في غرفة ضيقة بمشفى عام،استلقى بجسده الصغير النحيل طفل، على سرير تحيط به مجموعة مخيفة من الأسلاك الطبية وأنابيب المحاليل،طاقم طبي بوزرات بيضاء إلتف حوله كحمامات السلام،تتخللهم بضعا من ملائكة الرحمة..
تاهت عيون الطفل بين الأشباح البيضاء،عيون زائفة مرعوبة،وثغر يحاول إخفاء الدهشة خلف إبتسامة بريئة،نقلوه إلى غرفة العلاج الكيماوي،جسد ضعيف غرست في أطرافه عدة أشواك وأنابيب.
بعد بضع حصص علاجية متعبة،صدفة وقف ذا الجسد الواهن أمام المرآة،ذعر المسكين لمنظر طيف شاحب هزيل..
أصلع فاقد لجل شعر جسمه.رفع يده بعفوية كعادته السابقة حين يقف أمام المرآة،متحسسا خصلات شعره الأسود اللامع الناعم كالحرير،فزع الصغير! لم يجد خصلات يمشطها، ولا حواجب يرشد شعيراتها التائهة عن صف أخواتها،ولا أشفار تبللها دمعاته المنسابة حزنا ورعبا وقهرا، على ما أصبح عليه شكله، بعدما كان أجمل فتن الحياة الدنيا! ذهب مسرعا وكلمة "ماما" تتردد في كل الأرجاء، مكسرة الصمت المقيت الذي صار سيد الأحاديث، بعد أول طلب لإجراء التحاليل،ذعرت الأم المحزونة، عند سماع فلذة كبدها يصرخ بأعلى صوت..
وقف أمامها الصغير وقال:"لن أرى أصدقائي بعد الآن،لأنهم سيخافون مني وقد يستهزئون من شكلي،فقد صرت أشبه الكائنات الفضائية،باهت الملامح وبدون شعر يا ماما!"،رق قلبها وانفطر،سقطت على ركبتيها أمامه، تبكيه وتحتضنه وما عساها تفعل؟
كيف تنتشل المرض الخبيث من دمه الغالي؟كيف تمتص الألم الواخز كالإبر، في الجسد والنفس؟
رفعت رأسها متحسرة راجية من أرحم الراحمين،عساه يشفيه ويزيل همه الكبير، وهو البريء الصغير!
قصة قصيرة بعنوان:
"الخبيث"
اللهم اشفي مرضى السرطان!
أميرة الصمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق