الثلاثاء، 19 يناير 2021

أعيدوني ‏الى ‏حمص ‏ولو حشو ‏الكفن ‏بقلم ‏توفيق ‏العرقوبي ‏

:"اعيدوني إلى حمص ولو حشو الكفن "كان يرددها شاعر حمصي مات في الغربة ولم يحقق حلمه وكررها الراحل الطيب تيزيني 
يعتبر الدكتور الطيب تيزيني واحدا من كبار المفكرين في العصر الحالي حيث سبق أن تم اختياره من بين اهم مائة  فيلسوف عالمي حسب تصنيف مؤسسة كونكورديا الفلسفية الألمانية الفرنسية عام ١٩٩٨
ولد تيزني في حمص عام ١٩٣٤وتلقى تعليما فيها ثم غادر إلى تركيا بعد أن أنهى دراسته الأولية ومنها إلى بريطانيا ثم إلى المانيا لينهي دراسته الفلسفية ويحصل على شهادة الدكتوراة عام ١٩٦٧عمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة استاذ فلسفة حتى وفاته كانت للراحل تجربة حزبية حيث اسهم في بعض الأحزاب اليسارية التي نشأت في سورية لفترة زمنية لكن سرعان ماعاد إلى العمل الفكري
وقف التيزني مع الثورة السورية وطالب بشار الأسد منذ بدايتها بالتنحي وتحدث في اكثر من منبر عن فساد النظام  وعن الدولة الأمنية التي ابتلعت المجتمعات العربية وسورية بشكل خاص وكان قد تحدث سنة ٢٠٠٠ عن حدوث انفجار طائفي في بلاده وقال وقتها أن حدث ذلك فهذا لا يعني أن الشعب السوري طائفي بل ثمة مبررات وممارسات ستقود إلى  لحظة انفجار من هذا النوع.
من أبرز مؤلفاته - الفكر العربي في بواكره وافاقه الأولى - ومن التراث إلى الثورة - حول نظرية مقترحة في التراث العربي - ومشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة - ودراسات في الفكر اافلسفي في الشرق القديم - ومن الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي - بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي تفوقها التاريخية  ومن ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني ومن اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسطية ، يعتبر الدكتور  من أنصار الفكر  الماركسي ، اعتمد الجدلية التاريخية في مشروعه الفلسفي لإعادة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى اليوم وهو من أبرز المشتغلين على تأصيل فكر عربي صار جزءا من تطور الفكر الإنساني وأسفل باتكاىه على الجدلية الماركسية مركزية النموذج الغربي في وراثة الفلسفة اليونانية ومعروف أن عائلته مثلت جميع السوريين في تعدد مشارب أفرادها وعلى اختلاف تطلعاتهم ، لوالده كان يعمل قاضيا شرعيا محافظا ومتنورا  في ان وأخوته كانوا منقسمين بين التنوير والتصوف وكان لهم الأثر في بناء شخصيته التي تغذت مت مكتبة الاب فالطفل الذي كان في حبواته الأولى  نحو المعرفة ظل مواظبا على قراءة الكتب في ظل حضور امه سنية الجندلي  المرأة المنحدرة من تعرف عائلات حمص المترفة والتي أحبها الطيب وتعلق بها وقال عنها :" امي كانت في تفكيرها امرأة مؤمنة لكن إيمانها كان محليا تركت  أثارا طيبة في نفسي من الرغبة في المعرفة ، إذ لاحظت باكرا انها لم تكن تقرا ولا تكتب في ما اتعلم فيه فلفت نظري هذا الأمر  واكتشفت انها لا تقرأ الا القرآن  ومن النسخة التي تملكها والتي مازلت احتفظ بها في مكتبتي الشخصية حتى الآن منذ وفاتها عام ١٩٦٧
استطاع الطيب وعبر قرابة نيف وسبعة عقود من الزمن من الإطلالة على لحظات حاسمة  من سيرة بلاده المعاصرة . فكان شاهدا على فترات التحولات الكبرى في الأربعينيات من القرن الماضي  التي أنتجت الاستقلال عن المستعمر الفرنسي.لتتشكل بعدها قوى ثقافية  واجتماعية وسياسية حملت على عاتقها تحرير المجتمع والإنسان ، إذ مثلت تلك القوى حالة فريدة بجمعها فشهد كتاب من التراث إلى الثورة حرب الاستقلال في جزء ولو  بسيط منها 
كان للمفكر  الحمصي   أصدقاء كثر منهم البعثي والشيوعية والإسلامي المأمور سعى الطيب معهم إلى تأسيس مجموعات سياسية متقدمة  حلم ان تصنع ما صنع في فرنسا.فالرجل عاش لحظات مهمة من تاريخ سورية المعاصر ، تجلت في فترة النهوض بعد الاستقلال كان قد شاهد عن قرب في تلك الايام كيف صارت  السياسة تبرز في الانتخابات البرلمانية  ليتعرف بأن هناك اخرين مناهضين لما يفكر  ويؤمن به ، الا انه كان يحترم آراء الجميع ويقترب منهم ليتعلم كما صرح اكثر من مرة  في حوارات وكانت اهم نقطة تمثلت في فكره بعد جلاء الفرنسيين عن بلاده  إيمانه بالتعددية الثقافية والسياسية تحت جبهة واحدة ضمت الشيوعيين والليبراليين  والإسلاميين  والقوميين  وكان هو على راس هذا التحالف. 
في مطلع الخمسينيات غادر حمص إلى دمشق ليكمل تحصيله في جامعتها وما ان وصل إلى عاصمة بلاده حتى بدأت الانقلابات العسكرية تتوالى في الحياة السياسية  مع كل من أديب  الشيشكلي  وحسني الزعيم وسامي الحناوي إلى أن قامت  الوحدة بين مصر وسورية في ١٩٥٨تعرف على دمشق ومؤسساتها  الثقافية ومكتاباتها وصالات المسرح والسينما فيها وعمل مدققا لغويا في مجلة الف باء متدبرا باجر البسيط شؤون حياته  كشاب يشق دربه لكن الشاب الحمصي خاض في نقاشات مثقفي دمشق داخل الجامعة وخارجها إلى أن تطور الأمر به ليكون مهتما بالشؤون الاجتماعية والسياسية واقترب في الجامعة. اكثر  من الساسة وصار  يهتم بالدراسات السياسية في قسم الفلسفة  على أيدي أساتذة كبار  من أبرزهم عبد الكريم  اليافي وعادل العوا فكانوا معلمين وأصدقاء له وسط لوحة متعددة المشارب وكان ذلك مهما جدا  اذ وجد الطيب  ما يوازيه  حتى على الصعيد  الفكري التجريبي في الحقل الفلسفي وعرف أنه لا يوجد  الا خيار واحد  كي تعيش  سورية هو التعددية- قدر سورية  والسوريين كما كان يقول . كان الطيب يشارك في أنشطة  سياسية  لها طابع نظري  فقرأ  وكتب الكثير. عنها لكنه  لاحظ انه لم يعد يستطع  كتابة شيء عما يحدث بل لم يعد قادرا على. انتاج المطلوب منه  حتى في الجامعة  خصوصا  أن بعض أصدقائه  في أحزاب اخرى لم يعودوا أصدقاء  فهم لم يكتشفوا ان السياسة يجب ام تقرب ولو كانت المقولات متغايرة فوجد ان الحياة  في سورية صارت معقدة أضف  إلى أنه لوحق امنيا من دون أسباب حتى الحياة العامة لم تعد محتملة والجامعة صارت مهددة مثلها بدخول رجال المباحث فتوقفت الحياة الجامعية  وصار الطيب  يفكر بحل  إلى أن  أتى حال  جديد من الصراع  الدموي عندما اعدمت حكومة الوحدة  جمعا من الشباب الماركسي  والبعثي  في سجون  حمص وعلى رأسهم المناضل سعيد الدروبي. كان الطيب  شاهدا على الممارسات القمعية  التي  قال عنها : تفاقمت  وقتها الصراعات المحلية وبدأت  الدولة الأمنية بالتشكل منذ ذلك الحين ولاحقا عرفت ذلك ولقد ساءني  كثيرا اني عشت هذه المرحلة. الباكرة  فوضعت تعريفا للدولة الأمنية بأنها الدولة التي تسعى  إلى إفساد  كل من لم  يتم إفساد بحيث يصبح  الجميع ملوثا وكانت وتحت الطلب لقد ضاقت من ذلك الحين حياتنا وصرت اسمع بالقتل والتعذيب وبدأت السجون  في سورية تفتح  ابوابها بشكل استفز  الجميع ليستمر هذا التيار وأصبحت غير قادر على. متابعة الحياة  فالسياسة غير ممكنة  والعمل الثقافي  يحتاج إلى  بيئة اخرى اكثر  صحة وانفتاحه.
على خلفية هذه الأحداث قرر الطيب  السفر إلى  تركيا عام ١٩٦٢ ومنها إلى بريطانيا فالمانيا  واكمل دراسته في جامعة لايبزغ اشتغل بكثافة على قراءات  وتعلم الالمانية  واللاتيتية ليصبح   من أبرز طلاب الاكاديمية الألمانية وانتزع الماجستير ومن ثم الدكتوراة  وبعدها شهادة  الأستاذية وقدم رسالته حول  التيارات الكبرى في الفلسفة العربية  منقبا في مؤلفات فلاسفة العرب الكبار حيث كان عمله  مذهلا في ما  قدمه في لايبزغ حول التراث والحداثة
عاش الفيلسوف الحمصي  بين برلين ولايبزغ  ومعظم المدن الألمانية الشرقية منها والغربية آنذاك  وعرض عليه وقتها ام يحصل  على الجنسية الألمانية  فرفض كما رفض هذا العرض في ظل  سنوات الحرب الحالية قبل رحيله.
الطريق إلى. عالم الفيلسوف الحمصي 
الامضاء. توفيق العرقوبي_تونس _

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

تَبْكي العقيدةُ بقلم محمد الدبلي الفاطمي

تَبْكي العقيدةُ أمْستْ مُدَوّنةُ الإلْحادِ إصْلاحا  والجَهْل عَسْعَسَ بالظّلْماءِ طَوّاحا  والدّينُ حَرّفَهُ الأوْغادُ عنْ عَمَدٍ فأصْبَحَ ا...