الأحد، 30 نوفمبر 2025

رائحةٌ تسكن ذاكرتي بقلم عمر أحمد العلوش

( رائحةٌ تسكن ذاكرتي )
هي قطعةٌ من الصابون Fa ، مُلقاةٌ على كتفِ مغسلةٍ بصالونِ حلاقةٍ ، رائحةٌ أعادتني سنينَ مضت ، رائحةٌ هبطت في رئتي ، بل غمرت القلب واقتحمت الذكرى كأنها شعاعٌ من ضوءٍ دافئٍ . لم تكن مجرد رائحةٍ ، بل استدعاءً صامتاً للذاكرة ، شعوراً لفّ قلبي كأن الزمن لم يجرؤ على المضي قدماً .

قطعةٌ من الصابون استحضرت عبقها الذي كان يملأ المكان دفئاً وحناناً ، يترك أثراً لا يُمحى في كل زاويةٍ من وجودي . كل استنشاقٍ يعيدني إليها ، إلى ابتسامتها الخجولة ، إلى همساتها التي كانت ترتجف بين شفتيها ، إلى لحظاتٍ كان العالم كله يختزل في صوتها ولمستها ونظرتها التي كانت تجعل الهواء نفسه يبتسم .

لكن الرائحة كانت اليوم مختلفةً ، أرقَّ ، أخفَّ ، وكأن الزمن قد سرق بعضاً من سحرها ، أو أننا نحن من تغيّرنا . هل الصابون تغيّر ؟ أم أن قلبي صار أرقَّ ، وأكثر استعداداً للشوق والحنين ؟ كل استنشاقٍ يفتح باباً ، لكنه يقابلني بمرآةٍ لم تعد تعكس ما كنت أذكره ، بل تعكسني أنا الآن ، وأنا أحاول أن أجدها في عبيرٍ لا يعود كما كان .

حنيني ليس مجرد رغبةٍ في الماضي ، إنه شعورٌ بالحياة نفسها ، بالحضور الذي كان يملأ كل فراغٍ ، بالحب الذي كان يزين كل لحظةٍ . كل فقاعاتِ الصابون تذكرني بأنها كانت هناك ، بأنها كانت تمنح الأفق لونه ، والوقت صمته ، وأن كل لحظةٍ معها كانت أبديةً في بساطتها .

أُغمض عيني ، وأرى ذاكرتها تتراقص في الهواء ، كأن الرائحة تحملها ، تهمس في أذني ، وتدعوني للعودة إليها ولو للحظةٍ . قطعةُ الصابون أصبحت أكثر من مجرد صابونٍ ، أصبحت نافذةً للذاكرة ، جسراً للحنين ، وعطراً للحب الذي لا يزول .

رائحةُ من نحب لا تختفي أبداً ، لا تتغير مثلنا نحن . والحنين يبقى ، يملأ الصمت ، يملأ القلب ، يجعل كل شيءٍ حيّاً مرةً أخرى ، ولو للحظةٍ ، في عبيرِ قطعةِ صابونٍ أخضرَ ، وفي همساتِ قلبٍ ما زال يعرف كيف يحب ، وكيف يشتاق بلا حدودٍ .

✍️ بقلمي : عمر أحمد العلوش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...