الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

القلم والمصيدة بقلم عبدالصاحب أميري

 القلم والمصّيدة

عبد الصاحب إ أميري 

**************

عاد الرّجل الخمسينيّ إلى منزله مهموما يجرّ خلفه اذيال الخيبة  ، مخترقاََ إحدى أزقّة بغداد القديمة  والمظلمة،

تمكّن المطر   منه دون أن يدافع عن نفسه كأنّ يستقر قليلاََ تحت سقف، أو يسرع هرباََ، كما يفعل الآخرين،  ذهب بعيدا وهمّه الوحيد مالك منزله، لم يتمكّن  من دفع إيجار منزله البائس خلال شهرين متتاليين، مما آثار غضب المالك،  وبدأ يهدّد بشتّى أنواع التّهديد، 

-احنه ما نتقشمر إذا تقول  آني كاتب، روح اشتغل بالجرايد، احسن من شغلة العماله

فقد عبّاس السّيطرة على  أعصابه 

-أنت لا تعرف عنّي شيئاََ، أغرب عن وجهي

إنّ ظلّ المالك بدإ يتبع كلّ خطوات عبّاس  لذا تراه ينظر في الوجوه  خوفا  من صاحب عشّه الّذي لا يزيد عن ستين متراََ،  

 ادمعت عيناه  دون إرادة واختلطت  بحبّات المطر ، وصوت المالك، و  سقف منزله البائد  بات عاجزاََ  أمام  مطر الشّتاء،

صوت زوجته المخنوق   اخترق الحواجز ليصل إلى مسمعه

-عباس كول شسوي، غرفتنه غركت

أى وينك تعال ساعدني

صدّك ابو الملك اجه قبل شوية يريد الإيجار، دبرتله 

احمرّ  وجه عبّاس  اصفرّ،. دون وعيّ  صرخ بأعلى صوته

-لا سعاد لا حد يبني بالمطر ، العمال اغلبهم كاعدين بطاله 

ومنو يداين الفقير

التفت  إليه رجل عجوز يعتمد على عصاه

-الله موجود ابني

*

كانت ليلة قاسيّة جدّا، ما إن حطّ أقدامه في منزله وقف على مأساة زوجته٠ غرفتهم الوحيد كادت أن تغرق بالكامل ، وسعاد أم بنتيه، الّتي تزوجته حبّا بانسانيّته ، بدأت تشكّ في معنى الإنسانيّة الّتي انعدمت  في الأسواق، لا أحد يدفع لها درهما  واحداََ، ولا أحد يشتري القلم ، قلم عبّاس معروف بين زملائه، إلا أنّه لا يرغب العمل به  خوفاََ من الإنزلاق

نظر رئيس التّحرير إلى  عبّاس  بعيون فاحصة، 

-قلمك رائع  أستاذ عبّاس، بس لازم تعرف احنه صحيفة وعدنه خطوط حمراء، اذا أحببت أن تعمل معنا لازم تلتزم بالخطوط الحمراء، أترك المسؤولين بحالهم 

نظرت سعاد إلى زوجها كمن تريد أن تعرف أين ذهب 

-هاي وين رحت عباس ؟ 

التفت ولا زال المشهد أمامه، 

- شروط الكتابة صعبة، الكاتب لازم يصير ببغاء المدير، 

سعاد عالمنه عجيب، إذا تريد  أن تكون صادقاََ مع قلمك ، ستجد نفسك في القعر، تفهمين ما اقول في  القعر ، وأنا لا استطيع أن أبيع قلمي لمن لا يستحق، ولا أريد أن أكون في القعر

أريد أن أكون حرّا، 

لا لن أقع في مصّيدة القلم 

عامل بناء، يزيدني فخراََ وشرفاََ

تناول وسادته.و انزوى في  ركن  رمي بجسده المتّعب 

-تريد تنام عبّاس

-اذا أقدر، سعاد

-نعم 

-عندي صديق صاير  مدير تحرير جريدة، دعاني للعمل،

-منو

-محسن 

نظر محسن بتفحّص  وهو يتربّع على عرشه ، 

-انت مكانك هنا، مو توكف على الرّصيف، تطلب عمل 

-شوف أستاذ محسن، العمل بالصّحافة به خطوط حمراء، أنا ما أعرف خطوط حمراء 

-لا تقلق ما عدنه أيّ خطّ أحمر ولا حتّى أصفر، عندك موضوع لو انطيك، 

-محسن، بعدنه ما بدأنا، تريد ترسم لي خطّ

، اني راح  اكتب عن موضوع حريّة الصّحافة 

وعنوانه 

مصّيدة القلم

تبتسم  سعاد ابتسامة عريضة

عنوان جميل وعجيب 

مصّيدة القلم 

***

 ساعة حائط  غرفة عبّاس تشير إلى الرّابعة صباحا

صفير الحارس اللّيلي يعلو بين حين  وآخر،

طرق على شبّاك الغرفة  

-عبّاس كوم مو وقت نوم 

عبّاس

عبّاس يتقلّب في فراشة. يميناََ ويساراََ، ينظر باتّجاه الصّوت

-منو

-اني  محسن، 

يتّجه للشبّاك، يفتح النّافذة ، 

-شكو، جاي قريب الصبح محسن

-سدوا الصحيفة، ويدورون عليك 

انهزم 

عبد الصاحب إ أميري

*،****



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مَنْ زعلك مَنْ بقلم العلاء الرشاحي عدنان عبد الغني أحمد

.........مَنْ زعلك مَنْ....!؟                       ...................  ـ من زعلك ياحبيبي   وأنت لحياتي عمود .. ـ من زعلك ياحياتي   هم ...