ربيع الذكريات
أستشعر خطواتي تتثاقل قليلا حين يخطر ببالي أي حديث عن المستشفى، ذلك المكان الذي يشعرني بالبرودة، يجعل أحاسيسي الرثة ندية؛ ويخامرني شعور قاتل بالحزن وطعم الوجع يتجدد ويتدفق ينابيعا من الآسى تنهمر من جديد.
آه عليك أيها المكان البائس! ابتلعت مني طعم السعادة والحياة وخطفت من بين يدي فراشتي الصغيرة؛ هناك في ذلك الجناح بالطابق الخامس جعلت حياتي معلقة على صهوة نوافذك الزجاجية، ذلك المصباح الذي يتقد حينا وينطفئ حينا آخر كلما وقفت أنظر إليه من بعيد؛ تلك الجدران المطلية بلون قاتم يخنق الأمل ؛ توحي بكل شيء إلا أن تبتسم في وجه فراشتي وهي بين ذراعي تبتسم للحياة رغما عني؛ فراشتي الصغيرة تقاتل على ألف جبهة والموت يحيط بها من كل جانب؛ لكنها كالمقاتل الذي لا يخشى صهيل السيوف ولا زوابع الرصاص؛ مسلحة بيقين رباني وإرادة فولاذية..
آه أيها المستشفى يشعرني النظر إليك بالبرودة؛ فتدب قشعريرة في جسدي قبل أن ألتقي الفراشة التي تنتظر زيارتي، هناك في الطابق الخامس؛ توجد غرفتها وحيدة بين جدران تنتظر عودتي محملا بباقة ورد أحمر وبنفسج و ابتسامة، فقد امتعضت من أقراص الأمل وجرعات الحلم التي لا تنتهي... أحمل في كل زيارة سلة من الأشعار، قصائد عشق لا تنتهي ومذكرة مدون فيها كل زوبعات الهوى دقيقة دقيقة ؛ نظمتها ظفيرة ظفيرة؛ لنستحم شعرا ونغازل الهوى وسط أفيون الوجع فهذه الغرفة تشعرني بالبرودة؛ لكن رحيق هواك يبتلعها ويذيب جليد الوجع حين تتوشح أصابعي بأناملك الذهبية فتكبر القصيدة ظفيرة ظفيرة؛ ويزحف الربيع على كل الحقول اليابسة يمسح بيده صقيع الشتاء القارس...
ابراهيم السهلي المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق