بقلم: فُؤاد زاديكِى
لا شَكَّ أنَّ الشِّعرَ يُعَدُّ لغةَ الرُّوحِ و أداةً سامِيَةً تُعبِّرُ عن أعمقِ مكنوناتِ الإنسانِ، و ما كانَ لِلشَّاعرِ أن يَصنَعَ هذا الجَمالَ إلّا إذا كانَ رُومانسيَّ الإحساسِ، واسعَ الخَيالِ. فالرُّومانسيَّةُ في الإحساسِ تَفتحُ أمامَ الشَّاعرِ أبوابَ العالَمِ الدَّاخليِّ، حيثُ يَغُوصُ في أبعَدِ زَوايا نفسِهِ، فيَستخرجُ مكنوناتِها كما يستخرجُ الغوّاصُ لآلِئَ البحرِ.
الشَّاعرُ الرُّومانسيُّ هو مَنْ يُلامِسُ بِشِعرِهِ أوتارَ القُلوبِ، يَنسُجُ مِنْ مشاعِرِهِ العَذبةِ نَسيجًا يَسْتَطيعُ أن يُحاكيَ الإنسانَ في كُلِّ حالاتهِ. إنَّ رِقَّةَ الإحساسِ تَجعلُ مِن الشِّعرِ موسيقى لا تُسمَعُ فقط، بَل تُحَسُّ و تُعاشُ.
أمّا سِعةُ الخَيالِ، فهي الأُفقُ الذي يُحلِّقُ فيهِ الشَّاعرُ بعيدًا عن قيودِ الواقِعِ الضَّيِّقِ. الخَيالُ هُوَ مَسرَحُ الإبداعِ، يَرسُمُ الشَّاعرُ فيهِ لوحاتٍ منَ الجَمالِ لا تُوجَدُ إلّا في عالَمِه الفريدِ. إنَّهُ يَخلقُ صورًا عَجيبةً، يُحوِّلُ بِها العاديَّ إلى مَذهِلٍ، و الجامِدَ إلى ناطِقٍ.
فحينَ يَكتُبُ الشَّاعرُ عن زَهرَةٍ، لا يَكتُبُ عنها كَما يَراها الجميعُ، بَل يُصوِّرُها كملاكٍ تَحْملُ رُوحَ الطَّبيعةِ، تُهمِسُ لِلرِّيحِ و تُغَنّي لِلشَّمسِ. و حينَ يَكتُبُ عنَ الحُزنِ، يُحوِّلُهُ إلى طائرٍ جريحٍ يَبحثُ عن عُشٍّ دافِئٍ في زَحمةِ العالَمِ القاسي.
إنَّ الشِّعرَ الحقيقيَّ لا يَتَحقَّقُ بِدونِ هذا الامتزاجِ بينَ رُومانسيَّةِ الإحساسِ و سِعةِ الخَيالِ. فالإحساسُ هُوَ النَّارُ، الَّتي تُشعِلُ الكَلِماتِ، و الخَيالُ هُوَ الرِّيحُ الَّتي تَحمِلُها إلى أبعدِ الآفاقِ.
و في عالَمٍ مُثْقَلٍ بالمادِّيَّةِ و الجفافِ، يَأتِي الشَّاعرُ كَنفحةِ هواءِ نقيٍّ تُعيدُ لِلأرواحِ صِلتَها بِالجَمالِ. الشَّاعرُ الرُّومانسيُّ يُحَوِّلُ اليوميَّ إلى استثنائيٍّ، و المألوفَ إلى مُدهِشٍ. فهوَ يُحاوِرُ الأزهارَ، يُسامِرُ القَمرَ، و يُغنّي لِلنُّجومِ.
إنَّنا في حاجةٍ إلى شُعراءِ يَملِكونَ هذا الإحساسَ الرَّقيقَ و الخَيالَ الوَاسِعَ، لأنَّهم وحدَهم القادِرونَ على أن يُخرِجُونا مِنْ ضٍيقِ العالَمِ إلى رَحَابةِ الرُّوحِ.
فَيَا أيُّها الشُّعراءُ، اجعَلوا رُوحَكُم مَرآةَ الجَمالِ، و اكتُبوا لِلعالَمِ شِعرًا يُعانِقُ القُلوبَ و يُلهِمُ النُّفوسَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق