(فلسفة البناء والتغير)
الحلقة السادسة عشر
مجتمع *نجم* مرحلة انتقالية لمجتمع العدالة و الرفاه والتنمية المستدامة ,
16 : الربح المالي ألربوي
هذا النوع من الربح يعتبر من أشدها وأكثرها فتكاً وخطورة لذلك هيا معاً نلقي نظرة على تاريخ هذا الشكل الربحي القديم الحديث ونرى جذوره في موطنه الأصلي منذ النشأة.
نشوء الرأسمال المالي ألربوي, لقد ظهر الإقراض و النظام المالي و الربحي منذ ظهور الدولة الإمبراطورية الإقطاعية البابلية القديمة و كذلك في أماكن أخرى في العالم و قد نشأ بعد حالة طويلة من الاستقرار للمجتمعات و إقامة المعابد و المباني الحصينة حيث راح الناس في المعابد الوثنية و بحكم امتلاكهم الثروات وتكديسها بسبب قانون الملكية الخاصة الناشئ وتراكم النقد, راح الكثير من الناس الأثرياء يضعون أشيائهم الثمينة في المعابد لحصانتها و ضمانة حفظ الأشياء بداخلها و راح المعبد يتقاضى شيء ما أو أجر مقابل ذلك.
ربما كان في البداية شيء عيني مثل حنطة أو جلود أو أي شيء قابلاً للاستهلاك, ومن أجل ضمانة وإثبات ملكية هذه الوديعة يحصل صاحب هذه الأمانة على صك طيني مكتوب يثبت ملكيته لها وحقه في استردادها متى شاء ذلك , وفي مناطق أخرى استعملت الجلود أو أوراق البردي كما في حضارات النيل, و بديل للوديعة نفسها في الاستعمال, فهو أخف وأيسر في الاستعمال ولتنقل, ومع الزمن أصبح هذا الصك بديلاً ويثبت الحق في الحصول على الوديعة في أي لحظة , و هكذا نشأت شكل من أشكال العملة البديلة, لقد نشأت العملة بناء على حاجة تطور السوق الرأسمالي التجاري و غيره أي تطور نظام فائض القيمة و ازدهار التجارة و التداول السلعي, و هكذا ظهر النقد كمعادل عام للقيمة و ظهر معه نظام الإدانة و الربا, أي أعادت المبلغ زائد نسبة معينة فائضة بدل الإقراض المرتبط بزمن معين, و قد احتوى التوراة على الكثير من النصوص حول موضوع الربا و هي واضحة و تدل على مدى سلطة الربا و الإقراض.
نص من كتاب التوراة يدل على مدى سلطة الربا و الإقراض, من كتاب التوراة (يباركك الرب إلاهك كما قال لك فتقرض أمماً كثيرة وأنت لا تقترض وتتسلط و هم لا يتسلطون) انتهى الاقتباس,, نرى من هذه الصيغة بوضوح إن الربا كان محللاً و لكن مع غير اليهود , و يشير هنا إلى الإقراض و يربطه بالتسلط بشكل واضح (تتسلط و لا يتسلطون) إن هذا دليلاً على صيغة متطورة , و إن ملك الرأسمال هو الطريق الأقوى للسلطة و السلطان.
و كذلك في الكثير من المعابد الوثنية القديمة, فلو نظرنا إلى المراجع التاريخية ً فسنجد بوضوح أن معبد زيوس كان عبارة عن مصرف كبيرا ويشبه ما هو قائم اليوم من دور المصارف في الرأسمالية المعاصرة, و كذلك معبد (جوث ويتر).
و غيرها من المعابد القديمة, و قد كانت بمثابة المصارف الكبيرة اليوم و قد وصل أنها كانت هي المسئولة عن صك العملة و النقدية و إصدارها للدولة في أحيان كثيرة.
و عرف اليونان و روما مثل هذه الأنظمة المصرفية و الربح ألربوي و كنز النقود و تحويلها إلى ثروات مملوكة و غير متداولة بل مكتنزة ومحتكرة في الوقت الذي هي بالأساس وسيلة تداول وليس احتكار بالنسبة لوجودها وضرورته للسوق ولتسهيل عملية تبادل السلع, فالنقد ظهر على أساس الحاجة إلى معادل عام للقيمة يسهل عملية التداول وليس للكنز أو الاحتكار, واحتكار هذه الوسيلة غير ضروري في عمل السوق ويضيف إليه ربحاً كبيراً يشكل خللاً تتحمله السلعة, أي المستهلك في النهاية.
ومن قديم الزمان بحث المفكرين والفلاسفة هذا الأمر كلاً في عصره وهذا كان واضحاً و تحدث أرسطو عن هذا قائلا ً ونسوق هنا مثلاً وليس حصراً (من المنطقي أن يبعث الربا على الكراهية لأنه يجعل النقود مادة للتملك, فالنقود جاءت للتداول و ليس للتملك, وهذا يفقد النقود وظيفتها التي وجدت من أجلها تماماً) انتهى الاقتباس ,,
و هنا يقصد أرسطو امتلاك النقود و كنزها ليس امتلاك المستعمل التاجر أو من يملك النقود الذي يستعملها مثل المنتج أو المستهلك المستعمل لها, فهذا أيضاً يستعملها, ولكنه لا يوقفها هي كنقود بين يديه ليستثمرها, فالتاجر مثلاً يستثمر في السلع ويبيعها وليس في النقود ذاتها, و لا يحتكرها حيث هنا ينشأ الربا أي الربح بدون أي مقابل مادي فعلي ملموس.
إن جميع النصوص و المراجع التاريخية حول َالعالم تشير إلى وجود نظام فائض القيمة و الربح و الإقراض و الربا منذ ا آلاف السنين, فهي لم تنشأ فجاءه في تاريخ كتابتها و تدوينها بل هي موروثة منذ القدم قبل كتابتها, إن نظام الملكية الخاصة قد نشأ بناء عليه الكثير من المفاهيم و الهيكليات و النظم و من أهمها نظام القيمة الفائضة و هذا معناه إن الإنسان ينتج أكثر مما يحتاج لاستهلاكه أي فائض عن هذا الاستهلاك, و هنا يأتي دور نوعية الملكية الخاصة لتحرم هذا المنتج من منتجاته و تعيد ملكيتها إلى مالك وسيلة الإنتاج, إلى مالك الأرض وهي من أهمها في ذلك العصر.
أما الربح ألربوي فهو الوحيد الذي تميز منذ البداية, حيث إن الربا لم ينتج عن أي جهد, ولا فائض قيمة إنتاجية, بل هو مقابل لا شيء , سوى فترة زمنية من إعارة النقود و تقاضي مبلغ معين مقابل ذلك, فلا جهد ولا من يحزنون, بينما في حالة فائض القيمة الإنتاجي الأساسي, أو الربح التجاري هناك جهد وبذلك تكلفة ما وليس مجرد ربح مطلق بلا أي مقابل, أما في حالة الربح ألربوي بلا شيء سوى النقود, أي مجرد أوراق يقدمها المقرض للمقترض وحسب, إنه ربح مطلق بلا أي مقابل فعلي سوى احتكار النقود وتوفرها بيد المستثمر.
إن التجارة هنا ليس بالنقود, فهي هنا لا تباع ولا تشترى, بل تقرض, أي تعار إعارة لا غير, ومقابل هذه الاستعارة لفترة من الزمن يستحق علي دفع مبلغ معين مقابل هذه الاستعارة, بغض النظر كيف سأتصرف بهذا المبلغ المستدان, وكأن المبلغ المدفوع أجر على استعمال هذا المبلغ بدون أي مقابل, سوى الزمن, إنها لعبة بلا قانون أو ضوابط سوى الحاجة والضرورة للمقترض و شروط المقرض.
ومن ميزات هذا الرأسمال, إن لا علاقة له بالسوق من ناحية قواعد الربح والخسارة, فهذه غير واردة في عمله أصلاً, فالجميع بين رابح وخاسر وهذه قوانين السوق فهو يعتمد على العرض والطلب ويحكمه قانون المزاحمة وفوضى الإنتاج, وأي شركة أو مؤسسة اقتصادية تتعرض حتماً للربح والخسارة أحياناً, وحين تتعرض للخسارة ستضطر للاستدانة, من أجل القدرة على إعادة تدوير الإنتاج وتعويض الخسائر, أما هي أي الرأسمال الربحي فهو دوماً رابح , وقاعدته في العمل رابح رابح, ولا علاقة له بالخسائر التي يمر بها أي قطاع آخر, بل هذا هو سوق عمله, إقراض النقود للخاسرين لإعادة تدوير إنتاجهم, وإدانة الرابحين لتسريع العمل وتسهيل الدورة النقدية في توفير السيولة المستدامة لهم, والرابح و الخاسر سيدفع في النهاية نفس القيمة والنسبة من الربح ألربوي.
وهكذا نرى بكل وضوح وصراحة إن الربح ألربوي هو ربح مستدام ومطلق فهو لا يخضع لقوانين السوق, وليس فائض قيمة, بل له قوانينه الخاصة التي فرضها هو من البداية, وأصبحت عرف ثم قانون اقتصادي مستدام و كأنه حاجة ضرورية لا غنى عنها للسوق والإنتاج, بل وهذا ما هو قائم على مستوى دولي اليوم, وهناك مصدر أساسي ومعيار عام للعملة ويقرر بها , ما اسمه البنك الدولي, وهو من يحدد أسعار الفائدة وسعر الصرف العالمي بين العملات وغيرها من القضايا, وذلك كله بحكم العرف والقوانين التي وضعت في أواسط القرن الماضي, وقد عفا عليها الزمن و تغير الواقع الذي وضعت على أساسه في حينها.
لقد خرجت النقود عن حاجتها التداولية كمعادل عام للقيمة, وأصبحت احتكار ربحي دولي مرعب ينهب الدول جميعها بلا أي حقاً أو مقابل , سوى القانون, ولا يقدم مقابل ذلك شيء سوى صفحة رقمية وأجهزة اتصال حديثة, وبعض المستخدمين, وقد ينتهي من الحاجة إلى مستخدمين بعد بضعة سنوات, ويصبح يتقاضى كل هذه الأرباح مقابل تكلفة طباعة بعض الأوراق التي لا تساوي أكثر من تكلفة طباعتها ا لتافهة, والبقية لا شيء يذكر, إنها عبودية مطلقة ومقنعة بامتياز وتخضع لها دول وعالم بأكمله, عبودية جماعية تعيشها البشرية دون أن تعلم, والكارثة أن الحرية هي شعار العصر الأكبر.
فالربح ألربوي هو أقدم الأرباح المطلقة والعديمة المقابل, أو قلته لدرجة عدم أهميتها أصلاً, ولا يمكن احتسابها تكلفة إنتاج, كما يحسب في عالم الإنتاج العادي والسوق, وقط نشأ حديثاً الكثير من هذه الأرباح, لدرجة إنها اليوم لم تعد بالإمكان حصرها أو عدها, في عالم مفتوح على كل شيء ممكن, وأي حاجة إنسانية كانت مادية أو روحية أو معنوية حتى, أصبحت مجيرة لقانون الربح والاستهلاك والتجارة.
وبذلك لم يعد يتيماً فقد نشأ الكثير من الأشكال المشابهة له, وكلا له مجاله ومكانه, وهي مطلقة أيضاً, حيث لا تكلفة تذكر, ولا قواعد أو أحكام للربح, ومع المن والتطور ستكون هناك قفزات و مفاجآت جديد تظهر كل يوم, وهذا جميعه أصبح ملحاً ضبطه, قبل وقوع الكارثة, فلا يمكن للعالم أن يستمر في ظل هذه العلاقات القديمة المهترئة التي عفا عليها الزمن, ولا يمكنه أن يسير بدون قوانين ضابطة للواقع الجديد المفتوح على كل شيء بلا قيود أو ضوابط, وخاصة في قضايا الاستغلال والربح, و السماح بالتجارة بكل شيء على قاعدة الحرية المطلقة, فلا يمكن أن تكون حرية بلا قوانين وضرورات وشروط, لا شيء في الكون له هذا, ولا يمكن تحقيقه إطلاقاً, فالحياة والعالم بل والكون كله يسير وفق قوانين تحكمه وتسيره, وبدون فهم هذه القوانين لا يمكن لنا تحقيق أي حرية, فالحرية في النهاية تكمن في فهم قوانين الواقع والوجود, وليس في نسيانها والسير وفق ما يراه و كلاً وهواه وأحلامه الحمقاء وتحقيقها على حساب الآخرين, وحياتهم واستغلال ضرورات حياتهم وظروفهم الصعبة والاتجار بها , بطرق لا أخلاقية ولا قانونية ولا غيرها, ولا يحكمها سوى مدى مصالح من يلعب هذه اللعبة أو تلك, إنه عالم بلا أخلاق ولا ضوابط ولا قيم, وحتى الغاب والطبيعة لا تحمل مثل هذه القوانين, ولا من شيء حر في الطبيعة, وكل شيء له ضوابطه وقوانينه مهما بلغ.
إن هذا النوع ممن الربح هو الوحيد الذي تقوم قاعدته الأساسية على رابح , رابح , أي هو رابح في كل الأحوال وقد يتعرض الجميع للخسارة أو الربح بنسب الجميع , ما عدى هذا النوع الوحيد من الربح الذي لا يخسر أبدا بل هو دوما رابح من الكل , والكل يخضع له , ولذلك أطلق عليه علماء ومفكرين الاقتصاد السياسي الثوريين أسم ملك المال ,,
هذه هي حقيقة الربح المطلق والذي يشكل الربح ألربوي أقدم شكل عرفه التاريخ من الربح المطلق, وكما رأينا كيف أصبح واقع الحال اليوم هناك عشرات بل مئات من أشكال هذا الربح التي انتشرت على أوسع نطاق, تسبب بها الانفتاح والعالم الرقمي الحديث والذي بقي بلا حدود ولا ضوابط قانونية أو غيرها ولا أي معايير.
في النهاية في المجتمع الانتقالي لا بد من وضع الضوابط والقوانين لضمانة وقف الربا, وأعادت العملة إلى دورها السابق الذي نشأت على أساسه, وما زال هو ذاته ضروري وهام لتسهيل حركة السلع والبضائع والخامات وتداولها في السوق, ولكن ليس احتكار وربح بحد ذاته, فهذا يشكل عبئ على الاقتصاد في النهاية وليس مساعد, بل تحول إلى وسيلة ربحية مطلقة طفيلية تعيش على دماء الاقتصاد والقطاعات الأخرى بلا أي مبرر أو ضرورة لها بهذا الشكل التعسفي الغير منطقي بأي شكل من الأشكال.
من الضروري القضاء على النظام ألربوي وتفكيكه وإنهاء وجوده في المجتمع و السوق كمصدر للربح, بل يجب أن يوضع قواعد معينه للربح, على أساس واضح ,
أولاً: يحدد نوع القضايا التي يمكن أن يسمح بالربح والتجارة بها,
ثانياً : أن لا يسمح بوجود ربح بلا مقابل, أو وضوح في المصادر,
ثالثاً :تحديد مستوى وسقف معين للربح في جميع الأحوال,
وهناك معالجات أخرى واردة في القوانين والنقاط الأخرى تكمل هذا الأمر وتضع حد نهائي له في المجتمع المستقبلي, (عهد) مجتمع العدالة و الشراكة المنشود.
رماز الأعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق