قراءةٌ متواضعةٌ...
" حاجَةُ التَّغييرِ "
النصُّ "ضَبابيَّةٌ" للإستاذ
مُحمّد غازي النعيمي.. مِثالًا.
خِطَّةُ العملِ تَتضمنُ النُقاطَ الآتيةَ:-
* النصُّ ــ قصةٌ قصيرةٌ جدًا
* القراءةُــ
الفكرةُ ــ العنوانُ
* مَتنُ النَّصِّ
* الخاتمةُ
أولًا:- النصُّ
" ضَبابيَّةٌ "
كلُّ شئٍ تغيَّرَ، ملامحُ الوجهِ،لونُ الشعرِ، حتىٰ الصّوتِ، لمْ أعُدْ أُميِّزُ بينَ الأمورِ، صاحبتي الوحيدةُ عَصاي، أَتوكَّأُ عَليها، وَ أَهشُّ بها الآخرينَ، الّذينَ يَقفونَ عَلىٰ الطُرقاتِ يَتغامزُونَ الفتياتِ.
(محمد غازي النعيمي/العراق)
ثانيًا:-- قراءةُ النَّصِّ
* الفكرةُ...
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد-11)
التَّغييرُ سُنَّةُ الحَياةِ، و هو عمليةٌ تَنتجُ عنها مجموعةُ أشياءٍ و أحداثٍ جديدةٍ، تقومُ مقامَ الأقدم منها، اِستجابةً لعوامل مؤثّرةٍ علىٰ المُتَغَيِّرِ.
وَ أولُ مَن سعىٰ إلىٰ التغيير هو.. الإنسانُ، في كلِّ نواحي حياتهِ، اراديًّا و لا اراديًّا، بُغيةَ التطورِ نحو الأفضل، وَ الإستمراريةِ و الحفاظِ علىٰ دوام الوجود، و التبديل الشامل لمكونات الحياة و مستلزماتها.. أمَّا بالتخطيطٍ المسبق أو تدريجيًّا أو جذريًّا.
{ما بينَ غمضةِ عينٍ و انتباهتها
يُغيرُ اللّٰهُ من حالٍ إلىٰ حـالِ }
(مجهولُ الشاعر.. وقِيلَ: أقدمُ ما وصل إلينا في هذا المعنىٰ ما قالهُ الطُّغْرائي)
التَّغييرُ في النَّصِّ:-
أشارَ النصُّ ابتداءً لهذا التغيير في:-
(كلُّ شيء تغيرَ). فالظواهرُ الخارجية عكستْ ذلك، و هي خارجةٌ عن ارادة
إنسان أو ' بطل ' القصة الرئيسي،
و تحققتْ لاسبابٍ خارجية، منها العمرُ،
و البيئةُ، و الظرفُ المحيطُ بالاشياء.
فكلَّما تقدمتْ للأمام أو تراجعتْ.. نَتَلمَّسُ أثرَها، و يتضحُ مَعلَمُها للعَيانِ.
بالمقابل خضعتْ ردودُ أفعالٍ داخلية، عن وعيٍّ أو لا وعي، لتلك المتغيرات آنفةَ الذِّكر، فبرزت دوافعٌ لتحقيق التوازن داخليًّا مع البيئة الخارجية، من خلال إشباعها بتحقيقِ الغاية أو الهدف.
(لمْ أعدْ أميِّزُ بين الأمورِ) هذا إرباكٌ واضحٌ في وعي شخصية النصِّ، حَدَا بهِ أن يتشبثَ بأشيائهِ الخاصَّة، و يُسوِّغَ لها شرعيةَ امتلاكها و استعمالاتها في أفعالهِ (أتوكَّأُ.. أهشُّ)، و هذان الفعلانِ غَيَّرَا مسارَ الحياةِ المنحرف بفعلِ (الآخرين)!
ـــ قديمًا قال الفيلسوف و الكاتب الوجودي 'جان بول سارتر' في إحدىٰ مسرحياتِهِ "الآخرون هُم.. الجَّحيمُ"! ـــ
و لا ضرورةَ أن نسألَ:-
ما الذي يَجعلُ الآخرينَ جَحيمًا؟!
فَثَمَّ أُناسٌ خارج إطار الذات، دائمًا يتدخلون في كلِّ شيءٍ، و من هذه الاشياء مَلذّاتُ الحياةِ بأفعالٍ سلبيَّةٍ لها تأثيرٌ علىٰ الحياة مِنهُم:-
(الذين يقفون علىٰ الطرقات يتغامزون الفتيات.) ممّا يَخلُّ في توازن معايير السُّلوك الإخلاقيةِ السائدةِ.
فَمِن باب أولىٰ.. يَشقُّ الانسانُ طريقهُ بانسجامهِ و تعايشه مع الآخرين، و أداء رسالته في تثبيت ركائز الحق، و هدم كل ما هو باطل.
* العنوانُ...
(ضَبابيَةٌ) اِسمٌ منسوبٌ إلىٰ الضَّباب، يعني: عَدم الوضوح. و من معانيه:-
ضبابيةُ الملكيةِ = شكوكٌ في حق الملكية.
ضبابيةُ الصورةِ = صورةٌ معتمة
ضبابيةُ الرؤيةِ = عدمُ وضوحها.
أهميةُ العنوانِ:-
تَجَلَّتْ في ابتكارِ و تجانس العنوان مع مَتن النصِّ بجاذبية و تشويق!
و صار حقًّا أولَ عَتبةٍ تُثيرُ الانتباه
و تدعو للقراءةِ و التأمل، باغراء المتلقي دون ان يفضحَ المحتوىٰ!
و للعنوان أنواعٌ عديدة، منها:-
عنوانٌ بسيط مفرد ــ كما هو في نصنا المعروض لنا ــ تَكوَّنَ من اِسمٍ نكرةٍ يدلُّ علىٰ العموم، واسعٌ في النَّحو و البلاغة، يُشكِّلُ قيمةً فنية، ساعد على فتح مغاليق النصِّ.
فقد أشارَ القاص بهذا العنوان إلىٰ عدم وضوحِ الرؤيةِ لدىٰ بعض الناس في تعاملاتهم اليومية مع متغراتٍ كبيرةٍ و كثيرةٍ. و هو ــ أي: القاصُّ ــ ركَّزَ علىٰ جانبَيْ التعاملِ اليومي؛ الخارجي و الداخلي.. الموضوعي و الذاتي!
لعلَّهُ يَرسمُ صورةً مؤثرة تَعْلَقُ في الذِّهن، و تتركُ أثرًا ايجابيًا.
وَ أراهُ نَجَحَ في ذلكَ...
ثالثًا:- مَتنُ النَّصِّ
تَوافرَتْ لدىٰ الكاتبِ، في نصِّهِ.. أركانُ القصَّةِ القصيرةِ جدًا، و أجادَ إبرازَها في أثناءِ تَتبّع قراءة المتن، و الوقوفُ علىٰ تقنيات الكتابة السردية القصيرة جدًا.. منها:-
ضبطُ إيقاع الأحداث و تواليها بعيدًا عن الوصف، مع مراعاة تسلسل منطقي لها بما يَقنِعُ المتلقي، و بسلاسة.
تمكَّنَ الكاتبُ رسمَ صورةٍ واحدةٍ بايجازٍ مكثَّف و بجملٍ بليغةٍ، مع الإهتمام بعُنصرَي الزمان و المكان لأحداث النص:-
فالزمانُ هنا هو.. الحاضرُ مقارنًا بأحداث الماضي.
أمّا المكان فهو الرقعةُ الجغرافية التي يعيش عليها الانسان و ما يدور حوله، مع الإقتصار علىٰ شخصيَّةٍ واحدة في النص و توظيف العناوين الأخرىٰ لاكمال أفعال هذه الشخصية؛
' كالعصا وَ الآخرين'، و لا يُشترطُ ان تكونَ الشخصيات من الناس، فرُبَّما تكون جمادًا أو حيوانًا.
رابعًا:- الخاتمةُ
رسالةُ القصةِ تمثَّلت في ذروة الأحداث، و بعد نمو تدريجي لحدثٍ ما، ثُمَّ إعطاءهُ الفرصة أن يتمَّ التركيز عليه من خلال حركة الأحداث من حوله، و يصنع مفاجأةً غير متوقعةٍ.
فَـثَمَّةَ عواملٌ خَضَعَ لها النصُّ جعلتهُ متكاملًا، شكلًا و مضمونًا.. منها:-
* لا يمكنُ تخيُّل قصة بدون حدث مميز، تُبنىٰ عليه. فمثلًا.. الزمن في القصة القصيرة جدًا، قصيرٌ جدًا، فما يحتاجه الكاتب هو الوميضُ و اللمعان لنصهِ! بتكثيف و تركيز يسابق الزمن للوصول للقفلة الصّادمة و السريعة.
* بينما عنصرُ المكان لا يلعبُ دورًا مهمًا، لان الحدث مجرد فكرة أو فعل من شخصية مجردة، لا ترتبط بمكان محدد، و إلّا.. دخلنا في تفاصيل لا يتحملها النص القصيرُ جدًا!
* غالبًا ما يقدم نص الققج شخصية واحدة دون الخوض في صفاتها
و تاريخها، شخصيةٌ نمطيةٌ ترمزُ الىٰ نمطٍ معين من البشر.
* ضرورةُ حِبْكَةٍ في الإسلوب، و عقدةٍ تقومُ عليها الفكرةُ، تتأزم تدريجيًّا.
(الذين يقفون على الطرقات) جاءت كعقدةٍ هَيَّأتْ جوًّا للقفلةِ الصادمة بعدَها مباشرةً (يتغامزون الفتيات)!
و بعد سلسلةٍ من الأفعال..
(أعد ـ أميزـ أمتلك ـ أتوكأـ أهش).
* طريقة السرد هنا خبرية المظهر تطلبتها القصة كنقطة انطلاق. و هذا ما يميز نص الققج، بانه فكرةُ وِلادَةٍ تُحَرِّضُ القاريء علىٰ المشاركة ليرتقي بالنص، و تُغنيه بتأويلات و تفسيرات أخرىٰ، لمْ يتطرقْ لها الكاتبُ.
أخيرًا...
سارَتِ القصةُ القصيرة جدًا بمسارٍ منطقي واضح، تستهدفُ التغيير، و ما يعقبهُ و يقابلهُ من كَبتِ التطلعات، و كَبحِ لجامِ التغييرِ السلبي، و تقييد الحريات.
و التنويرُ من أجل التغيير.. بحاجةٍ إلىٰ وقتٍ ليس بالقليل، كي يَترسخَ و يستقرَّ في العقول، و يزدادَ كَمُّ و نوعُ روّادِهِ و مُريديه.
هكذا تَراءىٰ لي النّصُّ، و قرأتهُ بهذا الشكلِ و المضمونِ، أرجو مَنْ يَجد ثَمَّةَ فائدةً أو معلومةً لَديهِ، يطوُّرُ بها هذه القراءة المتواضعة، بشكل خاص، و يُقَوُّمُ الٕابداع في المجال الأدبي.. بشكل عام، كي تزدادَ الفائدةُ و نُنمِّي ذوقَ المتلقي و نحفِّزهُ، لان يتابع بشغفٍ و درايةٍ ما ينتجهُ الأدباءُ و ينشروه.
كُلُّ التّقديرِ للإستاذ(محمد غازي النعيمي)، و نغبطُه علىٰ إبداعاتهِ و حرصهِ علىٰ تقديمِ أفكارهُ بإطارٍ و إسلوبٍ بديعٍ حَقًّا...
مِمّا يدعونا أن نَثني عليها جَزيلَ الثَّناء.. معَ أطيبِ التحياتِ.
(صاحب ساجت/العراق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق