بقلم/نشأت البسيوني
ليس أصعب على الروح من أن تدفع إلى معركة لم تخترها وأن تجد نفسك فجأة في قلب معركة لا سيف معك فيها ولا درع بينما يملك الظالم كل شيء القوة واللسان والوجوه التي تصفق له رغم أنهم يعرفون في أعماقهم أنه يظلم المظلوم لا يبدأ الحرب لكنه يتحمل نهايتها المظلوم لا يرفع صوته لكنه يسمع داخله ضجيجا يصم الذاكرة المظلوم يحاول أن يعيش لكن الحياة ليست سهلة حين
تتحول خطواتك إلى شهادة على ما لم ترتكب كثيرون يظنون أن الظلم كلمة أو موقف أو خلاف عابر بين طرفين لكن من ذاقه يعلم أن الظلم ليس حدثا بل فصل طويل من العمر فصل لا تكتب نهايته إلا حين يضع الله النقطة الأخيرة ويقول للقدر اكملوا من حيث انكسر الظلم لا يحدث فجأة لكنه يتحوّل فجأة قد يبدأ بنظرة بكلمة بسوء فهم بسيط ثم يتسع حتى يبتلع حياة كاملة يبدأ من باب
صغير فتحه قلب طيب ثم يدخل منه من لا يستحق يبدأ حين يمنح الإنسان ثقته لمن لا يعرف قيمة القلوب ويوم يتعرض الإنسان للظلم يشعر بأن الدنيا كلها ضاقت لا لشيء إلا لأن الألم الذي يسكن في داخله لا يشبه أي ألم آخر إنه ألم بلا جرح ظاهر بلا دم بلا كسر لكنه أعنف من ألف ضربة الظلم يا صديقي هو أن تقف أمام نفسك عاجزا عن الدفاع عنها أن تنظر في المرآة فتجد ملامحك تغيرت
دون أن تعرف كيف أن تخاف من الذكريات لا لأنها سيئة بل لأنها شاهدة على أنك كنت نقيا أكثر مما يجب المظلوم لا يحتاج إلى الناس المظلوم يحتاج أن يستعيد نفسه فالمظلوم حين يكتم صرخته لا يفعل ذلك لأنه ضعيف بل لأن الألم حين يكون كبيرا يصبح الكلام صغيرا أمامه والبكاء الذي لا يراه أحد ليس ضعفا إنه اللغة التي يتحدث بها القلب حين يفقد كل لغاته الناس تستمع إلى
الروايات لكن لا أحد يستمع إلى الصمت والصمت هو المكان الوحيد الذي يسقط فيه المظلوم دون أن يراه أحد وحين ينهض منه ينهض وحده هناك شيء لا يعرفه الظالم وهو أن الظلم لا يذهب هباء الظلم يسجل يرصد يرفع ويقدم إلى السماء كما تقدم الشهادة والسماء لا تهمل ملفات المظلومين قد يظن الظالم أنه نجا وأن الصوت الذي كتمه لن يعود وأن الباب الذي أغلقه لن يفتح لكن الله لا يعمل
بتوقيت البشر ولا يحكم بسطور الناس الله يعطي المظلوم حقه حين يظن الجميع أن القضية انتهت وحين يأتي حقك يأتي كما لو أنك لم تظلم يوما يأتي في لحظة واحدة تمحو كل الليالي التي انكسرت فيها يأتي على هيئة نور يدخل قلبك فيطفئ نارا بقيت مشتعلة لسنوات طويلة المظلوم أقوى مما يظن لأنه عاش ما لا يحتمل ومع ذلك لم يتحول إلى نسخة من ظالمه لأنه سار في طريق طويل مظلم دون أن يلوث قلبه بالحقد لأنه سمح لدمعته أن تنزل لكنه لم يسمح لروحه أن تسقط ولو عرف الظالم ماذا تفعل صرخة المظلوم في السماء لما نام ليلته مطلقا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق