بقلم/نشأت البسيوني
هذه قصة رجل احب امرأة بكل ما في قلبه من صدق ورغم انه كان يتكلم كثيرا عن الاشياء التي تضايقه وتخنقه وتثقل عليه كانت هي في كل مرة تهز رأسها وتقول حاضر لكنها في النهاية تعود لتفعل ما تراه مناسبا لها وكأن كلامه مجرد عتاب عابر لا يحمل معنى او رجاء حقيقيا وكان يشعر في داخله ان صوته لا يصل وان الجدار بينهما يكبر رغم الحب الذي يجمعهما ورغم انها تحبه ايضا وكل ذلك يحدث لأنه لا احد يفهم الآخر كما يجب
كان يريد منها ان تتوقف لحظة لتسمع ما يقوله بصدق ان تفهم ان كلماته ليست اعتراضا ولا تحكما ولا فرضا بل محاولة لحماية العلاقة من تراكم التفاصيل الصغيرة التي تتحول يوما بعد يوم الى جرح صامت ومع ذلك كانت كل كلمة يقولها تضيع بين طريقتها في تفسير الامور وبين رغبتها في ان تسير الحياة كما اعتادت هي لا كما يحتاج هو ورغم حبها له لم تكن قادرة على فهمه كما يريد ولا على رؤية العالم من زاويته ولا على الشعور بما يثقله حتى وهو يشرحه بوضوح
لم تكن المشكلة في الحب فهو يحبها جدا وهي تحبه ايضا المشكلة كانت في الفهم الذي يضيع بينهما في منتصف الطريق هو يقول ما يزعجه وهي تسمع ما يناسبها هو يعبر عما يخنقه وهي تظن انه فقط يريد ان يفضفض هو يسعى الى تغيير ضروري وهي تتعامل مع الامر كأنه لا يستحق كل هذا الاهتمام ورغم ان الحب موجود الا ان الحب وحده لا يترجم الكلام ولا يحمل المعنى الى القلب حين لا تكون هناك قدرة على الاصغاء الحقيقي
ومع الوقت شعر الرجل انه يعيد الكلام نفسه بلا جدوى وان كل مرة يقول فيها ما يؤلمه يعود ليجد الموقف ذاته وكأن كلامه لم يكن وبدأ يتساءل هل هي فعلا لا تفهمه ام انها لا تستطيع ان تفهم ام ان طريقة حبها مختلفة عن الطريقة التي يحتاجها قلبه وهي ايضا كانت تحبه لكنها تحبه بطريقتها الخاصة طريقة فيها عاطفة كبيرة لكنها بلا وعي كاف بما يحتاجه هو بلا قدرة على التقاط الاشياء التي ترهقه بلا انتباه للتفاصيل التي يصرخ منها بصوت هادئ
كان يريد منها ان تدرك انه لا يطلب المستحيل ولا يبحث عن امرأة كاملة كل ما يريده هو المشاركة ان يشعر ان الطرف الآخر يقف معه لا عليه ان تفهم انه حين يشرح فهو لا يشتكي بل ينقذ العلاقة من تراكمات صغيرة قد تبدو لها غير مهمة لكنها بالنسبة له ثقيلة ومؤذية وكان كل مرة يسمع فيها حاضر يشعر انها ليست وعدا بل مجرد نهاية للحديث وان تصرفاتها تقول عكس كلماتها
وفي كل مرة تعود فيها الى ما كانت عليه يشعر الرجل ان قلبه ينطفئ ببطء ان جهده يضيع وان محاولاته تصبح ثقلا عليه ومع انه يحبها بصدق الا انه بدأ يحس ان الحب وحده لا يكفي لكي يستمر الانسان في علاقة لا يصل فيها صوته ولا يفهمه فيها من يحبها مهما حاول ومهما كرر ومهما صبر
هي لم تكن قاسية ولم تكن متعمدة في ما تفعله ولم تكن قليلة حب كانت تحبه قدر ما تستطيع لكنها لم تكن قادرة على فهمه كما يريد ولم تكن ترى مشاعره بوضوح ولم تكن تميز بين ما يهمله الناس عادة وبين ما يؤذي قلب رجل يحاول جاهدا ان يبني علاقة مستقرة ومع ذلك كانت تعود دوما الى الطريقة التي اعتادت عليها لأنها اسهل ولأنها لم تفهم عمق كلامه ولا معنى صدقه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق