الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

زهرة ‏الجثة ‏بقلم ‏د ‏فلاح ‏الزيدي

#الحلقة_الرابعة 
*زهرة_الجثة
___
مزيج من المشاعر المختلفة تندفع في جسد موعود . شيء من الفضول.  وشيء من الخوف .وشيء من الغضب لدرجة أنها منعته من تناول إفطاره الذي جلبه إليه الحارس والذي كان يجهل نوعه وإسمه فهو لم يعتد أن يفطر بمثل هكذا فطور . الخبز والشاي واحيانا بعض الجبن كانت كفيلة بأن تهبه القوة لقضاء نصف يومه واقفا في محل عمله . 
هيييه إسمع ..! 
لا اريد منك أن تبادر الحاج بكلام دون ان يوجه هو لك الإذن به . 
قال الحارس وهو يضع يده على قبضة الباب . 
هزَّ موعود رأسه دلالة انه فهم المطلب . 
الصمت في الأماكن التي تجهل لماذا انت بها يكون بمثابة القارب الذي ينجيك من أية ريح طارئة قد تهب عليك . 
تقدم الحارس وخلفه موعود يمشي وعيناه تحدقان بالشرفة  التي اطلت منها الفتاة ليلة البارحة .. لدرجة انه نسي نفسه وإرتطم بالحارس حينما توقف فجأة امام الباب الرئيسي للمنزل . 
عفوا .. إعذرني فقد إنزلقت قدمي . 
ركز جيدا بما اخبرتك به .. 
إنفتح الباب دون ان يتقدم أحد ليقوم بفتحه . دخل الحارس ووقف جانبا قرب حافة الباب من الداخل واشار لموعود بيده ان ادخل . 
دخل موعود وهو لايدي الى اين يتجه .
اشار له الحارس ان إتجه الى الممر الذي امامه . تقدم موعود ليكتشف أن هناك للقصر حديقة اخرى تقع في الجانب الآخر ولكنها اقل اشجارا من الجزء الذي كان فيه . السمة الغالبة على هذا الجزء الارضية الخضراء التي تشبه ارضيات ملاعب الغولف تزينها بعض الاشجار التي كانت على اشكال مختلفة نظر موعود فرأى الحاج يجلس في وسط الحديقة مع تلك الفتاة التي راها البارحة ويقف فوق راسيهما حارسان كانهما تماثيل رومانية .شعر موعود بثقل يعيق خطواته . توجه احد الحرس ومسكه من يده واوقفه بمكان قريب من منضدة الطعام التي كان يجلس عليها من اتى به الى هنا . وهمس له بإذنه ان لاتتكلم دون ان يؤدن لك . مرت دقائق معدودة وموعود مطرق براسه للاسفل وهو لايقوى على رفع بصره لينظر لمن هم حوله . شيء من الفضول ينمو بصدره  ويقول له إرفع راسك وإنظر . فالرأس المرفوعة هي التي ترى . بكثير  من الخوف وكثير من الفضول رفع موعود إحدى عينيه ومن ثم يوجه نظرها لوجه ( دنيا ) او من اسماها هو دنيا .. وجه طفولي تفوح من جوانبه البراءة . وعيون عسلية تتكلم بكل لغات الارض وشعر كانه شلال ليل .. يسقط على اكتافها .. إبتسامتها كانت تحمل بهجة العصافير وهدوء الصباحات .. 
هل هذا هو البستاني الجديد ؟ 
قالت الفتاة وقطعت خيط الدهشة الذي كان يشد نظرة موعود لوجهها . 
إبتسم والدها إبتسامة خبيثة وهو يتناول شيء من إفطاره . بعدها وضع  الطبق  الذي بيده. والتفت لموعود وهو يجيب على سؤال ابنته .. لا ! 
إرتبك موعود .من تلك النظرة القاسية .. 
ابتلع ريقه بصعوبة . وكان الطير تاكل من رأسه . 
قل لي يا ولد ما إسمك ؟ 
إس 
اسس
إسسسمي موعود يا إستاذ ! 
موعود هههه إسم غريب ! 
ومن اسماك بهذا الاسم ..؟ 
والدي..  نعم والدي اسماني به ! 
ولماذا إختار لك هذا الاسم ؟ 
لان والدي من المغرمين بعبد الحليم حافظ ! 
لو كان كذلك فلماذا لم يسميك عبد الحليم او حتى عندليب اراه اجمل من موعود ! 
الحقيقة يا استاذ اذكر اني سالت والدي مرة واحدة نفس سؤالك هذا . وتبين لي ان والدي كان يعشق اغاني عبد الحليم لهذا السبب اسماني انا واخوتي على اسماء اغاني عبد الحليم . 
وكم عدد اخوتك . 
نحن ثلاثة اولاد وبنت واحدة 
وما اسماء اخوتك ؟ 
الكبير انا واسمي موعود . واخي الاوسط كامل .. 
وهل هناك اغنية لعبد الحليم بهذا الاسم ؟ 
نعم . اغنية كامل الاوصاف 
اهاااا 
واخي الثاني اسمه جبار .. 
وإختنا الاصغر اسمها زي .. اسماها على اغنية زي الهوا .. 
يبدو ان والدك صاحب ذوق رفيع .. 
إنه كذلك يا استاذ .. ولكن الزمن لم ينصفه يوما ولم يقف لجانبه للحظة واحدة 
وماهو عمل والدك ؟ 
إنه يعمل في البلدية . عامل نظافة 
وانت ماذا تعمل ؟ 
انا طالب في كلية الطب البيطري .. مرحلة رابعة ولكني لم اكمل دراستي بسبب ظروف العيش القاسية ؟ 
غريب .. انت على وشك ان تكون طبيبا وتعمل زبالا ! 
لا يا استاذ .. انا اخرج في مكان والدي لانه مريض لم يعد يقوى على العمل ! 
زين .. هل تعلم لماذا انت هنا ؟ ولماذا صفعتك يوم امس ؟ 
لا والله لاعلم لي ؟ واتمنى ان تخبرني انت ؟ 
أنت هنا لانك يوم امس اسات الادب .. وقفت وراء موكبي اثناء خروجه بالشارع تلوح بمكنستك ؟ 
لم يكن قصد..  
إششش ! 
دعني اكمل ..
لماذا رفعت المكنسة وبدأت تلوّح بها أثناء خروج موكبي ؟ 
هل كنت قاصداً إهانتي بفعلك هذا  ؟ 
هل كان أحد رفاقك ( الزبالين ) يصورك وأنت تقوم بعملك البطولي هذا ؟ 
هل تعلم انك لو فعلت نفس هذا الفعل خلف سيارة رفيق حزبي في الزمان الغابر .. ماذا سيفعل بك ؟ 
هااا ؟ 
هل تسمح لي بالإجابة الآن ؟ 
اي … ! 
أولا لم يكن قصدي الاساءة لشخصك ولا لأحد كان برفقتك . عندما خرج موكبك اثار غبرة في الارض ناهيك عن الدخان الذي تولد من عجلات السيارات التي كانت تتحرك بسرعة مفرطة . كل الذي فعلته اني قمت بمبارزة الدخان والتراب بمكنستي والتي بدوت بها لك وكاني الوّح لك بها . هذا أمر .. 
الأمر الآخر ولنفرض اني لوحت لك بالمكنسة بطريقة المبتهج بقدومك او إنصرافك فما الضير في ذلك ؟ 
اهاا ما الضير بذلك ؟ 
اخبرتك ان هذا الامر لو حدث مع رفيق حزبي في الزمن ذاك كان ( شوو على اذانك بصل ) 
طيب هل لي بسؤال ؟ 
إي تفضل .. استاذ لو تحب اناديك دكتور 
قل لي ماشئت فهذه الامور لاتشكل معي فرقا مادمت قريبا من الأرض . 
هل كنت في العراق في الزمن الغابر ؟ 
هل صفعتك اكف الرفاق على وجهك ؟ 
هل قاسمت البهائم علفها ؟ 
هنا  شعر الحاج بالضيق ومد يده ليخفف من شدة رباط عنقه .لتبدا بعدها علامات الغضب بالظهور على محياه .. 
بعدها توجه بالكلام لابنته .. حبيبتي دلال اليوم انا مشغول ستذهبين بسيارة الحماية للمستشفى .. 
موعود يبتسم عندما سمع باسمها .. دلال .. اسم على مسمى .. 
ردت دلال .. لا يا ابي اريد ان أستمع لحديثك مع موعود يبدو انه ينقل صورة الواقع دون رتوش الواقع الذي لا دخل لقنوات الاعلام الماجورة به . 
موعود يشعر بشيء من الثقة .. ليكمل بعدها حديثه او بالاحرى هجومه على اناقة الحاج عزيز  وكانه يريد ان يرد له الصفعة على طريقته . 
أنت قلت انني لو قمت بهذا العمل في الزمن الغابر لقضي امري .. 
نعم .. 
ولكن في السابق .. عندما يزور مسؤول الجبهة فإن الجنود يلوحون له ببنادقهم ترحيبا به او توديعا له ! 
نعم..  
وعندما يزور مسؤول حقلا او مزرعة فإن المزارعين يلوحون له بمناجلهم . 
وعندما يزور جامعة يلوحون له بكتبهم 
وعندما يزور شارعا فإن عامل النظافة ايضا يلوح بالذي يحمله بيده مكنسة او غيرها 
اهااااا .. 
إذن انت من الذين يحنون لزمن العبودية .. 
إنها التهمة الجاهزة يا استاذ .. التهمة التي باتت جاهزة لتلقى على اعناق المتضررين من اخطاء الزمنين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...