العضلات التي تكسو العظام
وثمة عنصر هام آخر في القرآن، وهي مراحل النّموّ المختلفة للإنسان في الرَّحِم. وتشير الآيات التّالية إلى أنّ العظام هي أوّل ما يشهد النّموّ عند الجنين ، وبعد ذلك تتكوّن العضلات التي تكسو الهيكل.
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون.
علم الأجنّة هو العلم الذي يدرس تطوّر الجنين في الرّحم. وحتّى وقت قريب جدًّا ، يعتقد علماء الأجنّة أن نموّ العظام والعضلات متزامن. ولكنّ إجراء مزيد من البحوث التي أنجزت عن طريق التّقدّم التّكنولوجي أثبت أنّ القرآن، فقط، هو الذي كشف عن هذا الموضوع بأدقّ تفاصيله.
وقد أظهرت هذه الفحوصات على المستوى المجهريّ أنّ النّموّ داخل رحم الأمّ هو بالضّبط على النّحو المبيّن في هذه الآيات: أوّلا ، ينمو نسيج الجنين الغضروفيّ. ثمّ تنمو خلايا العضلات من النّسيج الخاصّ وتتجمّع وتغطّي العظام.
ورد وصف لهذا الحدث العلمي في نشريّة علميّة تدعى" التطوّر الإنسانيّ" :
((... يحدّد شكل الهيكل العظمي الظّهور الشّامل للجنين خلال الأسبوع السّابع ، ولا تنمو العضلات في الوقت نفسه ولكن على إثر تكوّن العظام . فتتّخذ خلايا العضلات مواقع لها في العظام وتحيط بها ، على جميع أجزاء الجسم وبعد ذلك تكسو العظام. وهكذا تأخذ العضلات أشكالها وهياكلها المعروفة جيّدًا. تتمّ مرحلة تغليف(كساء) العضلات للعظام خلال الأسبوع الثّامن))
وباختصار ، فإن مراحل النموّ البشريّ الموصوفة في القرآن الكريم تتّسق تمامًا مع الاكتشافات الحديثة لعلم الأجنّة.
*المراحل الثّلاث في رحم الأمّ:
في القرآن الكريم ، يلاحظ أن الإنسان يخلق في رحم الأم في تمشٍّ من ثلاث مراحل :
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) الزمر.
يشير التعبير فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ إلى المناطق الثّلاث المتشاركة في نموّ الجنين و تطوّره. وهذه المناطق هي :
أ) تجويف البطن
ب) تجويف الرحم
ج) تجويف المشيمة
وكما رأينا ، فقد كشفت البيولوجيا الحديثة أن التّطورات الجنينيّة تحدث في ثلاث مناطق من الرّحم ، وفقًا لتسلسل وصفها في الآية. وعلاوة على ذلك ، وتبيّن التّقدم في علم الأجنّة أن هذه المناطق تتألف كلّ منها من ثلاث طبقات .
ويتألف جدار البطن الجانبيّ من ثلاث طبقات : المائلة الخارجية ، المائلة الداخلية وعضلات البطن العارضة. و بنفس الطّريقة فجدار الرّحم مكوّن من ثلاث طبقات سميكة : المحيط ، وبطانة الرّحم و"الميومتر"
وتتألّف المشيمة ، وهي الجهاز الذي يربط الجنين برحم الأمّ ، من ثلاث طبقات : amnion (الأغشية الدّاخليّة التي تحوي الجنين) ، والمشيمة (الطبقة الوسيطة من amnion) ، و déciduale (الطبقة الخارجية من amnion )
وكما أُشِير في الآية ، خلق الإنسان في ثلاث مراحل متميّزة في الرّحم .
لقد كشفت البيولوجيا الحديثة أن النموّ الجنينيّ للطّفل يحدث في ثلاث مناطق منفصلة من رحم الأمّ.
واليوم تعتبر هذه المعارف أساسيّة. في كتب علم الأجنّة بالجامعات الطّبيّة ، فعلى سبيل المثال ، كتاب "علم الأجنّة البشريّة الأساسيّة "، وهو مرجع أساسي في مجال علم الأجنّة ، يعبر عن هذه الحقيقة على النحو التالي:
>> تمرّ الحياة في الرحم بثلاث مراحل : ما قبل الجنينيّة (أول أسبوعين ونصف) ؛ الجنينيّة (حتى نهاية الأسبوع الثامن) والجنين (من الأسبوع الثّامن من الولادة)>>
هذه المراحل ، وتدعى الثّلاثيّات ، وتعيّن ثلاث فترات وتتطابق مع مراحل نموّ الطّفل.
وُصِفت الخصائص الثّلاث من هذه المراحل على النّحو التّالي:
** المرحلة ما قبل الجنينية - L'étape pré-embryonnaire
وخلال هذه المرحلة الأولى ، فإنّ عملية تقسيم الخليّة الملقّحة تبدأ بسرعة. وبعد ذلك تصبح مجموعة الخلايا شبيهة بالعنقود وتتمسّك بجدار الرّحم مع استمرار انقسام هذه الخلايا التي تتنظّم مؤلِّفة ثلاث طبقات.
** المرحلة الجنينية - L'étape embryonnaire
وخلال هذه المرحلة الثّانية التي تدوم خمسة أسابيع ونصف، يسمّى الكائن الحيّ بـ "الجنينيّ""embryon". وخلال هذه الفترة ، تبدأ الأجهزة والأعضاء الأساسيّة للجسم في الظّهور من طبقات الخلايا.
** مرحلة الجنين - L'étape foetale
بداية من هذه الخطوة يسمّى الجنينيّ بـ "الجنين" "foetus" (من الأسبوع 8 من الحمل حتى الولادة). وعلى النّقيض من المرحلة السّابقة ، يأخذ الجنين مظهر للإنسان مع ظهور الوجه واليدين والقدمين. وبرغم أن قيس طوله لا يزيد عن ثلاثة سنتيمترات فقط في البداية ، فإنّ الجنين يملك جميع أجهزته واضحة وكاملة. وتستغرق هذه المرحلة ثلاثين أسبوعا ويستمرّ النّموّ حتى الولادة.
لم تكن هذه المعلومات عن نموّ الجنين في الرّحم متاحة إلاّ بعد المشاهدات و المتابعات و الدّراسات التي استعملت فيها التّقنيات الحديثة. ومع ذلك ، مثلها مثل العديد من الظّواهر العلميّة ، وردت هذه المعارف ، بأعجوبة، في القرآن. والحقيقة أن تلك المعلومات المفصّلة والدّقيقة أُعْطِيَتْ في القرآن الكريم في وقت لم يكن للنّاس إلّا معرفة محدودة في المسائل الطبّيّة ، وهو ما يثبت بوضوح أنّ القرآن كلام الله.
حمدان حمّودة الوصيّف
من كتابي : القرآن والعلوم الحديثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق