الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

عقل مستبد بقلم براءة المغربي

(عقلٌ مُستبد)
في لحظةٍ ما شَعرَ القلبُ أنهُ قد  تَبددت شَخصيتُه، و قال لنفسه : ما عُدتُ أنا ، و ما عُدتُ أعرِفُني ، تَتخبط المشاعر في أركان القلب ، و ينال العقل مِنها بكل اسِتبدِاد ،  يُريد القلب أن يمتلك أشياءٍ كثيرة ، أو حتى قليلة ، رُغمَ الخوف الذي قد استَبَدَّ فيه ، يُريدُ أن يَنشق ، أن يبتعد ، أن يغدو دون سلطة ، أن يَستَقلَ بذاته و لو لحين ،  و لذا قد أقرَ البَدادِ بينهُ و بين العقل،  مُتمنياً أن يُبدّد خَوفهُ و أحزانه بانتصاراً يطغى بهِ على العقل ، و أن يَحظى بالبُداد الجميل من كل ما تمنى ، و ما أن بدأ البَدادِ وقد وقفَ القلب بالجهة المقابلة للعقل ، حتى أخذَ العقل يَنتزع القناعَ عن وجهه ، وقد شَمرَ عن ذِراعيه ، و راح يضربُ القلب بطريقةٍ وحشية،  حتى بَكَّه بعنفٍ مرير ، و أخذ يألكَهُ أَلكاً بأنيابٍ حادةٍ مُفترسة ، ثمَ تَكَّه تحت قدميه بلا شفقة ، فقد نَشبَ بينهما صِراعٌ مخيف، و كنت أنا ضمادةً على الحدث، فحلفتهُ برأس أُمَهُ أن يترُكَهُ و شأنه وقلتُ له بصخب : 
دَعهُ يتنفس ، قد زَلزلتَ الأرضَ من تحته ، فما عادَ بِمقدور القلب تَحمُل استبدادك أكثر من ذلك ،  فتوالى عَنْهُ مُرغماً ، و تركه مُنكباً على وجههِ يُصارع النِزاع ، تتلاطم حُجراتهُ من الآلم ، و دمهُ يَفترشُ الأرض ، رئتاهُ خاويةٌ من الأُكسجين وجُلَ دَواخله مُنهكة ، و عادوا فُرادى كُلٌ منهم على حَدى ، مضى العقل يُقهقه مُستهزئً لما أودى بهِ القلب وقد تعالت قهقاتهُ المستفزة، و ضحكاتهُ المُصفرة، و راح يتمايل بمشيهِ متفاخراً بالنصر الذي حَققهُ على القلب، فالعقل مُسْتَبِدٌّ لن يقبل أن يكونَ القلبَ لهُ نقيض ، وقد دفعَ القلب ثمن الحُرية الذي كان يُريدها ، و أخذ يَجُر نفسهُ ليعود لتجويفه بين الأضلع و هو يُكفكفَ حُزنَهُ ، و يبتلع الحسرةَ بدلاً من الدم ، والآلم يُظللهُ بقدرٍ عالٍ من الخيبة ، يُحاول التقاط أنفاسه المسلوبة خَوفاً ، قد كان يبكي بكاء الأصم ، تنهال دموعهُ بصمتٍ مُريب ، وقد مُلئت جِراحهُ بالوري من كثرة ملح عَيناه ، ولولا نُفوذي على العقل لأماتهُ بشراهة استبداده ، قد كانَ البَدادِ للقلب كمن لا يُغني و لا يُسمن من جوع ، فاستبداد العقل للقلب قاتلاً للغاية ، و لا يُمكن للعقل التنازل عن مَبادئِه و قوانينه الصارمة ، و لن يتهاون حتى لو غَدى القلبُ بين يداهُ قَتيلاً ، فهو يَحكمهُ حُكماً طاغياً ، مُغتصباً للأشرعة و القوانين ، فحاكماً مُستبداً مُتغطرس لا يمكنهُ أن يقبل تعارض القلب له ،
 كَيف للقلب أن يعفو بعد ذلك ؟
و من أينَ لهُ بترياقٍ ليسترد قِواهُ و عافيته ؟
و أين سَيجدَ لهُ سبيل أمانٍ من الظُلم يُنجيه ؟
قد غَدى جَريحاً يحتضن الخُذلان الممزوج بالآلم ،
رُغم معرفة القلب باستبداد العقل له، الإ انهُ كان يَحلُم بأن تفترش الورود أرضه ، و تمتلئ سَمائهُ بحمام السلام،  و أن يَسير بِوطنِه دون قُيودٌ وأنظمة، و أن يمضي بالأرضِ كِفافاً ،  كانَ حُلمهُ بسيطاً ، كحُلم سجينٍ أن يفتح النافذة التي تعلو جُدران غُرفتهُ الضئيلة المُظلمة، ليرى ضوء الشمس و يتخذ من خُيوطها رِدائاً يُدثر قحط قلبه وكل ما كان يطمحُ إليه بعضاً من الحرية فدفعَ نفسهُ ثمناً لحماقاته ...
#براءة_المغربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مَنْ زعلك مَنْ بقلم العلاء الرشاحي عدنان عبد الغني أحمد

.........مَنْ زعلك مَنْ....!؟                       ...................  ـ من زعلك ياحبيبي   وأنت لحياتي عمود .. ـ من زعلك ياحياتي   هم ...