أحلام أنثى
الحلقة الخامسة عشر
عنوان الحلقة: داء جورجيت
تابعت سحر قصتها فقالت: مدوا لنا طاولة كبيرة، مأكولات كثيرة مختلفة، أنا لا تعنيني ولم أتناول منها شيئا سوى بعض الفاكهة، لكن المشكلة كانت المشروبات الروحية التي كانت على الطاولة...الجميع يشربون، أنا طلبت عصير البرتقال، لكن لويس شرب مع الذين شربوا ملزماً، عندما قالوا: هذا الكأس هو نخب الصداقة السورية الصينية...
يبدو لويس شرب كثيرا ووصل لحد الانتشاء، وبدا عليه السكر واضحا...
مشكلة السكر التي جعلتني أشد فرامل عواطفي هي كلمات لويس عندما كان يناديني بكلمة جورجيت حبيبتي...كان يتحدث معي كأنه يحدث المرحومة، طار صوابي تلك الليلة ورجعنا إلى الفندق وكان الدم يغلي في جسدي...
بعد يومين انتهت أعمال لويس في الصين،
وقررنا العودة إلى دمشق، أنا طلبت العودة على خطوط غير السورية، حتى لا أقابل زميلات لي من المضيفات ويعرفن سبب بقائي في بكين، والمفروض بأن سبب إجازتي كانت لأسباب صحية، ويكتشفون بأنها كانت لأسباب غير ذلك...
جاء أصدقاء مدير المصنع، وأصدقاء زوجته إلى المطار قاصدين أن يودعونا...
أحضرت لي الصحفية صديقتهم هدية كتابًا باللغة الفرنسية ومجموعة نشرات سياحية عن الصين، وقالت علمت بأنك تعملين على تأليف كتاب حول رحلاتك عبر العالم، وهذا الكتاب اخترته لك لأنه يحكي قصة الصين، ألفه مجموعة من الكتاب بتكليف حكومي حتى يكون وثيقة عن بلدنا، وأرجو أن تهديني كتابا يحكي قصة سوريا بالمقابل عند عودتك إلينا في مرة قادمة، وكتبت أيضا في الصفحة الأولى بأحرف صينية، ترجمته
إهداء إلى صديقتي سحر، في الحقيقة أنا معجبة بكما أنت ولويس، والذي أعجبني هو اهتمامكما بالثقافة الدولية، وكم أنا معجبة بالذي تفعلينه، تؤلفين كتابا في العلوم السياحية ترفدين به كتب السياحة العالمية. ربنا يبارك عملك وألف تحية للشعب السوري...
في الطائرة جلست بجانب لويس كأنني جثة هامدة، رغم غليان داخلي وأنا أعاتب ذاتي، وأقول في صمتي كم حظي سيئًا وكم حياتي تعيسة...
رغم كل الحب الذي يكنه قلبي لهذا الرجل بجانبي، لكنني أدركت بأن حبي له مجروح نازف وجعه لن يستكين. طالما لويس لا يسمح إلى جورجيت بالمغادرة من فكره...
كنت أخزن كل كلمة يقولها لويس، وأعتبرها من الكلمات التي تخصنا وحدنا والمفروض إنها من مقدساتنا كلانا أنا وهو، لكنني أيقنت أن كل كلمة حب قالها بعفوية، لم يكن يعنيني أنا، إنما يعني الراحلة جورجيت، هو ما فتئ يحب جورجيت، وبحسن نية...أو بدون قصد منه، أو ربما في مخزونات اللاوعي لا أدري، ربما أحتاج لدكتور مختص في الأمور النفسية حتى يشخص لي هذه الحالة، وهل من دواء يشفي حبيبي من هذا الداء... داء جورجيت...
سأقول للطبيب النفسي: أيقنت بأن لويس أسكن روح جورجيت في جسدي أنا، وعندما يغازلني أنا أشعر بأنه يغازلها هي...
حتى عندما يمسك يدي أنا أحسها باردة لا حياة فيها كأنه يمسك ذاك الجسد الراحل... لقد جعل جسدي مطية تحمل روح الراحلة...
مسكين حبيبي، أو ربما أنا هي المسكينة التائهة ذات الحظ التعيس، أنا رضيت بمسؤولية كبيرة، تربية أربعة أطفال يتامى الأم، وواجبي نحو زوجي يقتضي مني ترك عملي، الوظيفة التي اخترتها بكل كياني. كذلك وسيلة التنقل عبر العالم لإتمام حلمي في استكمال كتابي الذي باشرته وأنا فخورة بكل حرف كتبته لأنه كتاب مخطوط بالوثيقة والصورة، وقررت تسميته (رحلاتي حول العالم) ولكن إذا ارتبطت بالزواج ستتحطم أحلامي، وأضيع في عالم غير عالمي...
عندما وجدت من يملأ قلبي فرحا ويكون سندي في الحياة، لم أكن أدري بأنني وجدت هموما يجرها خلفه هذا الإنسان الذي يجلس إلى جانبي، والذي قدمت له قلبي على صينية من فضة... والحقيقة لم أكن أدري بأنني سأساكن شبحا يشاطرني حياتي ويقضي على سعادتي...
قطع شرودي، أحسست لويس ينكزني.
كانت مضيفة الطائرة واقفة بجانب مقعدنا، وعربة الضيافة أمامها
تنتظرنا أن نختار من العصائر أو المأكولات...
سألني لويس ماذا تحبين حبيبتي جورجيت أن تتناولي....
وجدت نفسي أصرخ، أنا سحر، سحر، أنا لست جورجيت، جورجيت ماتت ألا تفهم...
وحضرتني نوبة بكاء ودموع، وبقيت مضيفة الطائرة بجانبي تربت على كتفي، وتكفكف دموعي، وتحاول تهدئتي...
وساد صمت بيننا طويل استمر حتى حطت الطائرة على أرض مطار دمشق.
اِعتذرت من لويس، وقلت له يمكنك الذهاب بمفردك، أنا سأبقى في المطار حتى أعرف مواعيد عملي.
قال لا يمكن هذا أنا اأنتظرك هنا، سيارتي في موقف السيارات سأقلك لمنزلك...
أوصلني، بسيارته الفخمة، وسألني متى سأراك؟
قلت: أنا سأخابرك.
القاص الكاتب: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة السادسة عشر