قصة موت الشاعر الفارس " طرفه بن العبد " .. " الغلام القتيل " .
...
طرفه بن العبد شاعر و فارس شجاع , تحدى الملك , وفضل أن يموت بشجاعة على أن يهرب , فقتل وهو بعمر 26 عام فقط .. عاش 26 عام مليئه بالفلسفه و الشجاعة و الفروسية و الغزل ..
...
طرفة بن العبد :
هو عمرو بن العبد . و" طرفة " لقب غلب عليه . ولد في البحرين سنة 543 م ، وقتل في عهد عمرو بن هند ، ملك الحيرة سنة 569 م . فيكون قد عاش ستة وعشرين عاما فقط ، ولهذا عرف باسم " الغلام القتيل " .
وينتمي طرفة لأسرة عرفت بكثرة شعرائها من جهة الأب والأم . وكان في صباه عاكفا على حياة اللهو، يعاقر الخمر وينفق ماله عليها . ولكن مكانه في قومه جعله جريئا على الهجاء . وقد مات أبوه وهو صغير فأبى أعمامه أن يقسموا ماله وظلموه . فتمرد على أعمامه و قبيلته و اتجه نحو حياة الصعلكه .
ولما اشتدّت عليه وطأة التمرد عاد إلى قبيلته وراح يرعى إبل أخيه " معبد " إلا أنها سرقت منه . فغضب اخوه من عدم مسؤوليته ومن عبثه . ولما قصد مالكاً ابن عمه نهره و طرده لسبب لهوه و اسلوبه العبثي في الحياة . فعاد مجدداً إلى الإغارة والغزو و الصعلكه .
....
موته :
توجه طرفة إلى بلاط الحيرة حيث الملك عمرو بن هند ، وكان فيه خاله المتلمّس (جرير بن عبد المسيح) .
وكان طرفة في صباه معجباً بنفسه يتخلّج في مشيته . فمشى مشية الزهو و الفخر بين يديّ الملك عمرو بن هند وهجاه بأبيات قاسية . فنظر إليه الملك نظرة كادت تبتلعه . وكان خاله المتلمّس حاضراً ، فخاف على طرفه من غدر الملك . فلما قاما قال له المتلمّس : " يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك " . فقال طرفة : " كلا .. لا تخف .. فما أنا بخائف " ..
بعدها كتب الملك عمرو بن هند لكل من طرفة والمتلمّس كتاباً إلى المكعبر عامله في البحرين وعُمان ، وإذ كانا في الطريق بأرض بالقرب من الحيرة ، رأيا شيخاً دار بينهما وبينه حديث . ونبّه الشيخ المتلمّس إلى ما قد يكون في الرسالة . ولما لم يكن المتلمّس يعرف القراءة ، فقد استدعى غلاماً من أهل الحيرة ليقرأ الرسالة له ، فإذا فيها :
" باسمك اللهم .. من عمرو بن هند إلى المكعبر.. إذا أتاك كتابي هذا من المتلمّس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً " .
فألقى المتلمّس الصحيفة في النهر ، ثم قال لطرفة أن يطّلع على مضمون الرسالة التي يحملها هو أيضاً فلم يفعل طرفه ، بل سار حتى قدم عامل البحرين ودفع إليه بها بكل تحدي و جرأة .
فلما وقف المكعبر على ما جاء في الرسالة أوعز إلى طرفة بالهرب لما كان بينه وبين الشاعر من نسب ، فأبى طرفه الهرب وقال له : لو كنت انوي الهرب لما أتيت لك بالرساله بنفسي . فحبسه الوالي وكتب إلى عمرو بن هند قائلاً : " ابعث إلى عملك من تريد فاني غير قاتله " .
فبعث ملك الحيرة رجلاً من تغلب ، وجيء بطرفة إليه فقال له : " إني قاتلك لا محالة .. فاختر لنفسك ميتة تهواها ".
فقال طرفه بكل شجاعة : " إن كان ولا بدّ فاسقني الخمر وأقتلني " . ففعل به ذلك .
....
شعره :
شعر طرفة قليل لأنه لم يعش طويلاً . ولكنه حافل بذكر الأحداث ، ويعكس أفكاره وخواطره بالحياة وبالموت ، وتبرز فيه الدعوة لقطف ثمار اللذة الجسدية والمعنوية قبل فوات العمر .
وقد ترك لنا طرفة ديواناً من الشعر أشهر ما فيه "المعلّقة" .
....
طرفة بين فكّي التاريخ :
طرفة الشاعر الجاهلي المبدع عانى من ظلم الأقرباء وهو أشنع ضروب الاستبداد لأنه يأتي من الأيدي التي نحبها والتي نظنّ أننا نأمن شرّها . ولم تمهله المؤامرات التي حيكت ضده كثيرا فمات في ربيع عمره عن (26) عاما ، حيث قتل بوحشية لا لذنب اقترفه سوى افتخاره بنفسه و إبداعه وإن كان بالهجاء .
سقط الشاعر ضحية لخلاف شخصي مع الملك . وإذا صحّت الرواية حول موته وأنه حمل الكتاب الذي يحوي أمراً بقتله ، فإنّ هذا يدلّ على مدى عزّة النفس والثقة التي كان طرفة يتمتّع بها ، وإن كانت في آخر الأمر سبب مقتله .
بمقتل طرفة بن العبد في ربيع عمره وفي بداية عطائه حرم عشاق الأدب العربي والباحثين في علوم الصحراء والبداوة وتاريخ العرب من مصدر خصب كان يمكن أن يزوّدهم بالمعلومات التي يحتاجونها ، وحرموا من عطاء خيال مبدع .
وتبقى معلّقة الشاعر شاهدا على مجد صاحبها وعلى الظلم والنهاية المؤلمة للشاعر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق