الاثنين، 14 يونيو 2021

فلسفة البناء (8) بقلم رماز الأعرج

 فلسفة البناء

الحلقة الثامنة 

التنمية البشرية مجرد وهم بدون فهم عميق للاقتصاد وفهم طبيعته وجذوره 

7 : الربح الصناعي أو الإنتاجي

هنا بالتحديد يكمن المصدر الأهم للربح,  الفعلي والقانوني والأساسي , حيث الإنتاج هو أساس فائض الإنتاج الأساسي, الذي جاء منه هذا الفائض للقيمة لاحقاً, حيث هنا أنتج أول فائض القيمة الذي تحول إلى ربح فيما بعد, وسواء كان النتاج زراعي أو صناعي سيان فهما المصدر الأساسي والأصل لفائض الإنتاج وبالتالي لفائض القيمة, وإلى الربح الذي توزع وتنوع لاحقاً متخذا أشكال عدة منها ما ذكرناه و منها ما لم نصله بعد.

كما ويعتبر هذا الربح من أكثر أنواع الربح وضوح و شفافية, حيث واضح المصدر والطريقة, والشكل, ولا لبس فيه ولا خفاء, ويتم تقاسمه بين عدة أطراف كلاً حسب جهده وما يقدمه في العملية الاجتماعية المتكاملة.

فالإنتاج و السوق هما عبارة عن منظومة اجتماعية كبيرة تعمل بشكل متناغم ومتكامل وكلاً يكمل دوره ويغطي جانب من هذه العملية, ويأخذ نصيبه مقابل هذا الدور والمشاركة, حسب دوره وما قدمه من خدمة في هذه العملية المتكاملة, من بداية الإنتاج للسلعة وحتى وصولها للمستهلك للاستعمال.

رغم التشارك الأساسي بين الصناعة والزراعة كقطاعين إنتاج أساسيين, إلا إنهناك فوارق كبيرة بينها سواء في طبيعة الإنتاج أو نوعية الربح وشكله, وطبيعة المنتج نفسه, فالمنتج الزراعي منتج حي ولا يمكن أن نحصل عليه بفترة قصيرة كما في حال الأنواع الأخرى من السلع , التي يمكننا إنتاجها خلال فترة قصيرة من الوقت قد لا تتجاوز الساعة من الزمن, وهذا في الإنتاج الزراعي مستحيل طبعاً.

وهناك المنتوج الفكري والفني و الثقافي أيضاً وهذا كله له مجاله وطابعه الخاص وهذا النوع من المنتوج يعتبر منتج غير ربحي, ولكنه منتج إنساني اجتماعي هام و له مكانه ومجاله الخاص به, وله مكانة اجتماعية وتقدير عالي جداً, وقد يصل ثمن بعض القطع أو المنتجات منه مثل اللوحات الفنية وغيرها إلى مئات الملايين من الوحدات النقدية.

لنعود إلى المنتج الزراعي والصناعي, والفوارق بينها, فالمنتج الزراعي في معظم الأحيان منتج غذائي, والنسبة ضئيلة منه التي تنتج لحاجات صناعية بحتة, رغم وجود هذه النسبة وارتفاعها مع تطور العصر والعودة إلى البحث عن مصادر طبيعية أكثر لإنتاج الكثير من السلع الاستهلاكية, مثل صناعة الأدوات المنزلية الأخشاب و القش والقطن الحبال وغيرها الكثر من المنتجات الزراعية التي تزرع أصلاً للاستهلاك الصناعي غير الغذائي, ولكن نحن يصدد المنتج الغذائي أكثر حيث لا يمكن أن يقتات الإنسان على مواد غير حية, في الأساس, وهذا معناه أن الزراعة لا يمكن إلا أن تكون من ضمن الأمن الغذائي للمجتمع, ولهذا لها خصوصية سوف نأتي عليها في مكانها في سياق الإنتاج الربحي الزراعي.

يشكل الإنتاج الصناعي أساس تطور المجتمع والقاعدة المادية الأساس التي تقوم عليها جميع المنتجات الأخرى, من زراعة وبناء وتجارة وغيره, حيث يلعب القطاع الصناعي الدور الحاسم في تقرير بقية التابعيات الاجتماعية الأخرى الضرورية لإقامة نظام وحياة اجتماعية كاملة, والصناعة تقود وتلعب الدور الحاسم في البنية الاقتصادية بكاملها, فالصناعة هي من أنتج آلات الزراعية المتطورة, وهي من أنتج أدوات العمل, وكذلك المواد المستعملة بشكل عام و الخامات إجمالاً لا بد أن تخضع لتجهيز ما قبل استعمالها المباشر حتى ولو كانت من مصادر طبيعية, كالأسمدة والأملاح وغيرها من المواد.

وكذلك الأمر في البنية التحتية مثل البناء والعمارة وغيرها, والتجارة أيضاً, فالمستوى الصناعي وتطوره يقرر مستوى تطور القطاعات الاقتصادية الأخرى المكملة, بما في ذلك قطاع الخدمات الأساسية والتكميلية.

فالصناعة هي المنتج الأساسي لجميع السلع الغير غذائية, بل وتصنع أيضاً الكثير من الأغذية, والأدوات لتصنيع الغذاء, والعلاج وغيرها, وبذلك نرى بكل وضوح التبعية الكاملة لجميع القطاعات الاقتصادية للقطاع الصناعي  بشقيه الاستراتيجي والاستهلاكي.

ونرى بكل وضوح أن القطاع الصناعي هو القطاع الأكثر وضوح وشفافية في مصادر فائض الإنتاج, وإن كان مختلف حتى اليوم بين الفكرتين الأساسية في العالم, نظام الملكية الخاصة التقليدي, ونظام المناهضة للملكية الخاصة والدعوة لتغيرها, وحول مصدر الربح بالتحديد, حيث يخلط المفكرين الاقتصاديين الرأسماليين بين القوى العاملة والخامات ويعتبر رأس المال هو المصدر الأساسي للربح, بينما لو وضعنا النقود لوحدها في صندوق وتركناها مركونة لعشرة أعوام, ما الذي سيتغير عليها,

 هل سنجدها تكاثرت خلال هذه المدة؟

إن الرأسمال كما يسمونه لا يعني شيء بدون النظام الذي يتيح لمالك هذه الوسائل للإنتاج أن يستغل الآخرين, وأن يستحوذ على المنتوج الاجتماعي الذي أنتجوه بكامله مقابل ما يدفعه لهم من أجر, إن النظام هو من أتاح هذا الشكل من الاستغلال, ولا علاقة للبنية وتطورها بالأمر, وقد يتواجد هذا النظام في أشكال متنوعة ومختلفة من التطور الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي والرقمي والثقافي.

ومن أبرز مهام هذا القطاع أنه هو من يحدد المقاس والمعيار العام للربح, حيث هو أول من يصدر فائض الإنتاج وبالتالي فائض القيمة, والربح, و معدله ونسبته بل وكيفية توزيعه بين المشاركين في العملية الإنتاجية و التسويقية لإكمال الدورة الإنتاجية بتابعياتها التسويقية, ويكاد يحدد التوزيع النسبي بينهم, من حيث الجهد المبذول كماً ونوعاً, فهو من يعرف ويحدد قيمة الجهد المبذول ومقدار ما ينتجه هذا الجهد نوعاً وكم في الساعة الواحدة مثلاً, وبذلك يبقى هو وفي حقله يكمن المعيار الأساس , الجهد المبذول المنظم ووسائل الإنتاج  وأدوات العمل والخامات الضرورية للإنتاج, وهنا بالذات تولد السلعة الجديدة من خامات وجهد مبذول تحول إلى شكل جديد تجتمع فيه هذه الخامات لتشكل شيء جديد في الواقع لم يكن موجود قبل ذلك, وله حاجة اجتماعية استعماليه واستهلاكية ما مما يجعله مطلوب في السوق.

إن القطاع الصناعي هو الحقل الذي تولد به المعاير الإنتاجية لمقدار إنتاج ساعة العمل, وبذلك فائض القيمة والربح, وبغض النظر عن الجوانب التفصيلية والمساوئ المحتملة بسبب تطور التكنولوجيا, وبقاء ساعات العمل على ما هي عليه, وغيرها من الإشكاليات يبقى قطاع الصناعة هو الأفضل والأساس والأكثر أنصاف ووضوح كمعيار ومنتج أساسي للربح وفائض القيمة, ولكنه بحاجة إلى تنظيم وضبط.

فالإشكالية ليس في القوانين الطبيعية للإنتاج, و طبيعته التكنولوجية أو العلمية أو الهيكلية الدينامكية التقنية, بل المشكلة أساساً تكمن في النظام القانوني والعلاقات ونظام الملكية الخاصة ذاته, وفي المجتمع الجديد نحن ليس بحاجة إلى تغير البنية الأساسية التقنية للمجتمع بل جل ما نريده هو تغير النظام والعلاقات القانونية والنظامية بين الأشياء والإنسان والواقع والحياة والاقتصاد والطبيعة والآخرين, نحتاج إلى تغير بعض القضايا الهيكلية الإدارية الطابع التابعة مباشرة لنظام الملكية الخاصة والناشئة عنه والمكملة له, هذه تحديداً ما نريد التخلص منها واجتثاثها كمفاهيم وقوانين وكواقع فعلي.

ولذلك أوردنا نقطة قانونية خاصة بموضوع الرقابة على الربح في المجتمع الجديد, حيث لا بد من معيار واضح للربح, ويبدأ من الصناعة والإنتاج الصناعي مباشرة, (أما الزراعي فيترك لمكانه حيث قيمة الإنتاج ا لزراعي شيء مختلف ويجب أن يحدده القطاع الزراعي ذاته)

إن ضبط ومراقبة الربح بشكل عامل هام وضروري للحفاظ على توازن أسعار السلع و السوق من خلال معيار ثابت ومتناغم مع التطورات الإنتاجية وحركة الإنتاج نفسها, فهنا تنتج السلع وهنا يُعرف ما تأخذه من جهد ومن خامات, وهنا تُعرف تكلفت أنتجها الفعلية, وهنا يدخل كل جديد ويؤثر في تخفيض أو رفع تكلفة الإنتاج, وهذا كله يمكن مراقبته عن كثب وتقديره بشكل شبه دقيق, ولذلك هو المكان الأمثل لتحديد تكلفة الإنتاج وبذلك معدل الربح ونسبته.

وفي المجتمع المعاصر وصلت معدلات الربح إلى مستوى خيالي وغير مسبوق في جميع المجالات, وخاصة على ضوء القفزات النوعية التي حققتها التقنيات الرقمية الحاسوبية في اندماجها مع العملية و الإنتاج مباشرة, ولم يعد أحد يعرف مقدار و معرفة الأرباح, ولو أخذنا مقياس زمني مثلاً, قبل 50 عام كم كانت تكلفة إنتاج الحذاء, وقارناها مع سعره في حينها, وسنجد أن الربح كان يقارب 100%كمعدل وسطي, وسنلاحظ أن هناك وضوح في العملية الإنتاجية, أما اليوم فالفارق بعد خمسين عام أصبح خيالي في الكم والنوع و الجودة وغيرها من الفوارق في آلات و وسائل الإنتاج, وحين نبحث عن معدل الربح سنتفاجأ أنه قد تضاعف عدة مرات وقد يصل إلى عشرة أضعاف وأكثر في بعض الأحيان, ناهيك عن الغموض الذي يلف الكثير من الجوانب والتكاليف الغير مباشرة ولا واضحة.

كما ولاحظنا الميل الدائم والمتواصل لانخفاض الطلب على الأيدي العاملة, والميل الدائم والمطرد لزيادة العرض, مما يعني الارتفاع المستمر والمتواصل في البطالة و تزايد في جيش العاطلين عن العمل, وهذا من أهم الأزمات التي أصبحت ملحة وبحاجة إلى حلول عملية قدمنا جزء منها, وها نحن في طريقنا لإكمال المسيرة التي بدأت بحرف ثم كلمة فجملة ففكرة فكتاب ونظريات.

من الضروري قانونياً وقف أي امتلاك أو احتكار فردي للموارد الأساسية للبلاد وثرواتها , مثل النفط أو الغاز أو المعادن الثمينة أو أي مواد أو خامات هامة  أخرى.

رماز الاعرج



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الصّراع المفتوح و الشّرق المذبوح بقلم وديع القس

الصّراع المفتوح ..و الشّرق المذبوح..!!.؟ شعر / وديع القس / منذُ الخليقة ِ في الأموالِ شيطانِ والإنسُ سيَّدهُ كالربِّ سلطانِ / وشهوةُ الشرِّ ...