السبت، 5 ديسمبر 2020

زهرة ‏الجثة ‏بقلم ‏د فلاح ‏الزيدي ‏

الحلقة الأولى
زهرة الجثة 
رنَّ هاتفها الخلوي وكعادتها تتأخر في الإجابة عليه حتى لو كان الأمر طارئاً . حتى لو إنصهر الآخر بنار إنتظاره على الطرف الآخر . 
ألو .. أجابت هذه المرة بصوتها الصباحي الدافئ . الصوت الذي يحمل في تقاسيمه نسمات السهول وبهجة الصباحات . لقد كان والدها الحاج عزيز  الذي عليه أن يحتمل دلال إبنته دلال  المشاغبة .  
حبيبتي افتحي باب البيت ففي باحته مفاجأة لك . اتمنى ان تفرحك... خلعت حذاءها  وركضت للباب حافية .. نعم إنها نفس السيارة التي حدثت اباها عنها بنفس اللون ايضا .. 
أكيد اعجبتك الهدية .. 
نعم يا ابي .. إنها جميلة جدا وتحمل اللون الذي أحب الازرق .. 
لا ادري يبنتي كيف أفسر  العلاقة الغريبة بين الالوان وأمزجة البنات .. سيارة اخيك لم تتعبني في البحث عنها وشرائها كما اتعبتني سيارتك .. أتمنى ان لاتقودي بها سريعا .. وأتمنى ايضا أن ارجع للبيت وأجدك أنت وأخاك .. 
أدخلت دلال سيارتها الجديدة لمرآب البيت الذي يشبه القصور الفخمة في تصميمه الكبير وبحديقته التي تحوي مسبحا كبيرا وعدد غير قليل من أشجار الزينة واشجار الفاكهة التي تنضج وتسقط ثمارها دون أن يمسها أحد ..  في خارج أسوار البيت  الكبير ينهمك عمال النظافة في ترتيب الشارع وتنظيفه .. فهذا الشارع لايشبه بقية شوارع المدينة المتعبة والمرهقة .. فكبار الشخصيات ورجال الاعمال  يقطنون في هذا الحي المترف وهم لايحتملون رؤية الاوساخ به لذا فإن الكثير منهم يصبون جام غضبهم على عامل النظافة عندما ينظرون علبة سجائر فارغة على جنباته .. في ذلك اليوم الذي وصلت فيه الهدية  .. حدثت جلبة قبالة القصر التي تسكن فيه ودلال لم تعتد أن تر او تسمع مايحدث في الشارع من مشاكل ولكن يبدو انها في ذلك اليوم ارادت من الجميع مشاركتها سعادتها بهدية والدها الثمينة .فقامت وفتحت نافذة غرفتها المطلة على الشارع والتي من خلالها رات والدها وهو يوبخ شابا ثلاثيني العمر.  ويسمعه اقسى الكلمات أمام مراى ومسمع الجمع الذي وقف صامتا لايملك مايقوله لذلك الرجل الخمسيني صاحب الملابس الانيقة والرباط الحريري اللامع والحذاء الرئاسي المعتبر ..ارتفعت حرارة الحديث بين ذلك الشاب ذو الملامح السمراء والشعر المجعد والملابس المتعبة .. ويبدو ان الحديث كان من جانب واحد فقط الحاج عزيز  يهزأ بالشاب ويوبخ به وبالمقابل لايمتلك ذلك الشاب اي حق بالكلام ولا بالرد عليه .
يبدو أن هيبة موكب الحاج عزيز  أرخت بظلالها على عاملي النظافة الذين كانوا يتلقون وابل التوبيخ بكثير من اللامبالاة . فقط كانت عندهم بمثابة رقم إضافي لدرجة الحرارة المتصاعدة في صبيحة ذلك اليوم . تلك الحرارة التي لايحتمل ثرثرتها أصحاب الماركات المظللة ولا يقوى على المكوث تحت اصيلها اصحاب الغرف المكيفة . 
( سأعود بعد ساعة . واريد هذا الشارع يلمع كزجاج هذه السيارة) . واشار بيده لأحد السيارات المرافقة  له والتي كان يستظل ببعض ظلها أثناء محاضرة التوبيخ الشجية كانت هذه آخر جملة انحدرت من المقام السامي الى عامل النظافة ورفاقه الذين كانوا يستندون على ادوات التنظيف اثناء وقوفهم للإستماع للكلمات الصادرة من الحاج عزيز .
هم  لايعرفون مكانته  ولا وظيفته في دولة آخر الازمنة . تحركت طليعة تلك السيارات متوجهة لبوابة ذلك القصر المشيد على مساحة تفوق الالف متر .. وشاهدوا كيف انفتحت ابواب  القصر  لوحدها وكيف إبتلع بياضه كل تلك السيارات السوداء .  موعود كان أكثر المنزعجين .  حرارة الجو بالنسبة له لاتعادل شيئا قياسا بحرارة  الكلمات التي بدت وكأنها شررا يتطاير بين جنباته. الأمر لايحتمل التأجيل فعلى الجميع ان يبذلوا قصارى جهدهم من أجل ان ينظفوا الشارع من الاوراق المتساقطة وبعض قطع الزجاج المتناثرة واواني الطعام البلاستيكية الجاهزة . يبدو ان قطط الليل تعلم ان تجد ضالتها عندما تجوع . نهض موعود مع محاولة فاشلة للإبتسام . 
إشتغل سكتة . وإستر علينة ! 
قال ( الفورمن ) وبدا خائفاً ايضا . وهذه اول مرة يشارك موعود رفاقه تنظيف الشارع ! 
أتعلم ؟ ماهي إمنيتي الآن ؟ قال موعود لمشرف العمل 
انت كثير التمني . ليتك تعمل بالقدر الذي تتمنى ! 
قل ماذا تتمنى وانت تعمل ! 
إمنيتي ان اراجع كل كامرات المراقبة في هذا الشارع لأرى من الذي يعبث بحاويات القمامة ليلاً . 
هل الناس في هذا الشارع حُول . ليلقوا بالقمامة بجانب حاوياتها . ام انه شغل قطط الليل ؟ 
ايٌّ كان السبب لايهم . مايهمنا هو ان نرجع القمامة لمكانها المخصص لها . 
إنظر لتلك القطة كانها شبل أسد ..
يا اخي حتى قططهم تختلف عن قططنا . إنها تأكل افضل من اكلنا . وربما تنام افضل من نومنا . 
الشيء الغريب الآخر . لم الحظ اي طفل يلعب بهذا الشارع الواسع . برايك لماذا؟ 
ربما لانهم يخافون على اطفالهم . إنهم اصحاب ذوات ياولد ! 
ربما نسائهم لايلدن مثل نسائنا ؟ 
وكيف ذلك ؟ 
ربما كلهن مصابات بداء القطط ! 
أهووو 
عمي اشتغل .. الحياطين هنا ليس فقط تسمع إنها تشم وترى وتتحدث ! 
لم تكتمل الساعة بعد . ويبدو ان بوابة القصر تفتح من جديد . 
لكن الجيد في الامر ان موعود ورفاقه اكملوا عملهم وجعلوا الشارع يلمع كربطة عنق الحاج عزيز ! 
مرت السيارات واحدة تلو الاخرى وموعود لايعلم بأي تلك السيارات يجلس من تسبب بتلك الحرقة في صدره .
كان رب العامل يقف كما يقف حاملو اكاليل الورد على نصب الجندي المجهول . وكأنه ينتظر ان تقف إحدى السيارات المسرعة وينزل منها أحدهم . ويوجه كلمة شكر لجنود الشارع المجهولين كلمة واحد فقط تكفي  . ولكن ما كان هذا ليحدث  . عكس  موعود الذي  كان يتمنى ان لايقف الموكب لكي لايعاود النظر الى تلك الوجوه التي بال عليها ابليس قبل نومه . استمرت السيارات بالمرور من قربهم . وبدت تبتعد شيئا فشيئا . موعود ترك مكانه على الرصيف ووقف في منتصف الشارع وبدأ يلوح بمكنسته للموكب وكانه يكنس وجه الهواء الذي إمتزج بعوادم سياراتهم . وهنا حدث مالايتمناه احد . تتوقفت آخر سيارة ليتوقف معها الموكب بكامله ادارت السيارة الاخيرة وجهها لتتجه مباشرة نحو موعود الذي مازال واقفا في منتصف الشارع . بعدها نزل منها الحاج عزيز واتجه مباشرة نحو موعود . 
وبدون ان يتحدث قام وصفعه على خده . 
تجمع بعدها افراد الحماية حول موعود . وهم ينتظرون امر سيدهم ! 
خذوه وضعوه في غرفة الحارس في القصر .. 
إعترضهم مشرف العمل ليسال عن السبب ولكنه تلقى لكمة من احد الحرس . 
تلاقفت موعود إحدى السيارات واتجهت به نحو بوابة القصر . ليعم بعدها الصمت على والوجوه . 
ساعود ليلا . لأنظر في امره .
بقلم د فلاح الزيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...