الثلاثاء، 12 يناير 2021

عبق ‏رجل ‏بقلم ‏هاني ‏زفيرة

عبقُ رَجُلٍ
قصة قصيرة: 
بقلم: هاني زريفة
كان في عينيه بركتان من حزن، ونبعان من حنان، ونجمان من أمل!
وكنت وأنا أتأملهما عن بعد؛ أرتشف منهما هدوء الليل، وشرود الغيم، وأُنقِّبُ في ذبولهما عن أسرار البحار، فأشتم ملء رئتيّ عبق رجل!
كنت صديقة لزميلته، وما أن زرتها حتى قبضت عيناه بخناق قلبي فلم يستطع منهما إفلاتاً،  فتكررت زياراتي؛ وازدادت روحي تعلقاً بعينيه.
كان الرجل قد حقق نجاحاتٍ باهرةً، ولكنه بقي يحني هامته كسنبلة ممتلأة، وكانت صديقتي تتعمد أن تتركنا على انفراد، ولكنه كان يغوص بقامته الفارعة النحيفة في كرسيه العريض حتى يبتلعه الكرسيّ، ويحمرّ وجهه الأسمر فيزداد بهاءً وملاحةً.
ورغم أن غموض عينيه السوداوين يفصح عن اهتمام صامت بي، لم يحاول حتى أن يتعرف على اسمي، وقد فات صديقتي أن تقوم بهذا الدور؛ فبقيت أكابد حبه بصمت، واشتم عبقه من بعيد.
ازدادت صفحته على (الفيس بوك) انتشاراً، وأصبحت يدور حولها الكثير من الإطراء، فزاد عدد أصدقائه بشكل ملحوظ.
أنشأت صفحة باسم (حنين حواء) ليس فيها من أصدقاء سواه، وبينما كان يزداد استعار الحب في قلبي، كانت تزداد تعليقاتي على منشوراته ألقاً... أنا نفسي لم أكنْ أعلم من أين أجيء بهذه العبارات، ولا أصدق أنني كتبتها في لحظة اتقاد... وقمت بمشاركة جلّ منشوراته، حتى صورته الشّخصيّة!
أخذ يطلق في زاوية (قصتي) على (الفيس بوك) و(يومي) على الرسائل أغنياتٍ تخفق لها القلوب، وتطرب لها الآذان، وكنت لا أترك أغنية إلا وعلقت عليها برمز وردة أو تصفيق!
ازداد اهتمام الرجل بتلك المجهولة (حنين حواء)، وازداد تعلقي به حتى وصل إلى حد الجنون، وأصبحت عيناي مسمرتين على صفحته ليل نهار، ترقبان شروقه وغروبه.
علقت مرة على (قصته) بقلبٍ أحمرَ يتوهج كالنار ويخفق كطير ذبيح، وحين تأكدت من رؤيته للتعليق سارعت لإرسال هذه العبارة:
- آسفة لم أقصد! حدث هذا بالخطأ!
فأجاب بثقة العارف:
- لا مشكلة، قد يحدث مثل هذا!
طارت من صدري ألف حمامة، وخفقت في رأسي ألف حكاية...
صمته يمزقني؛ وإن لم أبادرْ سيبقى حلمي معلقاً في نجمٍ قصيٍّ:
- مساء الخير.
- مساء الورد!
- لكثرة ما حدثتني صديقتي عنك، شدني الفضول للتعرف إليك!
- لي الشرف! أنا كل معلوماتي الشخصية على صفحتي!... ولكن من انتِ ومن صديقتك؟
خفق قلبي بشدة وانعقد لساني!
- لاحظت اهتمامك الكبير بصفحتي لدرجة مشاركة صورتي الشخصية... فمن أنتِ؟
انقطعت أنفاسي، وتوقف قلبي عن النبض، فسارعت لاقفال المحادثة!
سأبقيك نحماً يومض في ليلي من علٍ... لا أريد للعبة اللحم والدم أن تلوث طهر عشقي لك.... 
سأبقى أشتمُّ في عينيك عبق رجلٍ..... ولكن من بعيدٍ!
(تمت).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

فلكِ قصائدي بقلم علاء فتحي همام ،،

فلكِ قصائدي / أهيم تائها بخيالها   وجمالها يجول ويُصخِب يدنو نحوي يُداعبني ولعينيّا يُسامِر ويَجذِب والدموع تشكو فِراقا  فنهر العشق لا يَنض...