قراءةٌ سريعةٌ في قصةٍ قصيرةٍ جدًا
أولًا:- النَّصُّ
تحفيز
أسقطوا طائرته الحربية، حالتِ الثلوجُ دون انفجارها، آلمته الجروحُ والكسورُ كثيرًا، شعر بموته يقترب، تحدّث عبر اللاسلكي مع القاعدة، زوجته الحاضرة هناك صارحتْه بسرِّ خيانتها له، استجمع قواه كي ينتقم؛ زحف حتى وصلَ للأصدقاء، ثمّنَ عاليًا كذبة زوجته المنقذة لحياته.
(رعد محمد المخلف)
ثانيًا:- القراءة
الفكرة...
القصةُ القصيرةُ جدًا فنٌ ناضجٌ، ينسجمُ مع منطقِ العصرِ، في التكثيفِ و القصرِ و السّرعةِ، اِكتسبَ مساحةً كبيرةً في النشرِ وَ الإهتمامِ.
يَلتقطُ الكاتبُ في هذا الفنِ ومضاتٍ ذهنيةٍ و نفسيةٍ، و يصيغُها بشكلٍ مكثّفٍ في نصٍّ قَصصيٍّ قصيرٍ جدًا مع توافرِ عناصر المفارقةِ و الخاتمةِ اللّامعة.
يَرىٰ كثيرٌ من الكتّابِ و المتابعين مستقبلًا باهرًا لكتابةِ جنسِ الققج باللّغةِ العربيةِ، بل يُعَدُّ من الإبداعاتِ المتمرّدةِ، كسرتْ زجاجَ الإبداعِ الأدبي، و ارتدتْ أثوابًا مزركشةَ الألوانِ، زاهيةً، تَمتدُّ لتغطي مساحاتٍ واسعةٍ، وتُشرفُ علىٰ قِمَّة الإبداعِ المستقبلي دون أن تُؤثّرَ علىٰ بقيةِ أجناسِ السردِ...
العنوانُ...
هو الوجهُ الإعلامي لأيِّ نصٍّ أدبيٍّ...
وَ عنوانُ نصنا المعروضُ للقراءةِ هو:- تَحفيزٌ، Motivation
رغبةٌ في تحقيقِ هدفٍ ما، وَ هو استعمالُ أمرٍ معينٍ لتفاعل الأحداثِ بُغيَةَ تسريعِ أو تنشيطِ ذلك التفاعلِ دون تغييرِ مجريات الأحداث، و بتناسبٍ طرديٍّ بينَ التفاعلِ وَ قوّةِ المُحفِّزِ.
مِنَ الفعلِ الرباعي (حَفَّزَ ) بمعنىٰ:-
دَفعهُ منَ الخلفِ بالسَّوقِ وَ حثّهُ لذلك.
و في هذا النصِّ:-
كُلّ قولٍ أو إشارةٍ دَفعتْ منَ الخارجِ إلىٰ سلوكٍ أفضل، بِتنميَةِ الدَّافعيّةِ وَ القيادةِ إلىٰ الخلاصِ ممّا هو عليهِ الحال. وَ هو أمّا أن يكونَ:-
* حافزَ حُبِّ البقاءِ ... غريزةٌ فطريّةٌ.
* حافزًا داخليًّا، منْ داخل ذات الإنسان.
*حافزًا خارجيًّا... الترغيبُ و الترهيبُ.
وَ النوعُ الأخير هو أكثرُ فاعليةً من النوعين الأوليين في النصِّ مدارِ البحثِ.
عناصرُ النصِّ:-
١) المفارقةُ...
تقنيةٌ قصصيةٌ حاولَ بها الكاتبُ الٕابتعادَ عنِ السّردِ التقريري، عن طريق الإثارة وَ الحماس في النفس، ممّا ينتجُ عن الرفضِ أو الموافقةِ، عن الواقعيةِ و غير الواقعيةِ، التي يتلمسُها المُتلقي.
وَ المفارقةُ هي اِنسيابيةُ أحداثٍ ثانويةٍ علىٰ حسابِ أحداثٍ مستهدفةٍ من القَصِّ، تُعَرِّفُ شخصياتِ القصةِ بما يجري حولها من أحداثٍ مناقضةٍ لما هي عليه.
نلمسُ ذلك من تتبعنا لشخصية النصِّ الرَّئيسةِ ( الطيارُ الذي أُسقطتْ طائرتَهُ)! و كيف تفاعل مع الأحداثِ.. تَرقُبًا و انتظارًا و معاناةً و اجراءاتٍ روتينيةٍ ينبغي عليه أن يُجريها، فضلًا عن لَملمةِ قِواه العضلية كي يَنفُذَ من موقفٍ لا يُحسدُ عليه، بالتفكيرِ
و التدبيرِ، الهِمَّةِ وَ العَزمِ، و البحثِ عمّا يَمنحهُ البقاءَ علىٰ قيدِ الحياة.
نجحَ الكاتبُ إلىٰ حدٍّ ما، بتهيِّأة اجواء قاتمة، أنزلَها في ساحةِ المتلقي ليقطعَ عليه خلوَتَهُ بسطوتها علىٰ ما يُفكرُ به، ثُم دعاه أن يعيشَ لحظاتٍ قاسية في أرض الحرام بينَ نيرانٍ معاديةٍ، و نيرانٍ صديقة، لا يملكُ شَرْوَىٰ نَقِيرُ لردِّها أو إيقاف زَحْفِ الموتِ إليه!
هذه الأحداثُ تفاعلتْ مع داخل النفس البشرية، و حملت تُلكُم التفاعلات الىٰ المواجهة حينما اِستفزَّتهُ زوجتُهُ بــ( سِرٍّ ) سرعانَ ما اكتشفَ انهُ (كذبةً) حَفَّزتهُ لان يُضمِّدَ جِراحهُ، و يوقفَ نزيفَها، و يتعكز علىٰ آلامهِ و يزحفُ..
و يزحفُ حتىٰ نَيلِ جائزةِ خلاصه من موتٍ محقق اذا ما استسلمَ و خارتْ قواه.
٢) الحالةُ...
و نعني بها هنا.. كيفيةَ سريان الأحداثِ و ما شملته من حيثياتٍ، لَجأَ إليها القاصُّ لاسكاتِ جذوةَ أحداثٍ سائدة في القصة بغيةَ تحضير المتلقي إلىٰ خاتمةٍ صادمة ستستفزُ عواطفه لاحقًا!
ففي النص، تكدست احداث بافعال متتابعة، انتقلَ الكاتبُ فيها بسرعةٍ من حدثٍ لاخر دون ان يخلَّ بسياقِ السّرد القصصي، و التقنية الفنية التي استعملها بحرفيّةٍ كي يجعلَ الآخر مُنشَدًّا لذاك السياق.
٣) الخاتمةُ..
هي غايةُ الكاتبِ الذي شرعَ للوصولِ إليها باقلِّ الكلماتِ ، بِحِلَّةٍ بديعةٍ
و ممتعةٍ، و هي أمّا مقفولة أو مفتوحة، رمزية أو واضحة، تُعَدُّ نقلةٌ سريعةٌ من أعماقِ النّصِّ إلىٰ خارجه،
و تقدمُ عنصرَ الدَّهشة و الإستفزاز.
النهايةُ جاءت مباغتةً، غير متوقعةٍ، أحدثتْ صدمةً، لانها خاطبتْ مزيجًا من المشاعر لدىٰ المتلقي...
* الآلامُ جرّاء الإصابةِ،
* البحثُ عن الخلاصِ،
* سُرُّ خيانةِ الزوجةِ.
جميعُ ذلك.. و غيره تفاعل معًا، و دفعَ بشخصيةِ النّصِّ.. أن يستجمعَ قواهُ، ليس للخلاصِ فحسبْ.. إنَّما للإنتقامِ من وَهْمٍ سيطرَ علىٰ دماغِه، و باتَ الدماغُ يَصدرُ إيعازاتٍ فوريةٍ و سريعةٍ للغدّةِ (الكُظريَّة) لإفراز هرمون (الأدرينالين) كسلاحٍ فتّاك حانَ وقتُ استعماله لإيقاظ الجسم رُغمَ ما يَمرُّ به، من أجل القتال و الإنتقام، او الهروب من مصدر الخطر.
فاستجابَ الجسمُ لذلك، و ارتفعَ مستوىٰ القوة و الأداء من جانب...
و من جانب آخر، انخفضت القدرةُ علىٰ الشعورِ بالألم و زيادة ضَخ الدم.
(و هذه عملية فسلجية لسنا بصددها.)
هكذا صارَ مآلُ النصِّ.. قفلةٌ صادمةٌ، مضمرةٌ، لَجأ إليها الكاتبُ لاستدراج المتلقي للتأويل، اِنقلابٌ علىٰ فكرةِ النص، تَحقّقَ فيها الدهشةُ و المفارقةُ، صدمت المتلقي بسير الأحداث ،
و النهاية التي تحقق فيها أملُ النجاة!
اخيرًا...
سارَتِ القصةُ (تحفيز) بمسارٍ منطقي واضحٍ.. كما تَراءىٰ لي، و قرأتهُ بهذا الشكلِ و المضمونِ، أرجو مَنْ يَجِدُ ثَمَّةَ فائدةً أو معلومةً، يُطوُّرُ بها قراءتي المتواضعة، بشكلٍ خاص، و يُقَوُّمُ الٕابداعَ في المجالِ الأدبي.. بشكلٍ عام!
بُغيةَ تنميةِ ذوقِ المتلقي و تحفيزهُ لان يُتابع بشغفٍ و درايةٍ ما ينتجهُ الأدباءُ و ينشروه..
كُلُّ التّقدير للإستاذِ (رعد محمد المخلف/سوريا)، و نغبطُهُ علىٰ إبداعاتهِ و حرصهِ علىٰ تقديمِ أفكارهِ بإطارٍ و إسلوبٍ بديعٍ حقًّا...
يدعُونا أنْ نثنيَ عليها جَزيلَ الثَّناءِ...
(صاحب ساجت/العراق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق