من ذاكرة التاريخ
العالم إلى أين , (الحلقة 6 ) رماز الأعرج
في نفس هذه الفترة تقريبا وما بعدها بقليل من القرن الماضي , ظهرت الكثير من الأفكار المتطرفة القومية و العنصرية وغيرها , وهي ليس وليدة عصرها لوحده بل هي امتداد تاريخي لموروث فكري وفلسفي و أيديولوجي , وهي امتداد لتفاعلات العصر الأوروبي من بقايا القرون الوسطى الفكرية والسياسية .
ولو رصدنا الفكر المضاد لهذه الأيديولوجيات المتطرفة والعنصرية , سنجد أن هناك فكر و أيديولوجيا سياسية مضادة ظهرت وكانت موجودة أصلا وهي الفكر الاشتراكي العلمي الذي تمكن في النهاية من إقامة نظام سياسي على بقعة جغرافية ما , وبعد ذلك امتدت و انتشرت في أكثر من بلد في العالم .
ولو تعمقنا قليلا في التفصيل وبحث الأسماء الأكثر بروزا في الطرف العنصري , سنجدها موزعة بين النازية والفاشية و الشوفينية القومية اليابانية والصهيونية وفي المنطقة العربية كانت الوهابية وغيرها من بعض التيارات المتطرفة التي مارست القتل والعنف ضد المختلف وكانت تابعة ومأجورة لقوى الاستعمار العنصرية في جميع أحوالها .
كانت هناك الكثير من الصراعات والخلاف بين هذه القوى جميعها , وكانت أفكارها من ضمن أيديولوجيا الحرب العالمية الأولى والثانية معا , وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية بين الحرب العالية الأولى والثانية تفاعلت المصالح وتضاربت فيما بينها في تحالفاتها , من ضمنها دخول النازية في حلف مع الصهيونية , وكان حلف ومعاهدات بينها , ومع نشوب الحرب العالمية الثانية اكتشف الحزب النازي خيانة الصهيونية لهم في السر والسلوك , وهذا ما جعل النازية في حينها تضع الصهيونية على قائمة الأعداء بشكل مفاجئ بعد أن كانت حليف , بل بينها الكثير من المشتركات الفكرية الأيديولوجية من العنصرية وكره الآخر , والنظرة الفوقية لكل الشعوب الأخرى أو الثقافات واعتبارها في مستوى أدنى ويجب أن تخضع لمصالح لرغباتهم كونها أدنا منهم مرتبة وتطور .
في ذلك الحين تصدى الاتحاد السوفيتي لتلك الحركة النازية العنصرية المتطرفة , بعد أن هزمت كل أوربا واجتاحتها و أخضعت غالبية دولها الأساسية , أو هزمتا في الحروب والمعارك التي دارت بينها وحولت جزء منها إلى حليف لها.
بقي الجيش الأحمر في حينها منذ معركة ستالينغراد الشهيرة ومحاولة النازية السيطرة عليها واحتلالها , حيث فشلت تلك المعركة وانقلبت لصالح الجيش الأحمر , وتمكن في حينها من حصار ما يقارب ال 250 ألف جندي نازي , وفي (2 فبراير , شباط , صفر , من عام 1943 ) تم استسلام الفيلق من الجيش الألماني , بقيادة فريدريك باولوس وجميع ما تبقى معه من قيادة وضباط وجنود من فيلقه بكامله , وبقي الجيش الأحمر من بعدها في معركة مستمرة متواصلة حتى وصل إلى العاصمة الألمانية وإسقاط مركز النظام النازي السياسي بالكامل , و أقام نظام سياسي مكانه كان في حينها نظام موالي للاتحاد السوفيتي بشكل مباشر , وقسمت العاصمة الألمانية برلين إلى غربية وشرقية , وبقي هذا حتى انهيار الاتحاد السوفيتي تقريبا .
اليوم المراقب للحدث , بمقارنة تاريخية مباشرة , يرى العجب , النازية تفيق من جديد , وهي أصلا منتعشة في أوروبا منذ عقود , وتحت تشجيع و إشراف أمريكي , بل وتعاون بين الطرفين , وتطور في الفترة الأخيرة , لدرجة الدعم بالسلاح والعتاد وغيره كما نرى اليوم .
تعود روسيا اليوم الجديدة برغم اختلاف الأيديولوجيا التي كانت تحكمها في حينها , تعود اليوم بشكل مباشر لتتصدى للنازية , بشكل مباشر , بعد وجودها ومساعدتها في سوريا والشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب الدولي والتطرف .
كان السياسيين الروس يقولون أن لم نحارب الإرهاب في سوريا سيصلنا مباشرة , وكانت هذه الرؤية صحيحة وواقعية , وها هي نفس القوى التي حاربت تحت راية الإمبراطورية المارقة ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في حينها , تعود لتحارب في سوريا والعراق تحت نفس الراية ومنها إلي ليبيا واليمن واليوم فإلي أوكرانيا ضد روسيا.
ولو تعمقنا قليلا أكثر في الموضوع , نكتشف أن من انقذ أوروبا من السقوط في فك النازية في حينها هو الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا كدولة كبرى كانت تشكل مركز الاتحاد الأساسي , وها هي روسيا تعود اليوم لتنقذ أوروبا والعالم من شر هذا الفكر المتخلف الذي عاود الاستفاقة مرة أخرى بعد أن قويت شوكته بدعم من العصابة الكبرى ومن تبعها من مجموعة لصوص حكاية علي بابا ..
الحقيقة أن على الشعوب الأوروبية أن تشكر روسيا على تضحياتها الكبرى في محاربة النازية , والعنصرية الشوفينية الجديدة والصهيونية المتأصلة و المتجذرة في تلك المنطقة من العالم , وجدير بالذكر , أن الفاشيين الأوكران في حينها , كانوا في صراع مع الجيش الأحمر وعملوا ضده في الحرب , وانتهت الحرب العالمية وبقيت بعض المناطق النازية في أوكرانيا في عمل إرهابي وصراع ضد الجيش الأحمر والاتحاد السوفيتي واستمر ذلك قرابة العشرة سنوات , هذه من ذاكرة التاريخ وليس من جعبتنا .
الإشكالية الكبرى أن الشعوب الأوروبية لا تفرق عن الشعوب العربية والأفريقية في شيء , من حيث مستوى الوعي السياسي , وتجد أحيانا لدى العرب وغيرهم من الثقافات وعي سياسي أكثر من شعوب أوروبا , و وعيهم يصنعه النظام بشكل كامل كما يريد , ويستطيع النظام قلب مزاجهم في حدث معين وتجييره لصالحه بين ليلة وضحاها , وهذا حصل أمامنا في هذا الحدث العالمي الأخير المتواصل بعد .
إن الحرب الدائرة اليوم هي ليس حرب بين روسيا و أوكرانيا كما يحاول البعض تسويقها وكما تسوق على الشعوب الضحلة الوعي والمعرفة , بل هي حرب بين تحالف أمريكي أوروبي , وروسيا بشكل مباشر , ومن خلفها الصين و إيران و فنزويلا وكوبا والهند والدول و الحركات التي تناهض الحلف المتوحش الذي أصبح شائخ وفقد كل شرعته الأخلاقية القيمية و الإنسانية السياسية وغيرها بسبب ممارساته وسلوكه المباشر الذي لم يعد يخفى على احد .
في الحقيقة أن مشرب جميع هذه الأفكار العنصرية المتطرفة واحد , وليس هي بكل ألوانها سوى فروع , ومن النظرة الأولى لطبيعة التحالف العالمي الواضح اليوم , كل الأنظمة المتخلفة العنصرية الغارقة في عنصريتها وتخلفها الحضاري والإنساني جميعها تقف صف واحد بشكل علني , بل الإرهابيين الدوليين جميعهم يوجهون الى تلك المنطقة اليوم , بعد أن تم تحوليهم من منطقة صراع إلى منطقة أخرى .
إن هذه الجيوش المكونة من المرتزقة جميعها ليس إلا عصابات تطلقها رعاة البقر وثقافتهم التي انفلتت على العالم بشكل كبير ما بعد الحرب العالمية الثانية , ولكنها تجاوزت حدودها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , بعد أن أصبح العالم قطب واحد تسيطر عليه عصابات مارقة تشغل مجرمين الأرض وقطعان الكلاب الضالة بأقل من ربع تكلفة جيوشها المنظمة , وتحملهم كل أوزارها , وتتظاهر أنها تحاربهم في النهاية حين تنتهي المهمة في منطقة ما , وتعلن أنها قضت على وجودهم , وهي في الحقيقة تنقلهم من منطقة إلى منطقة من العالم بحسب معاركها وحروبها التي تديرها في كل بقاع الأرض منذ سبعة عقود .
وكأن التاريخ يعيد نفس القوى القديمة وتعود لتحسم المعركة ذاتها ولكنه لا يفعل ذلك بل هي تواصل واستمرار لمسار الجذر التاريخي للصراع وتطوراته , والحرب السابقة قضت على النازية من حيث النظام المسيطر وقوته , ولكنها لم تستطيع اجتثاثه بالكامل كفكر ونظام عميق متجذر في الثقافة و المنطقة الأوروبية .
ها هم أحفاد المكافحين الأوائل الذي قهروا النازية في حربهم معها و أنقذوا أوروبا من الوحش النازي يعودون من جديد لاستكمال نفس المعركة , ومن الجدير بالذكر والاحترام , أن الشعب السوفييتي في تلك الحرب قدم 20 مليون نسمة من الضحايا, بينما وصل عدد أجمالي ضحايا الحرب العالمية من القتلى يقدر ما بين 60 إلى 80 مليون نسمة , , وهذا يعني أن الشعب السوفيتي في حينها كان له نصيب يتراوح بين الربع والثلث من عدد الضحايا البشرية من قتلى غير الجرحى والمصابين الكثر , التي دفعتها شعوب الأرض بسبب هذا الفكر المتعصب المتطرف الذي أوقع البشرية في ويلات لا تحصى ولا تعد خسائرها وما زال .
في النهاية العالم يسير وفق مسار جديد ولا تراجع فيه , والوضع الحالي لا يختلف كثيرا عن الحرب العالمية الثانية وظروفها مع بعض التغيرات التاريخية التي أفرزتها المرحلة ومسارها , وهذه ليس سوى حرب عالمية شمولية تخاض ضد روسيا , والحرب شاملة لكل الإمكانيات المتوفر لدى جميع القوى المشاركة , بما فيها العسكرية كما هو واضح , ولم يبق سوى إرسال الجيوش الرسمية بشكل مباشر , ولكنها لا تجرؤ على فعل ذلك بحكم إدراكها أن هذا يعني نهايتها الحتمية بهزيمة نكراء ستنهي وجودها إلى الأبد .
العالم الجديد وتحالفاته بدأت تتبلور بشكل تدريجي ولا تراجع عن مسار تاريخي طويل بل هي مرحلة من هذا المسار التاريخي للبشرية , عالم متعدد الأقطاب .
رماز الأعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق