معي . إنهم أنفاسي ونور أيامي حين يختنق كل شيء ويتلاشى .
وقد أعتزل يوما ما ، ليس بدافع اللامبالاة ، بل لأعود اليهم بعد
أن أُطهّر قلبي من كل ما يُثقلني ..
إن كل لحظة أقضيها معهم ليست عادية وإنما هي هبة من الله .
وبالمناسبة أود أن أقول ببساطة لهؤلاء الذين أحبهم بعمق : إذا سرتُ بجانبكم ، فإن ذلك باختياري لشخصكم الكريم .. وإذا فتحتُ لكم بيتي ، فذلك بدافع الحب والفرح بكم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق