الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

المحاضرة 3 من سلسلة محاضرات فلسفية بعنوان البيان في الأكوان بقلم رماز الأعرج

تحية عطرة مفعمة بالأمل والتقدم نحو الأهداف السامية ,
نسمات فلسفية ,
سلسلة محاضرات فلسفية (المحاضرة 3 ) 
 (البيان في الأكوان) 
رماز الأعرج , 
 الجديد في الشيفرة الكونية  
أصبحت الفلسفة فكر وشيء متاح فهمه للجميع , والكل سيصبح لديه فهم ماذا يعني فلسفة , وسيصبح لدى  الغالبية  العظمى من المجتمع رؤية منطقية  وطريقة منطقية  في التفكير منسجمة مع الواقع , بغض النظر عن معتقداته الدينية  أو ثقافته , فقد درس الفلسفة كعلم , كنواميس كون وليس كأقوال مفكرين ورؤيتهم المتنوعة المتناقضة و المتصارعة تناحريً والمنقسمة بين الدين و الأيديولوجيا والسياسة , وخلط وصراع المثالي والمادي مما يجعل من الموضوع بحر معقد لا نهاية له , في الوقت الذي هو ابسط من ذلك بكثير و أجدى  بألف مرة حين يوجه الجهد إلى الواقع مباشرة  ونواميسه المتاحة لنا مباشرة أمامنا
وما علينا سوى  فهمها وتفسيرها ومراقبة فعلها المنظم وفهمه وتعميمه وهو الذي سيقودنا حتما من البسيط إلى المعقد حتى فهم جوهر الأشياء كما هي علية في الواقع بأكبر قدر ممكن .

وهذا سيعني أن طريقة تفكيرنا سوف تنتقل من الخيالي إلى  الواقعي , من السائل الدائم الغموض إلى البحث المتواصل عن الإجابة و التخطيط والتفكير في كيفية  فهم الواقع في حركته والسيطرة عليها بل و استغلالها لصالحنا قدر المستطاع , وبذلك تصبح هذه الرؤية حقا هامة  للجميع وتوحد فهمنا للواقع من خلال نواميسه , وهكذا تعود الفلسفة إلى أصولها علما خالصا واضح المعالم و تعيد الاعتبار لنفسها وتأخذ مكانتها التي تستحق بين بقية العلوم , فهي ليس علم العلوم
كما سمية في القديم , بل هي اليوم العلم الذي يقدم الأساس لفهم الكون والأساس القاعدي النظري الضروري لجميع العلوم و المعارف و المهن ولكل ما يخطر على بالنا من اختصاص ومعارف إنسانية بعد أن أصبحت تشمل معادلات كونية رياضية منطقية تعطينا القدرة على البحث واستخلاص النتائج النظرية الأكيدة والحتمية دوما .

وتجدر الإشارة أن الفلسفة كانت في الماضي شيء مقتصر على المفكرين وقلة من الباحثين المختصين , وعلى البقية  فقط أن يتلقوا هذه الأفكار في الغالب وما زال هذا قائم حتى اليوم , أما الطريقة الجديدة فقد قلبت المعادلة وحولت الفلسفة إلى ممارسة ونشاط فكري وتطبيقي وضروري أن يمارسه جميع الأفراد في المجتمع , سواء بشكل فردي أو جماعي , من خلال دراسة هذه النواميس الكونية وتعلمها كمنهج تعليمي على أكثر من مرحلة ومستوى , وهذا ليس بهدف أن يصبحوا جميعهم فلاسفة بل لكي يفكروا جميعا بطريقة تقارب الواقع وحركته ولفهم ثوابته , والبقية متحرك ,  وكلا منهم له لونه الفكري و الثقافي والمعتقد الديني وغيره , ولكن بما يخص الواقع المعاش مباشرة يدرك الجميع نواميس هذا الوجود و يتعاط معها بوعي , وهذا هو الفارق الجوهري بين إنسان المجتمع المعاصر والمجتمع المستقبل المنشود .

أي صناعة الوعي البشري لذاته من خلال وعي وجود الحقائق وفهم نواميس الكون  والحياة التي نعيشها جميعا
مما سيمكننا من التفهم أننا شركاء في هذا الوجود وليس أعداء أو خصوم محتملين كما هي عليه ثقافة  المجتمع الحديث والمعاصر , وفي النهاية الحياة شراكة بيننا وبين الكائنات الأخرى أيضا التي من حقها أن تعيش كما نحن .

نذكر هنا شيء هام جدا حول النواميس الكونية , أن هذه النواميس لها عدة ومستويات من الفعل و أشكاله وتجلياته لنا ويرجع هذا الاختلاف إلى طبيعة النواميس ذاتها التي تنطبق على كل شيء وعلى ذاتها أيضا وبذلك تخضع في كل مرحلة من مراحل الوجود الكوني إلى أشكال مختلفة من الفعل , وهذا يعتمد على نوع الحركة ومستوى  تطور وتعقيد المادة  والشكل الذي وصلت إليه في هذا التعقيد . 

والحيز الكوني الخالي من الظواهر المرئية , هو مسرح للنواميس والاحتمالات الممكنة والواقعية والمحتملة معا , وهنا مرحلة أولية لها خصوصيتها في فعل القوانين الكونية , بحيث يكون الفاعل هنا مختلف عن الفاعل في المراحل ألاحقة , فقد تتغير بعض المظاهر مثل السبب والنتيجة وقد نحصل على عدة نتائج من سبب واحد أو العكس أحيانا , وقد لا نتمكن من معرفة أو توقع شيء من ذلك في أحيان أخرى , وقد تتغير أولوية هذه النواميس عن ما نعرفه في العالم العادي المنظور ولكن هذا لا يعني أبدا أنها قد ألغيت أو انهارت كما يحاول بعض المزا ودين في العلم تصوير ذلك , فهذه النواميس أزلية وشمولية ولا يمكن أن تنهار وهذا أيضا من ضمن شروط النواميس ذاتها أي أنها حتمية و أزلية وتنتقل من شكل إلى أخر وتتبادل فعلها باستمرار بين الفاعل والمتفاعل و المفعول وهذا التبادل للفعل والتداخل يجعلها مختلفة طبعا حين نرصد فعلها وحركة الأشياء التي تسير على أساسها  في مسيرتها وتطورها , ويمكن تصنيفها بحسب واقعها ذاته على النحو التالي :

1 - الحيز الكوني الأول ,, حركة فيزيائية محضة ونواميس كونية
2- تشكل الذرة و العالم الفوق ذري ,, حركة فيزيائية وكيميائية مركبة ومختلطة 
3- تشكل الكتل والمواد الكثيفة و الصلبة , حركة فيزيائية وكيميائية متطورة ومركبة
4- المادة العضوية وتشكل الحياة ,, حركة أكثر تعقيد من مركبات الحركة السابق
5 - ظهور الحياة المتطورة ذات الجهاز العصبي , حركة أكثر تعقيد وعصبية
6- ظهور المجتمع وتطوره ,, حركة اجتماعية معقدة شاملة لكل ما سبقها 
7- الحركة الكهرو حيوية والذهنية , مثل الفكر والوعي البشري,
بكل أبعاده المادية والمثالية الممكنة مثل النفس والبعد الروحي للإنسان, وهي اعقد أشكال الحركة واشملها من كل ما سبق من أشكال , ويعتبر الذكاء البشري من أكثر أشكال الحركة تعقيد في الوجود حتى الآن حسب مكتشفاتنا ومعارفنا العلمية والمثبتة.

أن لكل شكل من هذه الأشكال حركته الخاصة ومستوى تطوره كما رأينا , ولكل مستوى من هذه المستويات في التطور والتركيب المعقد للمواد نظامه الخاص , وهذه النواميس تتأقلم وتشكل الرابط الثابت الذي يستمر وجوده في جميع الحالات للوجود الكوني المعروف لنا , أي في أي حالة كانت عليه المادة ستكون هذه النواميس موجدة حتما حتى  ولو كانت مخفية عنا ,  فهذا لا يعني أنها غائبة طالما لا يوجد عدم في الوجود أو الكون , ولا يمكن وجود أي فراغ في أي حيز زحكاني كأن , وأي محاولة  من هذا القبيل قد باءة بالفشل بل تودي حتما إلى كارثة زحكانية  غير متخيلة.

وهذا معناه أنها غير مرهونة بقدرتنا على رصدها أصلا ولهذا هي افتراضية حتمية وجبرية أيضا ولا يمكن أن تغيب إطلاقا , ولكن شكل فعلها و تمظهرها حتما سيكون مختلف من مرحلة لأخرى , ومن ظاهرة إلى غيرها ومن مستوى  تطور وحركة إلى غيره , وفي هذا الكتاب الأولي حول هذه النواميس سوف نتطرق لها بشكل عام ولن نكثر من الأمثلة 
عن عمد كوننا نقدم هنا مادة ومعادلات وليس إجابات جاهزة كما اعتدنا في القديم أن نجد المنهاج ولكن هذا أنتهى الآن ونحن أبناء اليوم في المعرفة ومنهاجها , ولهذا ستكون الأمثلة قليلة نوعا ما لترك المجال للباحث لتفعيل العقل و تنشيط الدماغ وأن يقوم هو ذاته في البحث عن أمثلة  واقعية واستحضارها ذهنيا بعد أن أعطيناه المفتاح الذي يمكنه من فتح الأقفال المعرفية  لأي شيء كان ويمكن أن يوجد من المواد الكونية. 
   
في النهاية علينا أن نعد أنفسنا لصناعة الوعي الجديد المطلوب للمرحلة  القادمة  و إلا علقنا و أصبح مستوى  وطريقة  تفكيرنا تشكل كابح للتطور البشري والمجتمعي العلمي المتصاعد , الذي أصبح من الضرورة تطوير طريقة التفكير ومنهجيته والتخيل العلمي والانطلاق نحو الابتكار وتطوير أساليب التفكير والتعليم وارتقائها بما ينسجم مع مستوى المعارف الإنسانية  العلمية  المعاصرة.

,, معا نحو مجتمعا مفكرا مبدعا منتجا لعصره ومستقبله ,,
سديم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

فلكِ قصائدي بقلم علاء فتحي همام ،،

فلكِ قصائدي / أهيم تائها بخيالها   وجمالها يجول ويُصخِب يدنو نحوي يُداعبني ولعينيّا يُسامِر ويَجذِب والدموع تشكو فِراقا  فنهر العشق لا يَنض...