بقلم: ماهر اللطيف 🇹🇳
زعم كبار الخنازير هذا الصباح أنّ فرقةً من الغنم هاجمت بعض الخناصيص وفتكت بخنصوصٍ دون وجه حق، مما استوجب ـ بحسب زعيمهم ـ مهاجمة القطيع بأكمله، دون رحمة أو رأفة، للقصاص من هذا "الغدر غير المبرّر"، كما قال.
ورغم معارضة بقية الحيوانات لهذه الخطوة المفاجئة، التي قد تُدخل الغابة في موجة من الاضطرابات والفوضى قد يستغلها الأعداء ـ وخاصة البشر ـ فيصطادون فرائسهم بكل يُسر، ورغم اجتماع "الذئب" (الذي تولّى قيادة الغابة في غياب الأسود والنمور وسائر الحيوانات المفترسة التي هاجرت إلى غاباتٍ أخرى وراء النهر المحاذي لهذه المنطقة) بالزعيم المذكور ومحاولة ثنيه عن مسعاه الانتقامي من الأغنام، فقد تشبّث هذا "العنيد" بقراره، وأعطى أوامره لـ"جنوده" ببدء الهجوم فورًا.
ارتبك القطيع، خاف، ارتعد، وتجمّع في مكانٍ واحد.
انتشرت الفوضى بينهم، عطشوا، جاعوا، مرضوا وتعبوا. طلبوا حماية الكلاب السائبة من أيّ هجومٍ محتمل، خاصةً بعد تبرّؤ كلّ فردٍ منهم من تلك التهمة التي زعمتها الخنازير.
أنكروا القصة جملةً وتفصيلاً، واعتبروها مؤامرة مفتعلة، هدفها تنفيذ المخططات الشيطانية لاقتلاع جنس الأغنام من هذه الرقعة الجغرافية.
لكن الثعلب هرع إلى الذئب في مجلسه الذي يتوسّط الغابة، بعدما علم بقرب موعد هجوم الخنازير، وعرض عليه خطةً جهنمية ظاهرها الحرص على وحدة الغابة وفرض السلم على الجميع قدر الإمكان، وباطنها مراقبة ما يحدث عن قرب والاستعداد للنيل من كلّ ضحية تقع، مهما كان جنسها ونوعها، دون أن يبذل جهدًا كالعادة.
انتقل الذئب إلى موقع الغنم، واجتمع بـ"الكبش القائد" بعد أن تفقد المكان ومن فيه، ثم قال:
نحن نرفض أيّ اعتداءٍ على أيّ حيوانٍ من الحيوانات المحليّة ما دمنا نسهر على راحتكم واستمراركم.
(الكبش فرحًا) عاش الملك، نفتديك بالروح والدم.
(وقد تملّكه الغرور) مع أننا نشجب ما قمتم به من جرمٍ غير مبرر... (يمنع الكبش من مقاطعته) للخنازير الحقّ في الدفاع عن النفس، لكننا لا نسمح أن يكون الردّ عنيفًا أو قاسيًا.
(خائفًا) إنها قصةٌ مفتعلة، أيها الملك، لسنا من قام بذلك، ونحن نشكّك في صحّة الحكاية.
غضب "الملك"، زمجر، وتنحّى عن مكانه مغادرًا وهو يحذّره من مغبّة ما أقدموا عليه من "جُرم"، ومجدّدًا عزمه على منع أيّ ردٍّ همجيّ قد يؤدّي إلى اندثار جنس الخرفان.
لم يعجب هذا الموقف الكبش، فنادى الجميع، خاصة الكلاب، وأعلمهم أنّ الأمر لا يدعو إلى الاطمئنان. دعاهم إلى التجمّع في مكانٍ واحد وتوخّي الحيطة، وأعلن حالة استنفار كبرى، وانتشر كلّ واحدٍ في موقعه في انتظار اعتداءٍ سافرٍ محتمل في أيّ لحظة.
وأعلمهم الكبش أنّ الخنازير لا يُؤتمن جانبها، ولا يُوثق بمواثيقها واتفاقاتها مهما كانت. واستحضر ذاكرته التي سردت عليه ماضي هذه الغابة وهجومات العدو على الأغنام باستمرار، رغم تعهّدهم بالسلم أمام أسد الغابة حين كان فيها أسد.
فقد نكثوا وعودهم مرارًا وتكرارًا، وكادوا أن يُفنوا جنسهم في كلّ هجومٍ على مرّ عقودٍ طويلة.
وما زال الكبش يخطب ويحذّر ويحمّس ويشحذ الهمم، حتى شوهد فجأةً قفز الخنازير من كلّ حدبٍ وصوب على القطيع قبل الغروب بقليل.
وقد أقفر المكان من بقية الحيوانات الأخرى التي كانت تقتات فيه كالأبقار والخيول والحمير.
نشبت معارك ضارية بين الخنازير والكلاب، وانتهت بانتشار الجثث هنا وهناك من كل الأطراف. احمرّت الأرض بدماء الحيوانات، وتشتّتت الأبدان والأشلاء، مما سهّل مهمة الذئب والثعلب لاحقًا، وجعلهما يقيمان حفلاً راقصًا على أنقاض هذه الحرب وجثث هؤلاء "المغفّلين"، كما وصفاهُم.
كانت وليمةً لم يحلما بها، لم تُكلّفهما شيئًا، ولا قطرةَ عرقٍ واحدة.
وجبةَ عشاءٍ تاريخية، قدّمها المتصارعون إلى "أسيادهم" طوعًا...
وإن كان الثمنَ حياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق