بقلم/نشأت البسيوني
يأتي وقت في حياة الانسان لا يحتاج فيه الى مرآة ليدرك انه لم يعد كما كان التغيير يحدث بهدوء في الداخل قبل ان يظهر في الصوت او الملامح يحدث حين تقل دهشتك من اشياء كانت تبهرك وحين تتوقف عن مطاردة ما كنت تظنه غاية وحين تصبح اكثر حرصا على روحك من رغبتك في اثبات اي شيء لاحد الانسان لا يتحول فجأة بل يتبدل على مهل تحت وطأة الايام والتجارب
والخيبات الصغيرة التي لا يتحدث عنها لاحد تلك التي تمر كأنها عابرة لكنها تترك ندبة خفية في الداخل العالم لا يسألنا ان كنا مستعدين للنضج بل يفرضه علينا حين نفقد وحين نخذل وحين نكتشف ان بعض الابواب التي اغلقت كانت تحمينا اكثر مما كانت تحرمنا البشر في بداياتهم يظنون ان القوة في الاندفاع وفي الصوت العالي وفي الفوز السريع لكنهم يتعلمون لاحقا ان القوة
الحقيقية في الثبات في القدرة على الانتظار في اختيار المعارك وفي الانسحاب حين يصبح الاستمرار استنزافا لا بطولة الانسان يكبر حين يفهم ان ليس كل ما يمكن كسبه يستحق ان يقاتل من اجله وان بعض الانتصارات ثمنها باهظ اكثر مما تحتمل الروح هناك لحظات صامتة يعاد فيها ترتيب الداخل بالكامل حين تجلس وحدك وتراجع اختياراتك لا لتجلد نفسك بل لتفهمها حين تعترف انك
اخطأت الطريق او بالغت في التمسك او اسرفت في الثقة او تأخرت في الرحيل تلك اللحظات لا يراها احد لكنها تصنع انسانا جديدا اقل قسوة على نفسه اكثر صدقا مع احتياجاته الحياة لا تعاقبنا كما نتصور لكنها تعلمنا بطرق موجعة احيانا لان الدروس السهلة لا تترك اثرا عميقا الانسان الذي نجا ليس من لم يتألم بل من فهم الالم قبل ان يحوله الى قسوة او مرارة هناك اناس يتحولون بعد الخسارة الى
نسخ اصلب لكنها اقسى وهناك من يتحولون الى نسخ اهدأ لكنها اعمق الفرق بينهما ان الاول هرب من الشعور والثاني واجهه العالم مليء بمن يبدون اقوياء لكن القلة فقط من امتلكوا الشجاعة ليكونوا صادقين مع ضعفهم لان الاعتراف بالضعف ليس هزيمة بل بداية توازن جديد الانسان حين يتصالح مع هشاشته يصبح اكثر انسانية واكثر رحمة بنفسه وبغيره ومع الوقت يدرك ان الطمأنينة لا
تأتي من السيطرة على كل شيء بل من قبول ان بعض الاشياء خارجة عن ارادتنا وان السلام الحقيقي ليس غياب المشكلات بل القدرة على التعايش معها دون ان تسرق منا جوهرنا في النهاية لا يتذكر الانسان كم مرة انتصر بل كم مرة اختار نفسه وكم مرة حمى قلبه وكم مرة غادر في الوقت المناسب وكم مرة سامح نفسه قبل ان يطلب السماح من العالم لان التغيير الحقيقي لا يعلن عن نفسه
بل يعيش في التفاصيل في طريقة نظرك للاشياء في رد فعلك في صمتك وفي اختياراتك الجديدة وحينها فقط تفهم انك لم تعد كما كنت دون ان تحتاج ان تنظر في المرآة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق