الأُمَّة
الشاعر الدكتور جهاد صباهي
أُمَّةُ مَنْ هذهِ
تتقاسمُها الفصولُ
بين ربيعٍ وخريفْ
وشارعٍ ورصيفْ
أُمَّةُ مَنْ هذهِ
تتقاذفُها النصولُ
بين سيفٍ جليفٍ
ورمحٍ كفيفْ
أُمَّةٌ أم أَمَةٌ
يطوفونَ بها
على صفيحٍ من سرابْ
رَقَصَوا على أَسوارِها وقفلوا الأبوابْ
يَعِدونَها بقمرٍ ورغيفْ
وقُبلةٍ على جبينِ الشمسِ
وعاشقٍ أَسِيفْ
أُمَّةُ مَنْ هذهِ
بدايتُها خِنجرٌ في ظهرِ الخليفةْ
ونهايتُها طائرٌ
يُؤثثُ عِشَّهُ من شظايا القذيفةْ
ينامُ القاتلُ في حجرِها
مطمئناً
وأبناؤها يُحيكونَ أكفانَهم من غيومٍ
جفيفةْ
أُمَّةٌ أم أَمَةٌ
تكالبتْ عليها
أرتالٌ من الذئابِ
تزرعُ الألغامَ في جوفِ الفتنةِ
كي تستفيقَ
ويتسخُ النهارُ بنباحِ الكلابِ
ونَضِلُّ الطريقْ
أُمَّةُ مَنْ هذهِ
ينشّونَ بها الذبابَ العالقَ
على أفواهِ بنادقِهم
ليُطلقوا رصاصَ الغدرِ
في رحمِ الأرضِ
يجعلونَها مأوىً للقراصنةِ
والجبناءْ
وترابُها مكبلٌ بأصفادِ الغرباءْ
تُطأطئُ رأسَها بدمعٍ أبكمٍ
يقودُها إلى الفناءْ
أُمَّةُ مَنْ هذهِ
تؤرخُ يومَها بحبرٍ من وجعِ الصبّارْ
تُهمشُ صورةَ البيتِ العتيقِ
المعلقِ على الجدارْ
وتصبغُ بالأسودِ ثوبَ النهارْ
غداً ستبكي أسرابُ الحمامِ
ويهطلُ المطرُ حزيناً
مليئاً بالانتظارْ
يُلطِّخُ زجاجَ النوافذِ المطلّةِ
على جفافِ الحقولِ
بالدموعْ
ويحتفلُ السوادُ بغدٍ وُلِدَ ميتاً
في ليلةٍ
يطرقُ بابَها عويلُ
الشموعْ
يبحثُ عن يدٍ كانت لأُمةٍ
أمسكَتْ بعجلةِ الأرضْ
سارتْ بها نحو كرسيٍ من صنعِ الربْ
ممزقاً ثوبُها من أثرِ الحروبْ
تملؤهُ أحقادٌ وثقوبْ
أنهكَها بكاءٌ عميقْ
وألمٌ يتسربُ من شقوقٍ استوطنتْ
أحلامَ الطريقْ
كادا أن يوقفا الأرضُ عن الدورانْ
في عالمٍ كان تائهاً
غريقْ
أُمَّةُ من هذهِ
تسترخي عاريةً في حضنِ الغريبْ
ألا من طبيبْ
يستأصلُ حملَها المريبْ
ويُقفلُ رحمَها إلى حينِ
يصلُ أولادُها إلى عمرِ النسورْ
يحرثونَ الغيومَ بدماءٍ
تصحرتْ قبل أن تغورْ
ويكونُ مخاضُها برقٌ ورعدٌ وهطولْ
تُبَدِدُ العتمةَ
وتغسلُ جفافَ الحقولْ
عبثاً يُحاولونْ
عبثاً يُحاولونَ منعَ الهواءِ عن رئتيها
وصوتُ زفيرُها يُنذرُهُمْ
بقرعِ الطبولْ
تثورُ على إيقاعها أشجارُ الزيزفونِ
توقفُ الصرخةَ في فمِ الطريقْ
تلقي بها في سلةِ النفايات
وتُعرّي الخديعةَ من ثوبِها القميءْ
احتفلْ أيها الظلامْ
الضوءُ يتبعُ آثارَ يدِها المعلقةِ
على مشجبِ البنادقِ
ويُطلقُها فرساً تصهَلُ
في الحقولْ
يُضَّمدُ الجراحَ المسفوحةَ
على قارعةِ الفصولْ
ويُطوقُ شخيرَ الصدأ
في العقولْ
أُمّةُ من هذهِ
تقفُ في عزاءِ الكبوةِ والسيولْ
تتلو سِفْرَ القيامْ
صامدةٌ لا تزولْ
صامدةٌ لاتزولْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق