خواطر سامي المجبري
لم يكن الخلاف بينهما ضجيجًا عابرًا، بل كان كغيمةٍ ثقيلة حبست المطر في صدرها طويلاً. حين التقيا، كان الليل يصغى لخطواتهما المرتجفة، وكأنّ كل شيء حولهما ينتظر كلمة تعيد ترتيب الفوضى.
وقفت هي أمامه، وثمة دمعة تمسك بطرف عينها خشية السقوط، ثم قالت بصوتٍ يختلط بالرجاء:
«ما أوجعني يا حبيبي ليس بُعدك… بل أني أشتاق إليك حتى في لحظة غضبي منك.»
رفع رأسه نحوها، كمن يعثر على ملامحه التي فقدها منذ زمن، وقال بنبرة خافتة:
«وأنا بكيتُ غيابك أمس… بكيت لأن قلبي حين يصطدم بخصامك، يشبه جناحًا يتكسّر في الهواء.»
سألته وفي صوتها طفولةٌ خائفة:
«لماذا تركتني أرحل؟»
أجابها وهو يقترب خطوةً من خطواتها:
«تركتكِ كي لا يصيبك غضبي… لا لأنّك بعيدة عن قلبي. كان صمتي محاولة فاشلة لحمايتك.»
تنهدت، كأنها تفرغ ما امتلأ في صدرها منذ أيام:
«أنا لا أعرف كيف أغضب منك دون أن أفتقدك… ولا كيف أهجرك فيما روحي تسير إليك دون إرادتي.»
ابتسم بحزن دافئ، وقال:
«شوقي إليك ليس انتظارًا… هو حياةٌ معلّقة، لا تستقيم إلا حين تعودين.»
اقتربت منه، ومدّت يدها على صدرها كمن يعترف بحقيقتها:
«أخطأت… وأعرف أنني أخطأت، لكن خوفي من خسارتك كان يقودني إلى التصرف بطريقةٍ تكاد تخسرك حقًا.»
فرفع نظره إليها، وفي صوته اعتراف لا يختبئ:
«وأنا كنت ألومك لأنني أضعف من الاعتراف بأنك عالمي.»
لحظة صمتٍ ثقيلة سقطت بينهما، سرعان ما كسرتها هي بقولها:
«تعال… لنعُد إلى بعضنا دون كبرياء.»
فأجابها بخفوت:
«لقد تعبتُ من الدوران حول الجرح… أريد قلبك دون أسوار.»
جلسا متقابلين، يعرّيان صدقًا طال اختباؤه. تحدّثا، واعترفا، وفتح كلٌّ منهما بابًا كان مغلقًا في قلبه. ومع كل كلمة، كانت المسافة بينهما تتلاشى، وتتحوّل الدموع إلى طمأنينة.
وحين سكتت الأصوات، مدّ يده إليها وقال:
«عودي… فلا حياة بدونك.»
فوضعت يدها فوق يده، كمن عاد أخيرًا إلى بيته:
«ها أنا… ومنك لا أرحل.»
وعاد النور إلى ملامحهما، كأن الخلاف لم يكن إلا امتحانًا صغيرًا لليقين الأكبر:
أن الحب، مهما طال عتابه، يعرف دائمًا طريق العودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق