الأديبة والمفكرة الدكتورة جعدوني حكيمة نينارايسكيلا.
مقتطف من الفصل السادس، من رواية نبي الظلام.
خلق الإله الجآن؛ من مآرج النار وتحديدا من نار السموم، بينما اختصّ إبليس بالتخليق المنفرد، حيث كان من النار كليا، وليس من مآرجها ولا من سمومها؛ أي من أصلها، ثم أسكن تلك النار، التي أكلت بعضها البعض في جسد؛ جدا بارد مثل أجساد الجنّ، فتميز عن باقي أقرانه بالقوة العظيمة، فكان يبدو مخلوقا وسيما، قوي البنية، خارق الذكاء وخاطف الحركة، يتّصف بالتكبّر والتبجّح والأنانية.
افتخر على بني جلدته في القبيلة بالقدرة والاِستطاعة، وبشكل دائم تمكّن إبليس من إحراز التغلّب عليهم، خلال المناورات وكل فنون المكر، التي تدور بين الصبية والشباب، دون أن يعلموا أنه مختلف عنهم أساسا في التخليق. تَضَلُّعه وتفوقه عليهم أثار اِستيائهم منه وعزّز سعادته الشخصيّة، مما زاده تكبّرا وبهجة وكل ذلك ولا يزال من ناحية الهيئة مخلوقا ليس عاديا، يختلف عن البقية من جانب القوة.
ذاع صيت براعته في الأنحاء، وتعاظم غروره، للحدّ الذي دفعه إلى أن اِتخذ لنفسه بوق من قرن حيوان ميّت، يستخدمه للنفخ أثناء النزال مع خصومه، لإعطاء إشارة البداية أو النهاية.
توالت شهور نجاحاته المتكرّرة، إلى أن اِنحدرت الفجأة من يوم أصيب فيه بوعكة صحية حادة، وبدأت تظهر عليه علامات غريبة، لم تحدث مع أي مخلوق قبله، حكّة شديدة؛ أرجعت من تلك البقعة أسفل ظهره فاقعة الإحمرار، يصاحبها وغز عنيف، كأن المرض؛ طفح جلدي حادّ من نوعه، أدّت درجة حساسيته، إلى شعور المخلوق بالضيق ومتلازمة الإختناق، وبعد مرور بضعة أيام؛ أخد نتوء دخيل على طبيعة الجسد، بالحفر وإختراق طبقات جسمه وجلده على نحو لاذع، ثم لاح للعيان ومن أسفل ظهره، جسم رقيق متحجّر؛ بالخروج والتدلّي، موازيًا للأقدام ويتجاوزها بالطول، هذه مرحلة بروز الذيل، الذي لم يكن من قبل يظهر بين جنس أقوام الجآن، إلا أن إبليس يعتبر الوحيد الذي اختصّه به الإله، فكان نموه موجعًا للغاية وقد سبّب لصاحبه؛ إنهيارا وغضبًا عارمًا.
أما على الرأس؛ فكان هيجان التحوّل واضح، إذ نمت له قرون غريبة، الشيء الذي اضطره، لتوديع غروره المغذي في الماضي ومؤازرته الخجل، باللجوء إلى الجبال؛ كموطن أنقذه من اِستفسار قومه.
من الجلّي أن الشيطان تعرّض لظاهرة مسخ النفس أولا؛ لما كان في الحفرة قبل مسخ الجسد بين قومه؛ فلا يزال القدر مصمّما على تغيير مظهره بالكامل، وهذه المرّة؛ حان دور الشعر الذي اكتسح كل جسمه، وطغى طوله في الاِستمرار؛ حتى أصبح كالحبال.
في حين أن حجمه تضخَّم وتزايد، حتى ظنّ أنه سيتفجّر، بل صار يستطيع تقليد ما يشاء؛ من الأحجام العظيمة، كما يتمكّن من الانقباض والتقزّم حتى يكون مجرد انشات.
تغيرت بنيته الجسدية كليا، والغريب أن طبيعته امتزجت بين ذكر وأنثى، يمتلك جهاز تناسلي ذكري وآخر أنثوي ومنه فقد أضحى الشيطان خنثى.
توسّعت رغبته في الأكل ولأنه كان سيبتلع كل ما في الأرض من طعام؛ غُلّت يده في عنقه بإحكام كالأغلال، حتى تحُدّ من تلك الرغبة الجامحة في الأكل.
ولم ينتهي الأمر هنا؛ بل انضاف على ذلك نشاط شهوته للجنس، فقام بتثبيت يده الثانية على أعضاءه التناسلية، ليسهل عليه عملية المضاجعة مع نفسه، حتى صارت ملتصقة، والنتيجة كانت بيوضٌ بالآلاف تحمل ذريّته.
كان الشيطان يضع بيوضا كثيرة كل الوقت، وكانت تعلق بشعره وتقتات على جلده، حتى تفقس شياطين خنثى بدورها، وتنتشر في الأرض .
كل مولود يولد من الإنس؛ يقوم الشيطان بأخذ شعرة من جسده، ويعقدها على ناصية ذلك الرضيع، ثم يعقد معه أحد ذريّته، وتبقى الشعرة ملتصقة بجسد الشيطان الوالد والسبب هو؛ أن يوفّر لذريّته الطعام والشراب والمأوى وممارسة الجنس وكل الرفاهية، إلا شخص واحد؛ لم يتمكّن من ربطه وعقد شعره عليه وهو؛ ابن الصدّيقة مريم الطاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق