السبت، 26 يونيو 2021

الوردة ‏الشهيدة ‏بقلم خالد ‏كمال ‏عز ‏الدين

-   الوردة الشهيدة  -

                         ( قصة قصيرة )
      
                       خالد كمال عزالدين 

كم هو جميل ذلك المنزل الريفي الذي إستأجرهُ ( حسن ) لقضاء عدة أشهر به 
فحسن شاب وسيم بهي الطلعة عمره ثلاثة وعشرون 
عام
تخرج حديثاً من كلية الهندسة وهو أيضاً خرّيج معهد موسيقي ويجيد العزف على آلة ( الكمان ) 
وكان قد قرر أنه عندما يتخرج أن يقضي بضعة شهور في هذهِ القرية الريفية بعيداً عن صخب المدينة وعبق ضجيجها 
والمنزل الريفي الذي استأجره يقع على أطراف القرية مؤلف من طبقة واحدة وله حديقة جميلة يحيط بها سور حجري بإرتفاع 150 ( سم ) ويجاورهُ منزل آخر مؤلف من طبقة واحدة له حديقة جميلة أيضاً  يفصلها عن حديقة منزله السور الحجري  الذي يحيط بمنزله 
       
                              *     *     *

مضى عدة أيام على إقامة (حسن ) في المنزل الريفي واليوم كعادته مع كل اشراقة تناول ( قهوته ) الصباحية وخرج إلى الحديقة جلس على إحد المقاعد وراح يعزف على ( كمانهُ ) مقطوعات موسيقية جميلة دون أن يلحظ تلكَ العينين    اللتين تراقبانهُ بهيام و شَغَف
تلكَ العينين الزرقاوين اللتين تفيضان عشقاً واقبالاً  على الحياة 
إنهما عينا ..
(  عشقشام  )

                              *     *     * 

  (  عِشِقْشَامْ  )
  
   فتاة جميلة زرقاء العينين رشيقة القوام قاربت العشرين ربيعاً من العمر
وهي تقيم مع والدها في المنزل المجاور لمنزل حسن 
وعِشقشَامْ  فتاة ريفية بسيطة .. تستيقظ  باكراً في كل يوم وتوقظ والدها الذي يذهب للعناية بأشجار البستان الذي يملكهُ وهو بعيد يقع في سهل القرية ويلزمه مسير اكثر من نصف ساعة من منزله
بينما تقوم  عٍشقشَامْ  بالعناية بحديقة منزلهم وسقاية الشجيرات والمزروعات 
وكان بالحديقة شجيرة ورد بها وردة حمراء وحيدة و الوردة كبيرة وجميلة جداً  ولها عناية خاصَّة من عِشِقْشَامْ  
فعِشِقْشَامْ كانت تتعامل مع هذه الوردة وكأنها صديقة لها ولهذا كانت توليها إهتماماً كبيراً 
فعِشِقْشَامْ كانت تعاني الوحدة حيث أن منزلهم بعيد نسبياً عن القرية ولا يجاورهم سوى المنزل الذي استأجرهُ حسن والذي يملكه إحد أثرياء القرية ويقوم بإيجاره ( للمصطافين ) وهو معظم الأوقات خالي 
        
                              *     *     *

أنهى حسن  عزفه على آلة ( الكمان ) ودخل إلى المنزل

                              *     *     *

تابعت عِشِقْشَامْ  حسن بناظريها حتى دخل إلى المنزل وأطلقت تنهيدة وقالت هامسة :
- يا لَعزفكَ ما أجمله .. كم أنت رائع أيها الشاب .
من ثم ذهبت إلى الوردة الحمراء وداعبت وريقاتها الجميلة بأناملها الرقيقة وحدَّثتها قائلة :
- آه ياوردتي الجميلة .. ليس لي سواكِ أبوحُ لها .
ثم نظرت بإتجاه منزل حسن وتابعت قائلة :
- يبدو أن صديقتك غزاها العِشق وسيطر على كل خلية 
   بكيانها .

                                *     *     *

قرب حلول المساء ذهب حسن إلى سوق القرية ليتبضَّع بعض حاجياته 
بينما كانت عِشِقْشَامْ  تقوم بطهي الطعام لها ولوالدها الذي إقترب وقت عودتهُ من البستان
وفي الحديقة 
كانت الوردة الحمراء تسمو بكبرياء مباهية باقي ازهار الحديقة بجمالها عندما كانت تطير بالقرب منها فراشة جميلة زاهية الألوان 
وكانت الفراشة تنتقل من زهرة إلى أخرى حتى اقتربت من الوردة الحمراء ووقفت أمامها ترفرف بجانحيها
الجميلين وتنظر إليها بإفتتان 
قالت الفراشة وهي تنظر إلى الوردة :
- يالكِ من وردة جميلة .
ازدادت إحمرار ورقات الوردة  
وردَّت على الفراشة قائلة :
- اشكركِ .. وأنتِ أيضاً فراشة جميلة .
الفراشة :
- قضيت معظم حياتي أتنقَّل بين الزهور والورود 
   وما رأت عيني وردة بروعتكِ .
من ثم طارت الفراشة حول الوردة وعادت ترفرف بجانحيها أمامها وقالت :
- ياترى ماسر جمالك .
ردَّت الوردة :
- الإهتمام .. لي صديقة تقوم بالعناية بي .
الفراشة :
- أهي وردة أيضاً .
ضحكت الوردة وقالت :
- طبعاً لا .. وسأقول لك سراً لا أحد يعلمه .
الفراشة :
- ماهو 
الوردة :
- جميع الورود تغار من بعضها .
ابتسمت الفراشة وقالت :
- إذاً من الذي يهتم بك .
قالت الوردة :
- صديقتي عِشِقْشَامْ .. إنها من بني البشر .
قالت الفراشة بإشمئزاز :
- البشر .. أنا لا أحبهم .. إنهم عديمي المشاعر .
ردَّت الوردة :
- ليس جميعهم .
قالت الفراشة :
- هنيئاً لكِ بصديقتكِ .
الوردة :
- ما رأيكِ أن تصبحي أنتِ أيضاً صديقتي .
تهللت أسارير الفراشة وقالت :
- يسعدني ذلك .
الوردة :
- وأنا أيضاً و أتمنى أن تأتي باستمرار لزيارتي .
الفراشة :
- أكيد .. ألم نصبح أصدقاء .
الوردة :
- لم تقولي ما اسمكِ.
الفراشة :
- اسمي زاهية .. وأنتِ .
ردَّت الوردة :
- أنا اسمي رحيق .
الفراشة :
- سررت بمعرفتكِ 
الوردة :
- وأنا أيضاً 
نظرت الفراشة إلى السماء وقالت : 
- لقد بدأت نسائم الليل تتعَشَّق بأنفاس النهار وسيحل    
   الظلام  قريباً بعد أن يحتضن الليل معشوقتهُ السماء 
    و لابد لي من الذهاب .
الوردة :
- عديني قبل أن تذهبي أنكِ ستزوريني من حين لآخر .
الفراشة :
- أعدك .. والآن إلى اللقاء .
الوردة :
- إلى اللقاء ياصديقتي .

                              *     *     * 

مرَّت عدَّة أيام وفي كل يوم كانت عِشِقْشَامْ  تراقب حسن من خلف سور حديقتها وتستمع لمعزوفاته الرائعة  وتذهب إلى وردتها الجميلة لتشتكي إليها لهفات العشق وفي هذا اليوم أيضاً كانت تقف عِشِقْشَامْ عند وردتها وتناجيها قائلة :
- آه ياوردتي الجميلة لو تعلمي كم الشوق يأكلني 
   لكي أتحدَّث معه .. لكن عفتي تمنعني .. ياليت 
   هناك طريقة ما لألفت نظرهُ بها .     
صمتت عِشِقْشَامْ قليلاً ونظرت إلى منزل حسن وتابعت قائلة :
- حتى أنهُ عندما يجلس في الحديقة يولي ظهرهُ إلى               
   حديقتنا وينظر بإتجاه نافذة منزلهُ لا أدري مالذي 
    يعجبه بتلك النافذة الذي ينظر لها طوال الوقت .
من ثم نظرت عِشِقْشَامْ  إلى الوردة وقالت :
- آه ياوردتي لو أنهُ يولي وجههُ إلى حديقتنا لكنت 
   وجدتُ ألف طريقة ألفت نظرهُ بها . 
قالتها عِشِقْشَامْ  وذهبت متجهة إلى البيت لتبدأ تحضير الطعام 
نظرت إليها الوردة وهي تبتعد وهمست قائلة :
- لستِ بحاجة ياصديقتي لإيجاد طريقة للفت نظره 
    بها  يكفي أن يرى عينيكِ الرائعة وسينفجر بركان 
    الإفتتان داخل ضلوعهُ وستتناثر حمم أشواقهُ لتلهب
    المكان كله بأجواء العِشق الحارق .
صمتت الوردة قليلاً ثم قالت :
- لابد أن أجد طريقة لإسعد قلبكِ بها .. لابد 

                              *     *     *

في صباح اليوم التالي كانت عِشِقْشَامْ تحمل دلو ماء 
وتسقي المزروعات عندما خرج حسن وجلس بمكانهُ المعتاد وبدأ يعزف على آلة ( الكمان ) 
اقتربت عِشِقْشَامْ من سور الحديقة ووضعت الدلو فوق  السور واستندت على السور بالقرب من الدلو ووضعت يديها على خدودها الموردين وسافرت بخيالها فوق بحار العِشق تشاهد أمواج الغرام وهي تتراقص على ألحان معزوفات حسن 
بعد مرور بعض الوقت توقف حسن فجأة عن العزف 
وعادت عِشِقْشَامْ  إلى رشدها ونظرت إلى حسن الذي 
وضع كمانهُ  جانباً و نهض واقترب من نافذة منزله ورفع يده مفرودة وقبَّل رؤوس أنامله وفرد يده بإتجاه النافذة وكأنه يقذف بالقبلة إلى النافذة 
صدمت عِشِقْشَامْ وقالت محدثة نفسها  :
- لمن رمى القبلة  .. أيعقل أن يكون معه أحد في 
   المنزل  .. لكني لم أشاهد احداً غيره ... ربما معهُ 
   زوجة لم أشاهدها .
من ثم استدارت واتجهت إلى المنزل وعيونها تدمع وهي تقول  :
- يالك من غبية يا عِشِقْشَامْ ... كيف لم تفكري بأنهُ 
   ربما يكون مرتبط بفتاة ما .
مسحت دموعها وقالت:
- يالا حظي العاثر ... أول مرة  أُغرَم  بها بحق غُرمت
   برجل متزوج . 
صمتت من ثم قالت بحزن :
- سأذهب إلى سوق القرية لجلب بعض الحاجيات 
   علِّي  أنسى ألمي بمشاهدة مافي السوق  .

                             *     *     *

عند انتصاف النهار كانت الوردة الحمراء غارقة بالحزن 
لما اصاب صديقتها فلم تلحظ صديقتها الفراشة التي جاءت لزيارتها حتى سمعت صوتها تقول :
- مرحباً يا رحيق .
ردَّت الوردة بصوت باهت :
- أهلاً زاهية .
تأملت الفراشة صديقتها الوردة وقالت :
- ماذا أصابك ياصديقتي لما انت حزينة هكذا .
اطلقت الوردة تنهيدة حزينة بعمق من ثم بدأت تروي سبب حزنها لصديقتها الفراشة 

                             *     *     * 

(  تباً لك ولبضائعك  ) 
  
قالتها عِشِقْشَامْ  وهي تبتعد عن إحد البسطات المنتشرة في سوق القرية تحت  أنظار البائع 
المذهول من تصرفها بعد أن أعلمها بسعر الرداء 
  الذي سألته  عن ثمنهُ      
حقا هي لا تعرف لمَ فعلت ذلك فاليوم تشاجرت 
أيضاً مع البقال ومع الجزار ومع الخيَّاطة 
حتى إنها ذهبت إلى المختار و ( تنخَّعت ) بوجهه 

حدَّثت نفسها مفكرة وهي تسير :
- لكن لو كانت زوجتهُ لكانت خرجت وجلست معهُ 
   بالحديقة .
مشت بضع خطوات وهي تفكر وتحدث نفسها : 
- كم أنتِ غبية يا عِشِقْشَامْ .. لما لم أفكر أن أمهُ معهُ 
   وربما هي كبيرة في السن و طريحة في الفراش 
   لذلك هي لا تستطيع الخروج إلى الحديقة .
سرَّت لِما وصلت إليه من استنتاج فصرخت بفرح وقد 
نسيت نفسها أنها في  السوق :
- نعم هذا هو التفسير الوحيد .. هي أمه .
و فجأة صمتت بعد أن  شاهدت أهل القرية ينظرون إليها ويضحكون من تصرفها لكنها لم تبالي 
ابتسمت في وجوههم وأكملت طريقها 

                             *     *     * 

كانت الوردة قد حكت للفراشة كل شيء 
وكانتا تفكرا بكيفية مساعدة عِشِقْشَامْ  بلفت نظر حسن إليها وكلما  اقترحت احداهن فكرة يتَّضح أنها لا تنفع 
كانت الوردة  تفكر وهي تنظر باتجاه منزل حسن عندما
لاحظت وجود الدلو فوق سور الحديقة 
فقالت فرحة :
- وجدتها .
قالت الفراشة :
- ماذا وجدتِ يا أرخميدس .. أقصد يا رحيق .
قالت الوردة :
- لو أننا نستطيع أن ندفع الدلو ليقع بحديقة الشاب 
   لإنحلَّت المشكلة .
زاهية :
- كيف 
رحيق :
- عندما يشاهد الشاب الدلو سيردّه إلى عِشِقْشَامْ  
   فيكون اللقاء .
زاهية :
- وإن لم يشاهده . 
رحيق :
- تفتقده عِشِقْشَامْ وتتذكر أنها وضعته على السور 
   وعندما تشاهده واقع في الطرف الآخر سوف تنادي 
   على الشاب كي يعيده إليها وهكذا يلتقيان .
فكرت الفراشة قليلاً وقالت :
- وماذا إن لم يُعجب بها بعد أن يلتقيان .
ضحكت الوردة وقالت :
- هو فقط يرى عيونها وبعدها ستصل إلى أهل الأرض 
   عدَّةُ رسائل عبر موجات المايكرو ويف  وموجات
   الراديو والحزمات الضوئية من عدِّة كواكب تخبرهم 
   بوجود كائنات عاقلة بتلك الكواكب .
الفراشة :
- وكيف سيحصل ذلك 
الوردة :
- لأنه عندما يرى عينيها ستُسْمَع دقات قلبهُ في جميع 
   أرجاء الكون وسيتم إستقبال نبضات قلبهُ من 
   الكائنات الفضائية على إنها رسائل منتظمة من 
   كوكب الأرض تعلمهم بوجود كائنات عاقلة هنا 
   لذلك سيحاولون الاتصال بأهل الأرض .
نظرت الفراشة زاهية إلى الوردة رحيق بتعجب من ثم نظرت إلى الفضاء بغباء 

                            *     *     *

بقيت الفراشة زاهية تطير مسرعة و تصدم الدلو لعدة مرات دون أن يتزحزح من موضعه 
فرجعت إلى الوردة الحمراء وهي تترنح وتتألم 
وقالت :
- ( اينو تِيل ) .. لا جدوى 
رحيق :
- نحتاج إلى قوة أكبر كي ندفع الدلو .
نظرت زاهية مفكرة وقالت بعد أن نظرت إلى إحد أرجلها :
- تباً .. لقد كسرت إحد أظافري .
نظرت لها رحيق وضحكت 
وقالت :
- يبدو أنك فقدت إتزانك يا زاهية بعد كثرة الارتطام 
   في الدلو .. وهل لدى الفراشات أظافر يا بلهاء .
زاهية :
- تباً .. صرت أفكر مثل فتيات البشر ( السطحيات ) .
من ثم صرخت زاهية وكأنها وجدت كنز :
- ليس لنا سوى غَرِيدْ .
قالت رحيق :
- ومن هذا غَرِيدْ 
ردَّت زاهية :
- أنهُ صديقي ..( سيه مونامِي ) .. وهو عصفور لطيف
   سأذهب واناديه عله يجد طريقة ما لمساعدتنا .. إن 
   عشه قريب من هنا .
قالتها زاهية و طارت اليه 

                              *     *     *

إن غرِيد عصفور جميل بحق
ها هو ذا يرفرف بجانحيه وهو يقف بجانب زاهية و رحيق يستمع منهما إلى القصة وما إن طلبا مساعدته 
في الأمر حتى انتفض وقال :
- الم تجدن أحداً غيري .. أنا لا اساعد البشر الأشرار .
قالت رحيق محتدَّة :
- أنت عصفور أناني .
نظر غرِيد اليها وقال مكسوراً :
- أنا ..  أناني .. إذاً اسمعي قبل أن إطلاق أحكام 
  لا صحة لها .
نظرت إليه رحيق وكذلك زاهية 
فنظر إلى السماء بحزن وتنهَّد بأسى 

                                *     *     *

قال غرِيد:
- كان لي زوجة .. عصفورة جميلة رقيقة .. رائعة 
   وكان اسمها ( زقزوقة ) 
   منذ  أن شاهدنا بعضنا أول مرّة تفجَّر كون جديد بين 
   ثنايا الامواج الفائقة في العدم معلنا عن ولادة 
   عاشقين جديدين 
   كانت زقزوقة أرق و أحن و ألطف عصفورة رأيتها 
   بحياتي .. كافحنا أنا وهي ورحنا نجمع قشَّة من هنا 
   وورقة يابسة من هناك تحت سياط الشمس المحرقة 
   حتى تم بناء عش الزوجية الخاص بنا 
   ولم يمضي عام حتى وضعَت زقزوقة عدة بيوض ..
    لا استطيع  أن  أصف لكما مدى سعادتنا عندما بدأت 
   قشرة أول بيضة تتكسر وقد أشرق وجه بِكرِنا منها 
   وبدأنا نشاهد فرَاخِنا للمرة الأولى 
   كانت سعادتنا لا توصف 
   وفي إحد الأيام عندما كنا نحتضن أطفالنا أنا و
   زقزوقة في الليل .. تفاجئنا بوجود ابن آوى وقد 
   وصل إلى عشنا وكاد أن يفترسنا .. فأوحينا له أنه
   لدينا أطفال و ترجيناه بنظراتنا .. ونظر إلينا وإلى 
   فراخنا وهو يواجه صراع مرير بين جوعه و رحمته 
   وأخيراً رحل عنا معلناً انتصار رحمته على جوعه 
   وفي اليوم التالي كنا أنا و زقزوقة نقوم بالبحث عن 
   طعام من أجل إطعام اطفالنا .
تنهد العصفور  و دمعت عينيه وقال بصوت باكي :
- وعندما عدنا الى عشنا شاهدنا بعض فتيان البشر 
   وهم يقتلون أطفالنا بكل توَّحش و همجية ..
   ويضحكون وهم يخرِّبون عشنا ... لا أستطيع وصف 
   وحشية المشهد و قساوته .. ( يبكي بحرقة ) ..
   لقد تمزق قلبي وقلبها و انفطرا حزنا  و ألما ..
   و رحلنا بعدها وقمنا ببناء عش آخر ( بنفسيتينا )
   المحطمتين ... كنت أكابر على نفسي لكي لا أبكي 
   امام زقزوقة  خصوصا وان قلبها محطم .
تنهد غرِيد بعمق وتابع قائلا :
- وكنت دائما أخترع بعض الألعاب لأسلِّيها و انسيها 
   المصاب الجلل وأحاول ان اثنيها عن الذهاب الى 
   أطلال عشنا القديم مكان حصول المجزرة ..
   وفي احد الايام وبينما كنا نطير قرب احد الأشجار 
   وشاهدنا عش لعصفورين كانا يطعما صغارهم 
   فما ان شاهدت زقزوقة المنظر حتى تذكرت ابناءنا 
   فانهارت و أجهَشَت بالبكاء وبعد محاولات كثيرة 
   لكي اواسيها و أخفِّف عنها اقترحت عليها أن نقيم 
   سباق حتى عشنا ومن يكسب له الحق بتقبيل الآخر
   عشر قبلات ...
ابتسم غرِيد بمرارة وحزن من ثم تنهد وتابع :
- و بدأنا نتسابق ونحن نضحك بسعادة وفجأة 
    ( طاااخ )
   دوى ذلك الصوت المُقزز  .. صوت طلق ناري .
بدأت دموع غرِيد  تنهمر بغزارة وتابع قائلا بصعوبة 
وبصوت مخنوق وباك :
- نظرت الى زقزوقة فشَاهدتها تهوي إلى الأسفل 
   بسرعة ودِمائها تتطاير كالعَبير  .. صرخت بكل وجع 
   الدنيا وكل ألم الكون 
   صَدح صوتي وفي ثناياه أصوات تحطم كل القلوب 
   المكسورة على مر العصور :
   ( زقزووووقة ) 
   لحقت بها الى حيث سقطت وكانت تَتَلوَّى من شدة 
   الألم وانا الذي كنت أحس بكل براكين العالم تصب 
   حِمَمِها بقلبي لو رأيت دمعة بعين زقزوقتي فكيف 
   وانا شاهدها على هذا النحو و اكاد اقسم ان لحظتها 
    لو سكبوا كل بحار و محيطات العالم على قلبي لما 
     استطاعوا إطفاء نيران لوعَاتي على معشوقتي ..
     نظَرَت زقزوقة إلي وقالت وهي لا تكاد تقوى على 
     الكلام :
     اهرب يا غرِيد  .. ارجو .. ارجوك  ات .. دعني 
     واذهب .
     صرخت بلهفة المَفجُوع :
     لن أتخلى عنك يا محبوبتي .. أموت معك ولا اتركك 
      نظرت إلي بحزن وقالت :
       ارجوك .. اذ .. هب يا حبيبي .. لا تك .. لا تكسر ..
       قل .. قلبي.. فأنا ..لا أحتمل .. أن يلحق .. بك أذى
      ار  .. ارجوك ..
     صرخت قائلا :
      لن اتركك يا زقزوقة 
     نظرت إلي وهي تتألم أنفاسها تتسارع وقالت 
     بصعوبة وهي بشبه غيبوبة :
      أحبك .. يا .. غرِيد 
      من ثم شَهَقَت آخر أنفاسها  .. رحلت زقزوقة 
      صرخت و صرخت و .. صرخت 
     جننت .. لطَمت  ..  احترق كياني .. فقدت عقلي 
      صرتُ أضرب قلبي بجَانِحِي بغِل واصرخ قائلاً :
      توقف يا حقيير .. لِمن مازلت تنبض ومعشُوقتِك 
     رحلت .. ألا تخجل من نفسك .. هيا توقف .. هيا 
    كي ألحق بمَعشُوقتي .
    وانتظرت عند رَيحانَتي كي يَأتُ ويلحقونَنِ بها 
    لكن لم يأتو ... اتدرِيا لماذا .. لأنهم كانوا يتصيدوا 
    العصافير لمجرد التسلية .. للتسلية فقط .
ثم طار غرِيد  عالياً وهو يصرخ قائلاً :
-  أنا أكره البشر .. اكرَهَهُم .. أكرهَهُم .
و تساقطت دموعه فوق رحيق و زاهية 
قالت رحيق وهي تمسح دموع غرِيد عن وريقاتها :
- يالا المسكين .

                          *     *     * 

وصلت عِشِقْشَامْ إلى البيت ودخلت مسرعة من الحديقة وهي تحدث نفسها قائلة :
- سأرتدي الثوب الجديد و أراه كيف سيبدو  علي
  وبعدها سأخرج إلى الحديقة لأجد وسيلة ما
  ألفت نظره بها .
قالتها عِشِقْشَامْ ودخلت إلى المنزل 

                         *     *     *

بينما رحيق و زاهية تفكران بحل لدفع الدلو إذ بهرة 
تدخل إلى الحديقة 
نظرت رحيق إلى الهِرّة وقالت :
- لقد جائت الهرة الشقية تبا لها .
نظرت زاهية إلى الهرّة وقالت بفرح :
- لدي فكرة .
رحيق :
- ماهي .
زاهية :
- سأقوم و أقترب من الهرّة حتى تطاردني و سأذهب 
   و أقف على طرف الدلو عندها تقفز الهرّة كي تمسك 
   بي و تصطدم بالدلو ويقع على الطرف الآخر .
رحيق :
- لكن هذه الخطة فيها مخاطرة وقد تلحق بك الأذى 
   تلك الهرّة الشقية .
زاهية :
- لا عليك استطيع تدبر الأمر .

                             *     *     * 

خرج حسن من المنزل إلى الحديقة واتجه إلى المقعد كي يجلس عليه بنفس الوقت الذي الذي فيه كانت الهرّة تطارد زاهية حتى وصلت زاهية الى الدلو ووقفت عليه و قفزت الهرّة ابتغاء التقاط الفراشة و اصطدمت
بالدلو الذي سقط في حديقة حسن بينما حلقت زاهية 
عاليا و كان حسن قد شاهد ما حدث و اتجه إلى الدلو 

                              *     *     * 

ما إن خرجت عِشِقْشَامْ من باب المنزل إلى الحديقة وهي ترتدي الثوب الجديد حتى فوجئت بحسن يقف 
أمامها وهو يحمل بأحد يديه الدلو 
وقفا يتبادلان النظرات لفترة وقد إفتَتَنا أكثر ببعضهما 
أخيرا قال حسن :
- لقد سقط قلبي .. أقصد لقد سقطت حديقتي بلدلو 
   .. أقصد سقط ( دلوكم ) في حديقتي .
قالت عِشِقْشَامْ وهي ترتبك :
- شكر لك .
اعطاها الدلو فأخذته منه وقالت بإحتيال لفتح
 حديث معه :
- أ أنت المستأجر الجديد للمنزل المجاور لنا .
حسن :
- نعم أنا .. إسمي حسن .
عِشِقْشَامْ  :
- أهلا بك في قريتنا .. وأنا اسمي عِشِقْشَامْ. 
حسن : 
- اسم جميل لفتاة رائعة مثلك .
نظرت عِشِقْشَامْ إلى اسفل بخجل وقالت :
- شكرا لك .. هل تسكن وحدك بالمنزل .
حسن :
- أجل .
نسيت نفسها للحظة وقالت :
- إذا لمن رمي...
سكتت وقد انتبهت قبل ان تصبح بموقف محرج
حسن :
- ماذا 
عِشِقْشَامْ :
- لا شيء اريد ان اقول انني سررت بمعرفتك .
حسن :
- وانا ايضا .
كان الاثنان مرتبكين وبنفس الوقت يحاولان اطالة الحديث وهما يسترقا النظر لبعضهما 
نظرت عِشِقْشَامْ الى عينيه وقالت :
-  انت تعزف عزف جميل على الكمان .
قال حسن في نفسه :
( ليس بجمال عينيكِ ) 
من ثم قال لها : 
- هذا لطف منك .
نظر الى المنزل وقال لها :
- من يسكن معك بهذا المنزل .
قالت عِشِقْشَامْ وهي تستَرِق النظر لعَينَيه : 
- أنا وأبي .. وأبي يذهب باكراً الى البستان ولا يعود 
  حتى المساء .
أحبت أن يطول حديثها معه وتابعت قائلة :
- لي أخت متزوجة وهي تسكن بدمشق ولي أخ يعمل 
   بميناء طرطوس وقد تزوج أمرأة من تلك المدينة
    واستقر هناك وهو يأتي لزيارتنا كل بضعة أشهر .
كان الارتباك والتخبط باديين على حسن لكنه مثلها صار يطيل الحديث 
حسن :
- هل والدتك تذهب مع والدك الى البستان . 
أطرقَت عِشِقْشَامْ رأسها بأسى وقالت بحزن :
- والدتي توفَّاها الله منذ عامين .
ادمعت عينيها وتابعت قائلة :
- ماتت بذلك الوباء اللعين الذي اجتاح العالم حينها .
احس حسن أن قلبه إحترَق وقد آلمهُ حزنها فقال لها 
حسن :
- رحمها الله .
كانت عِشِقْشَامْ تمسح عينيها من الدموع حين تابع قائلا وقد احس انه من الذوق ان يذهب 
حسن : 
- على كل حال سررت بمعرفتك .
بديهياً عرفت عِشِقْشَامْ أن اللقاء قد انتهى و سارعت  
تقول :
- وانا تشرفت بمعرفتك .. وبصراحة عزفك على آلة    
   الكمان جعلني أعشق هذه الآلة ياليت كان عندنا 
   بالقرية من يعلم العزف على  الكمان .
استغل حسن الفرصة وقال :
- إذا احببت انا اعلمك العزف .
عِشِقْشَامْ:
- حقا .. هذا لطف منك .
حسن :
- متى تريدي انا تحت امرك .
عِشِقْشَامْ:
- إذ كان وقتك يسمح ألقاك غدا صباحا عند سور 
   الحديقة ونتحدث بالموضوع .
أجابها حسن بالموافقة وحيَّاهَ و انصرف 

                              *     *     *

كانت رحيق و زاهية تراقِبا ما جرى بين حسن و عِشِقْشَامْ  من مكانهما 
قالت رحيق :
- كم أنا سعيدة الآن .. أشكرك ياصديقتي .
زاهية :
- أنت صديقتي و أنا أفعل أي شيء لأجلك 
   والآن أنا ذاهبة .
رحيق :
- إلى أين .
زاهية :
- إلى صديقي العصفور لأطيَّب خاطره .
رحيق :
- بلّغيه أسفي وحزني لأجله .

                            *     *     *

مرَّت عدة أيام وفي كل يوم تلتقي عِشِقْشَامْ مع حسن عدة مرات .
كانا يتحدَّثان عن كل شيء .
هي تحدثه عن جمال طبيعة القرية .
وهو يحدثها عن دفء دمشق واخبار الياسمين .
وقد نسيان او تناسيا موضوع دروس العزف على الكمان نهائيا .
وأخيرا صرح  حسن بحبه لها .
هي ايضا صارحته بحبها له .
وكانا يقضيا اوقات ممتعة وكان يعزف لها على الكمان 
والوردة الحمراء كانت تراقبهما من بعيد بسعادة مع إنها من ناحية ثانية كانت حزينة لأنه قل اهتمام عِشِقْشَامْ بها 

                            *     *     * 
أشرق نهار جديد .
خرج والد عِشِقْشَامْ من المنزل وذهب إلى بستانه .
من ثم خرجت عِشِقْشَامْ للقاء بحسن عند السور كعادتها .
ومرت من امام الوردة الحمراء من دون حتى أن تلتفت إليها .
نظرت رحيق إلى حيث تقف عِشِقْشَامْ مع حسن و شاهدتهما يتكلما بسعادة فقالت لنفسها :
- كانت في كل يوم تقضي جل وقتها بالقرب مني والآن
   لا تنظر لي إلا نادرا .
ابتسمت رحيق بحزن وتابعت قائلة :
- لكن طالما هي سعيدة أنا أيضا أكون سعيدة .

                           *     *     *

حسن و عِشِقْشَامْ  يقفا عند سور الحديقة ويضحكا 
بسعادة .
قال حسن:
- ياليت ذاك الدلو وقع في حديقتي منذ أول يوم استأجرت به هذا البيت .
ضحكت عِشِقْشَامْ  من ثم قالت :
- قل لي يا حسن لماذا كنت تجلس وتولي وجهك 
   للمنزل .
ضحك حسن وقال :
- هذا سر لن أبوح به .
تصنّعت عِشِقْشَامْ الحزن وقالت :
- هكذا إذاً .
من ثم تذكرت شيئاً ما وقالت بحدَّة :
- صح تذكرت أنت في أحد الايام اقتربت من نافذة 
   منزلك و رميت بيدك قبلة .. لمن كانت تلك القبلة .
صمت حسن وهو يبتسم فنظرت له عِشِقْشَامْ وقالت غاضبة :
- اقسم إن لن تخبرني إني سأذهب فورا إلى المنزل 
   ولن ترى وجهي ثانية .
نظر إليها حسن بحب و احتضن يدها بتلك يديه بحنان 
وقال بدفء :
- لا تغضبي يا حبيبتي سأخبرك .. تلك القبلة كانت لكِ .
قالت عِشِقْشَامْ  باستغراب :
- لي ... أنا .
حسن :
- نعم يا حبيبتي .. فأنا منذ اليوم الأول لفَتّي نظري 
  إليكِ واذا  لاحظتي في اول يومين من سكني هنا   
  كنت اجلس مولي وجهي للطريق بحيث كانت حديقة 
  منزلك على جانبي وكنت كل ما إلتفتت ناحيتك أراك
   تنظرين إلي فكنت اخجل ان ألتفت لأراك ... وأيضا 
   خفت أن اولي وجهي شطر حديقتكِ فيغضبك هذا 
   خصوصا أنك تقضي جل وقتك بالحديقة .. وفي 
   اليوم الثالث لاحظت أن زجاج نافذة منزلي المقابلة  
   لحديقتك تعكس صورة حديقتك  مثل  المرآة .. 
   فلذلك صرت اجلس مولي وجهي إلى النافذة لكي لا
   تغيبي عن ناظري .
قالت عِشِقْشَامْ بسعادة عارمة :
- يا للروعة .. تراني نلت منك من أولى أيامك هنا .
قالتها وهي تشير بسبابتها إلى موضع قلب حسن فضحك حسن و انشد قائلا :
- ما نلتِ مِنِّي .. حتى فتنّي                    .
  رحيق الورودِ على الشِفَاهِ                     .
  أبوح بحبي و أفاخر بأني                      .
  عشقتك وكل الكون أباهي                     .
  لا إخفِ شوقا قد نالَ مِنِّي                     .
  وأقدّس حبك من بعد إلهي                    .

قالت عِشِقْشَامْ  بسعادة :
- لمن هذه الأبيات الرائعة. 
قال حسن:
 -احسب أنها للشاعر ابن كمال 
قالت عِشِقْشَامْ قائلة :
- آه .. خطير الغرام .. خالد ابن كمال عزالدين كم أحب 
  هذا الشاعر .. له قصيدة فائقة الروعة اسمها 
  ( العشق  ملحمة كبرى )  هل قرأتها .
قال حسن محاولا تغيير مجرى الحديث وقد شعر ببعض الغيرة .
حسن :
- دعينا الآن من هذا الشاعر الأبله فهنالك حديث أود 
  التحدث معك به .

                            *     *     * 

أشرق يوم جديد .
وقد  أتت اليوم الفراشة زاهية لزيارة الوردة رحيق .
تفاجئت زاهية بمنظر رحيق الكئيب .
كان الإرهاق يبدو عليها وقد بدأت وريقاتها الحمراء تذبل فقالت زاهية بلهفة :
- رحيق ياصديقتي ماذا حصل لك .
تصنّعت رحيق البهجة وقالت :
- أنا بخير ياصديقتي .
زاهية :
- لا تبدي أنك على ما يرام .
رحيق :
- آه .. اليوم عندما كانت صديقتي عَشُّوقة تسقني الماء 
  وقع من يدها سهوا دلو الماء و تناثر علي الماء فإبتلّت 
  اوراقي لذلك تبدو هكذا .
هكذا اجابت رحيق وهي تحاول مداراة دمعة نزلت منها على احد وريقاتها غصبا عنها وقالت محدثة نفسها :
- آسفة ياصديقتي كذبت عليك كي لا تشغُلي نفسك بي .
لاحظت الفراشة الدمعة وقالت بلهفة :
- رحيق .. أتبكي .
حاولت رحيق اخفاء حزنها وقالت :
- أبكي .. لا هذه قطر الندى .
زاهية باستغراب :
- قطر الندى وقد انتصف النهار .
هنا انفجرت رحيق بوجهها مثل  فتاة كانت صديقة لها 
توجه ملاحظات لها بوجود صديق تحبه وهي تبتسم بوجهها كالملائكة وعندما تركهم صديقها وذهب انفجرت بوجه صديقتها كساحرة شمطاء .
قالت رحيق بحدة :
- ما بك اليوم يازاهية .. أليس لديك غير الحديث عن 
   شكلي .
زاهية :
- آسفة ياصديقتي ... المهم أنا سأغيب عنك لبضعة 
   أيام قد تطول .
رحيق :
- ( واي ) .. أقصد لماذا .
بدا الخجل على زاهية و تورَّدت خدودها وما تحت جناحيها وقالت :
- في الواقع وجدت الشريك المناسب .
رحيق :
- شريك ... هل أنت فراشة أعمال يازاهية .
زاهية :
- لست فراشة أعمال .. أقصد شريكي بالسكن .
ردت رحيق بحداقة :
- فهمت  .. أنت استأجرت منزل مع أحدهم .
ضربت زاهية باحد جانحيها على رأسها وهي تقول :
- ماذا اقول لك ... اسمعي هو شريكي في التزاوج .
رحيق :
- آه .. رياضيات .. تزاوج .. تفارد .. اعداد زوجية ..
   اعداد فردية .
قالت زاهية بحدة :
- رياضيات شو .. فقّعتِ قلبي . 
رحيق :
- (واط ايز دِس  .. فقّعت قلبي  )  .
زاهية :
- لا أدري لكن الكاتب لم يجد ما يماثلها في الفصحى .
من ثم نظرت زاهية ألى السماء مفكرة لبرهة من ثم نظرت إلى رحيق وقالت :
- افهمي يارحيق .. تزاوج يعني يرقات .. سأذهب 
    لحمل اليرقات من شريكي .
 ردت رحيق بغباء :
- اطلبي منه أن يحملها هو وابقي هنا .
قالت زاهية وقد نفذ صبرها :
- يارحيق .. ياصديقتي .. افهمي ارجوك .. اليرقات 
  أحملها  هنا داخل جسمي .
قالتها زاهية وهي تشير بجانحيها  إلى بطنها .
نظرت رحيق اليها ببلاهة وقالت :
- وكيف يتم ادخالها إلى بطنك .
قالت زاهية بغضب :
- رحيق اغربِ عن وجهي ... سلام .
قالتها زاهية وطارت مبتعدة وهي تقول :
- ماكنت اعرف أن الورود بهذا الغباء .. ( تو إبت ) .
رحيق :
- ماذا أصابها .. فراشة جاهلة .

                            *     *     *

بدأت لقاءات حسن و عِشِقْشَامْ تكثر و .. تكثر .
والعشق الكامن بقلبهما .. في كل لقاء .. يكبر .
فتارة يلتقيا عند سور الحديقة .
وتارة يتنزّهان في الحرش المقابل لمنازلهما .
ومرت أيام واسابيع وكانت عِشِقْشَامْ قد نسيت الوردة الحمراء نهائياً  فهي منذ أكثر من شهرين لم تعد تهتم بها . 

                              *     *     *

في هذا اليوم .
وبعد طول غياب .
جائت زاهية لزيارة صديقتها  رحيق .
وما إن شاهدتها زاهية حتى شهقت بألم .
كانت الوردة المسكينة قد يبس جزعها وتساقطت معظم وريقاتها وبضع الورقات التي عليها كانت يابسة 
ولونها مائل للون البني الباهت .
طارت الفراشة إليها وقالت بجزع : 
- رحيق ياحبيبتي ماذا حصل لك  .
نظرت الوردة إليها بصعوبة بالغة وقالت بوهن شديد :
- زاهية .. آه يا .. صديقتي الحبيبة ... كم خفت أن 
   أرحل قبل أن أراك ثانية  .
دمعت عينا زاهية وقالت بألم :
- لا تقولي هذا الكلام .. أرجوك .
ارتسمت شبح ابتسامة على الوردة وهي تقول :
- كنت من أجمل ورود المعمورة عندما كان هناك من   
  يهتم بي .. لكن الآن ..  صرت أبشع وردة .. وها أنا ذا
  أموت عطشى .
قالت زاهية بغضب عارم وبصوت باك :
- سحقا لتلك البشرية .
قالت رحيق بوهن : 
- لا أرجوك ..  لا تسيءِ لها ..
نظرت زاهية إليها بحزن وقالت :
- أنت بحاجة الى الماء فوراً .. يجب أن أتصرف .
                     .   .  
مر بعض الوقت وزاهية تطير من هنا الى هناك باحثة عن وسيلة ما لإنقاذ رحيق .
أمّا رحيق المسكينة كانت في شبه غيبوبة .
هي ما عادت تعي بهذا  العالم شيء .
الآن هي تتذكر عندما تفتحت لأول مرة كانت أول ما رأته هو وجه عِشِقْشَامْ الطفلة .
ومازال صوت عِشِقْشَامْ شام الطفلة يتردد صداه وهي تنادي امها واخواتها تدعوهم لمشاهدة الوردة الجديدة التي تفتحت .
ومنذ ذاك اليوم لم يمضي يوم إلا و عِشِقْشَامْ  تأتي وتهتم بها .
وكبرت عِشِقْشَامْ  وكبرت أحلامها التي كانت لا تقولها لأحد الا لوردتها الحمراء .
                  .   .   
كانت الفراشة تتصرف  كالمجنونة وهي تحاول إيجاد وسيلة لتنقذ صديقتها الوردة .
وفي هذه اللحظة شاهدت العصفور غرِيد يطير عاليا على مقربة منها .
طارت إليه مسرعة وشرحت له الموضوع .
قال غرِيد بحزن :
- يالا الوردة المسكينة .
قالت زاهية بحرقة :
- يجب أن نفعل شيئا يا غرِيد .
شرد العصفور قليلا ثم أشرق وجهه وقال :
- هناك جدول ماء قريب سأقوم بنقل الماء بمنقاري 
  إلى رحيق .
زاهية :
- لكنك قد ترهق جدا .
غرِيد:
- لا يهم .. لو بقيت أنقل الماء طوال النهار و الليل إليها 
  لن أتركها تموت عطشى .
قالها وذهب وزاهية باتجاه جدول الماء .
في هذه الأثناء صحت رحيق قليلا وكأنها صحوة الموت .
كانت تردد اسم عِشِقْشَامْ  بصعوبة بالغة وتقول كلما سقطت منها ورقة يابسة :
- وما حزني لتساقط ورقاتي إلا إنك كنت تلمسيها   
   بأناملك الرقيقة ياصديقتي الرائعة .. سأفتقدك يا
   عِشِقْشَامْ الجميلة .
قالتها وغابت عن الوعي لشدة عطشها .

                              *     *     *

كم هو شهم ذلك العصفور غرِيد  .
لقد مضى ساعات وهو ينقل الماء بمنقاره إلى رحيق .
بينما كانت زاهية ترفرف بجانحيها فوق الوردة المسكينة محاولة أن تظللها من أشعة الشمس وفجأة. 
             ( طااااااخ )     .
دوى صوت الطلق الناري الكريه في المكان .
نظرت زاهية إلى أعلى ورأت العصفور يهوي والدماء تتناثر منه .
سقط العصفور على الأرض بالقرب من الوردة .
شهقت زاهية وصرخت ملتاعة :
- غرِررريد  .
طارت اليه مسرعة وهي تبكي .
وقفت الفراشة بجانب العصفور وهو يفارق الحياة .
نظر العصفور إليها و ابتسم بحزن وقال :
- وداعا يا صديقتي .
قالت زاهية بصوت مخنوق من كثر البكاء :
- لا أرجوك لا تقولها .
نظر العصفور إلى السماء ودمعت عيناه وهو يقول :
- زقزوقة ياحبيبتي ... أنا قادم إليك يا معشوقتي .
قالها و شهق شهقته الأخيرة .
صرخت زاهية ودموعها تنهمر :
- لاااا... لا اا .
ثم طارت عاليا وصرخت غاضبة بأعلى صوتها :
- تباً لبني البشر .. تباً لكم يا وحوش .. سحقاً للإنسان   
   المجرم .
ثم طارت الى جوار الوردة فوجدتها قد يبست وسقطت جميع ورقاتها فصرخت بجزع :
- لااااااا...... لا ياصديقتي لن أحتمل فراقك و غرِيد في
   يوم واحد  لاااااااا  .
بكت بغزارة .
لطمت الأرض بجناحيها  .
ندبت  .... 
تألمت ...
تفطَّر قلبها ....
انكسرت ...
من ثم سكنت ووقفت بمكان بين العصفور  و الوردة. 
أطرقت رأسها .
كسرها المصاب .. و حطّم قلبها .
قالت بحرقة :
- قضيت عمري ادور هذا العالم أبحث عن السعادة ولم أجدها ... أمل وجود سعادة ومحبة وسلام على كوكب يسكنه البشر مثل أمل ابليس في الجنة .
ثم نظرت إلى الوردة و نظرت إلى العصفور من ثم أطرقت رأسها و أجهشت بالبكاء حتى لم تعد تقوى حتى على البكاء فقالت بوهن :
- أنا قادمة إليكم يا أصدقائي .
رفعت رأسها ونظرت أمامها فرأت الهرّة الشقية تنظر لها بوحشية  وقد رفعت يدها لأعلى وبرزت مخالِبها  كي تهوي بها عليها فابتسمت بمرارة وهي تنظر إلى عيون الهرّة و تشدو قائلة :
- ما عدت أخشى الخطرْ                                  .
   فالموت ... أجمل قدرْ                                   .
   جحيمٌ تحت مخالِبكِ                                   .
   ولا جنة يسكنها البشرْ                                  .
                   
هوت الهرّة بمخالِبها على زاهية رحمها الله    .

                             *     *     *

دخلت عِشِقْشَامْ إلى الحديقة وهي تسحب حسن من يده بعد ان عادا من التنزه في الحرش  وهي تقول ضاحكة : 
- تعال لأُريك اين كنت أقف و أراقب عزفك على
    الكمان .
قال حسن ضاحكا :
- أعرف .. أعرف فقد كنت أرى انعكاس صورتك على 
   زجاج النافذة .
كانت تسحب حسن من يده بإتجاه سور الحديقة عندما 
مرَّت بجانب الوردة التي حمراء و تنبض بجمال الحياة .
توقفت فجأة ونظرت إلى الوردة و شهقت من هول المنظر .
جَثَت على ركبتيها أمام ماتبقى من الوردة وصرخت باكية :
- يا لوردتي المسكينة .
اقترب منها حسن و جلس بجانبها .
احتضنها وراح يخفف عنها وقال :
- هوني عليك يا حبيبتي .
انهمرت الدموع من عينيها وقالت باكية :
- لقد ماتت وردتي الجميلة .
قال حسن بحنان :
- لا يا مليكتي هي لم تمت لأن الورود لا تموت الورود 
   تستشهد بعد  أن تفنى زهوة شبابها في سبيل بث 
    الجمال والسعادة والأمل في قلوب البشر .
نظرت إليه عِشِقْشَامْ  وقالت بمرارة :
- صدقت يا حبيبي هي شهيدة وأنا من قتلتها .. قتلتها 
  بعدم بإهمَالِ لها .. قتلتها بإهمَالِ لها .
ثم نهضت وهي تحتضن يد حسن بيدها ونظرت إلى الوردة بأسى من ثم نظرت إلى حسن بعيون دامعة و راجية وقالت :
- اعطني وعدا ياحبيبي أنك لن تقوم بإهمالي وأن تبقى 
  تهتم بي  .
ثم نظرت عِشِقْشَامْ  إلى الوردة و قالت :
- عِدني يا حبيبي فأنا لا أريد أن ألقى مصير وردتي ...
     كم أخشى أن تهمِلَني يوما ما .
نظر حسن إليها بحنان وقال بصوت دافئ مفعم بالحب :
- أعدك  .

                             *     *     *
بعد عدة أيام  .
أمام مدخل حديقة حسن .
كان حسن يقف وهو يحمل بأحد يديه حقيبة متوسطة الحجم .
و عِشِقْشَامْ  تقف أمامه وعيونها دامعة وهي تحتضن يده الثانية بيديها وتقول :
- لا أستطيع فراقك يا حبيبي .. لا استطيع .
قال حسن بحنان :
- ما هذا الكلام يا حبيبتي .. أنا ذاهب فقط لعدة      
   أيام .. سأقوم بإبلاغ أهلي بقرار زواجنا لكي يأتو 
   و ليقوموا بطلب يدك من والدك .
قالت عِشِقْشَامْ بهيام :
- آه على لهيب هذه الأيام  كيف أطيق صبرها .
قال حسن بلهفة :
-  وأنا أيضا سأفتقدك .
عِشِقْشَامْ:
- ولم تعطيني رقم هاتفك الجوال .
حسن :
- لقد قلت لك سابقا أنه ضاع هاتفي الجوال أثناء 
  طريقي الى هنا لِذلك كنت أذهب إلى سوق القرية 
   وأتكلم من الهواتف العمومية كي أطمئن على أهلي 
     و أيضا أنا لم أعد أريد رقمي القديم لذلك سأقوم 
     بأتلافهُ .
ضحكت عِشِقْشَامْ وهي تنظر له بخبث وقالت :
- اكاد أقسم أنه لو لم يكن لك ماضي لما كنت بتلفه .
ضحك حسن وهو يقرُص خدها بيده وقال :
   
- مستقبلي معك ثم إنك لا تملكين هواتف جوالة ولا حتى أرضية .
عِشِقْشَامْ:
- كنت سأذهب الى القرية واتصل بك من هاتف عام .
حسن :
- يا حبيبتي هي عدة أيام و أكون قد عدت .
عِشِقْشَامْ:
- الشيء الوحيد المزعج لي أنك أصرّيت علي أن لا     
  أخبر أبي بعلاقتنا الآن رغم أني لا أحب أن أخفي   شيء عنه .
حسن:
- صدقيني يا حبيبتي طلبت منك ذلك لأنني أخجل أن 
   ألتقي بوالِدك قبل أن أطلِبك بشكل رسمي وعلى حال 
   أصبح بإمكانك الآن أن تقولي له كل شيء .
قالت عِشِقْشَامْ: 
- بقي الآن أهم شيء .
ضحك حسن وقال بلهجة صادقة ملؤها المحبة :
- أنا كرجل بمعنى الكلمة أعدك أن أعود .
تهللت أسارير عِشِقْشَامْ وقالت بهيام :
- وأنا كَفتاة بمعنى الكلمة أعدك أن أنتظرك .
قبل حسن رأسها وهم بالمغادرة لكنها سحبته بقوة و إليها و أحتضنته وهو ايضا ضمها الى صدره .
  من ثم ذهب و افترقا .

                             *     *      * 

في ذلك اليوم الذي افترقا به إنتظرت  عِشِقْشَامْ حتى رجع والدها وأخبرته بالقصة كلها مع حسن .
   لكن .
أخفت عليه شيء واحد لا تستطيع الفتاة أن تخبر والدها به .
مرت عدة أيام .
ومرت عدة أسابيع ولم يظهر حسن وهذا الشيء الذي أخفت أمره عن والدها بدأ يكبر بداخلها .
مر أول شهر على ذهاب حسن .
بدأ القلق يعتريها .
مرت عدة أشهر .
والشيء الذي بداخلها .
مازال يكبر و يكبر .
حتى إنها لم تعد تستطع أخفاء الأمر أمام والدها 
لأن الذي بداخلها  كبر لدرجة أنه لم تعد تستطع 
اخفائه .
(  بلاها النوايا العاطلة .. البنت مو حامل ) .
  لكن الشوق . .
هو الذي كان يكبر بداخلها .
وكأي فتاة سوف تخجل أن تخبر والدها أنها تحترق شوقا .
لكن في آخر المطاف كبر الشوق بداخلها لدرجة ان عيونها فضحتها .

                          *      *      *
مر عامان منذ أن افترقا .
كانت جالسة على عتبة باب المنزل وقد بدأت رياح الليل تدفع سفن النهار بعيدا عن بحر السماء لتحل مكانها .
عاد والدها من البستان .
نظر إليها وقال :
- عِمت مساءً يا بنتي .
عِشِقْشَامْ:
- عِمت مساءً يا أبي ... لدي سؤال يا ابي .
قال والدها :
- سلي يا بنتي .
عِشِقْشَامْ:
- مامعنى كلمة عمت .
شرد مفكرا ثم قال :
- لا أعلم .
من ثم أشار إلى منتصف ذراعه وتابع قائلا :
- و أقطع ذراعي من هنا إذا الكاتب نفسه يعلم معناها .
(( الكاتب : صدقت يا عم ))
من ثم نظر والدها إليها وقال :
- اليوم قابلت ابن المختار مصادفة وفي سياق حديثنا  
   ( لمّح ) لي مجددا بأنه يود لو تقبلين به .
نهضت عِشِقْشَامْ بحدَّة و قالت : 
- قبل أن اجيبك على موضوع ابن المختار أحب أن 
   اقول  لك يا أبي أن الكاتب أيضا لا يعرف إذا كانت 
    كلمة ( لمَّح ) هي كلمة عامية أو فصحى لذلك جعلها 
     ملغومة و وضعها بين قوسين تحسبا .
(( الكاتب : يعدّمني ياكي يا عِشِقْشَامْ  ضروري تبقّيها  
                للبحصَة ما كانت مشية على القراء وما
                حدا انتبه )) .
ثم تابعت عِشِقْشَامْ قائلة بغضب :
- ارجوك ياوالدي لا تجعلني أفقد صوابي و أذهب 
    و ( أتنخّع ) بوجه المختار و أبنه .
همت بالمغادرة من ثم استدارت وقالت لوالدها :
- أبي ألا تذهب إلى ..
قاطع كلامها وقال بحدّة :
- قلت لك ألف مرة اني لن أذهب إلى دمشق كي أسأل 
  عنه ومثل كل مرة سأعيد المثل لك .. قال الكلب الذي 
   تجرُّه إلى الصيد ...
قاطَعته قائلة بحزن :
- انسى الموضوع يا أبي .
قال غاضبا :
- لا أعلم لم مازلت تنتظري عودته .
قالت عِشِقْشَامْ  بثقة :
- لأنه وعدني وعد الرجال أنه سيعود .
قال والدها :
- وعدك .
و إنفجر  والدها ضاحكا حتى وقع أرضا وضحك المنزل وضحكت الحديقة وضحك الكاتب حتى دمعت عيناه 
وضحك القرطاس حتى المداد الذي كتبت به هذه الكلمات ضحك حتى أنتم أيها القراء الآن تبتسمون .

                          *     *     * 

بعد مرور ثلاثة أعوام منذ إفتَرقا .

في هذا اليوم أشرقت الشمس معلنة خسَارتنا ليوم آخر من عمرنا .
كانت عِشِقْشَامْ  في الحديقة تحتضن وردة جميلة بكلتا 
يديها وتنحني كأنها تحدثها  .
في هذه اللحظة خرج والدها من المنزل و شاهدها فقال بحسرة وقد تقصد أن تسمعه :

- وكم من فتاة تحصي أياما وتعد                    .
   يضيع  عمرها لأجل  كاذب وغد                     .
   تحسبه عاشقا  ... قتله  الجوى                      .
   و هو باليوم  يعطي ألف  وعد                        .
    أياليتها  ما ذاقت  طعم الهوى                       .
    ولا تجرّعت كأس المرار والبعد                       .

قال والدها هذه الأبيات وهز رأسه وتابع قائلا : 
- أصبت القول يا ابن كمال وليت ابنتي تعي أبيات    
   قصيدتك و تتعظ بها .
ابتسمت عِشِقْشَامْ  ونظرت إلى والدها وقالت :
- إذا اسمع هذه الأبيات يا ابتي .
قال والدها :
- هاتي ما عندك .
قالت عِشِقْشَامْ:

- سأبقى أنتظر عودة فارسي                       .
   أطيق بعَادهُ رغم توجّسي                         .
   فإن عَادَ  لي .. برَّ  بوعدهِ                          .
   وإن لم يعد فالشّوق مؤنسي                     .
 
نظر والدها لها وقال مغتاظ :
- من الشاعر السخيف الذي قال هذه الأبيات .
تبسمت عِشِقْشَامْ  وقالت :
-  إنها أيضا لخالد ابن كمال شَاعرك المفضل يا أبي .
قال والدها مغتاظا وهو يبتعد : 
- تبا لك من شاعر متناقض يا بن كمال .

                        *     *     * 

مرت أيام  شهور وسنين و عِشِقْشَامْ .
مازالت تنتظر .

                       *     *      * 

بعد مرور عشر سنوات منذ أن ذهب حسن و افترقا .

كانت عِشِقْشَامْ  في الحديقة تحمل دلو الماء وتقف منحنية بجانب احد الشجيرات وتقوم بسقايتها عندما دخل رجل إلى الحديقة وتوقف بالقرب منها .
نظرت عِشِقْشَامْ من وضعها هذا إلى قدمي الرجل من ثم شدت قامتها وهي تتابع النظر إليه من قدميه إلى رأسه وهي تقول :
-  من أنت 
بنفس الوقت شاهدت وجهه وقال لها :
- حقا لم تعرفيني  يا حبيبتي .
شهقت عِشِقْشَامْ  وسقط الدلو من يدها و اشارت له وقالت بصوت ملهوف :
- حسن .
اقترب منها حسن ومد يده ليُمسك يدها فسَحبت يدها 
منه وقالت بِعتاب كبير وقد دمعت عينيها :
- عشر سنوات يا حسن ... عشر سنوات .. ماذا بقي 
   من العمر  .... أهذا وعدك لي .
رد حسن بحزن :
- على رسلَك ياحبيبتي اسمعيني أولا .
عِشِقْشَامْ  بأسى :
- ماذا تريدني أن أسمع .
قال حسن :
- عندما ودعتك منذ عشر سنوات وذهبت إلى دمشق 
   أوقفوني على احد الحواجز وذلك  لتأدية الخدمة 
    العسكرية واليوم أول ماتسرَّحت جئت اليك فورا
     حتى انظري لم اطيق صبرا أن اذهب للبيت واغير 
     ملابسي وجئت مرتديا البدلة العسكرية  .
قالت عِشِقْشَامْ  بحب :
- ما أجملك بالبدلة العسكرية يا حبيبي .
قال حسن :
- وما أجمَلني بكِ يا حبيبتي  .
احتضن حسن وجهها بكلتا يديه ومد رأسه ليقبِلها 
من ثغرها وهنا صدح صوت الكاتب وقال بوقار .
الكاتب : 
- ( بلاها ما بتمرق على الرقابة ) .

نظرت عِشِقْشَامْ إلى أعلى وعيونها تقدَح الشرر  .
فخَاف الكاتب وابعد يده الممسِكة بالقلم عن صفحة الدفتر بنفس الوقت الذي  فيه عِشِقْشَامْ قالت موجهة 
حديثها للكاتب :
- ( طلاع من راسي أحسن ماطلّع فيك قهر عشر سنين ) .

قالتها و أمسكت بوجه حسن بقوة وهَامت بتقبِيله إلا أن صوت والدها أوقفَها وهو يصرخ قائلا :
- من هذا يابنتي .

نظرت عِشِقْشَامْ إلى أعلى مجددا فرأت الكاتب وهو 
يبتسم ساخراً .
فقالت وهي تحاول كتم غَيظها موجهة حديثها إلى الكاتب .
عِشِقْشَامْ :
- ( آلله ينزع مراقك متل مانزعت مراقي ) .

ضحك الكاتب وقلب الصفحة و ..
بدأ بكتابة قصة جديدة .

                    -  تمت بحمد ألله  -

خالد كمال عزالدين  
دمشق في   23 / 5 /2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الموءودة بقلم محمد جعيجع

  المَوْءُودَةُ  : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ  مَوْءُودَةٌ أَنَا .. أَنَا مَوْءُودَةْ ... وَ الْأَهْلُ عَيْنٌ فِي الْكَرَى مَشْهُود...